الانفجار الأكبر داخل التيار الوطني الحر... باسيل يفصل عون تمهيداً لتطويع أو طرد آخرين
بعد أشهر من الأخذ والردّ، بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والنائب آلان عون، صدر أمس قرار فصل عون من التيار، في خطوة سيكون لها تأثيرها الجدي على وضعية التكتل النيابي للتيار الوطني الحر، وعلى الوضع القيادي، حيث يبدو أن «تحالف المغضوب عليهم» يشمل آخرين ممن يعتقدون أن باسيل سيخيّرهم بين الالتزام بالتعليمات أو الطرد خارج التيار، وهو أمر لا تقف مرجعيات سياسية في البلاد بعيدة عن تأثيراته.وتولّت اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار نشر بيان، فنّد أسباب قرار الفصل الخمسة، والتي تركّز على عدم التزام نائب بعبدا بـ«قرار التيار في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 14/6/2023، ورفض حضور جلسات مجلس الحكماء، ورفض التقيّد بسياسات التيار وقراراته السياسية والتنظيمية والإعلامية، والامتناع عن حضوره اجتماعات الهيئة السياسية والمجلس السياسي». كذلك «مخالفته النظام الداخلي للحزب (...) رغم محاولة الرئيس ميشال عون وباسيل وعدد كبير من الرفاق في التيار إقناعه بالتراجع عن المخالفات»، حيث أتى القرار بعد توصيتين من مجلس الحكماء الذي يرأسه الرئيس عون، وبعد تأنٍّ بتوقيع باسيل على هذا القرار لفتح المجال للمفاوضات. وقد حرصت اللجنة المركزية على المقارنة بين مخالفات عون ومخالفات النائب الياس بو صعب المتشابهة إلى حدّ بعيد، مشيرة إلى أن «فترة إعطاء الفرص دامت 9 أشهر بالنسبة إلى بو صعب من دون أي نتيجة أو تجاوب من قبله، فصدر القرار بالفصل». الأمر الذي تكرّر مع عون وفق المصادر، منذ لحظة انتهاء جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بتاريخ 14 حزيران 2023 حين دعا باسيل النواب إلى اجتماع على عجل داخل مجلس النواب لسؤالهم عن الاسم الذي صوّتوا له، بعدما تبيّن أن نواب التيار لم يصوّتوا جميعاً لصالح المرشح المتّفق عليه مع المعارضة جهاد أزعور. يومها رفض عون الإجابة متسلحاً بمنصبه كنائب وبسرية التصويت التي يكفلها الدستور.
ظاهرياً، يبدو الخلاف وكأنه مرتبط حصراً بما حصل في جلسة الانتخابات الرئاسية. لكنّ الواقع يظهر أن الصراع بين باسيل وعون وآخرين من الرعيل القديم بدأ في عام 2006 عشية الاجتماع الذي أقيم في مجمع «الرمال» لمناقشة نظام الحزب الداخلي، مروراً بالثلاثاء الأسود وحلقات النقاش بالنظام في عام 2014 ثم إقراره في عام 2015 وانتخاب رئيس للتيار، وصولاً إلى حراك تشرين في عام 2019 والانتخابات النيابية الأخيرة وما تلاها. غير أن الخلاف أخذ بعداً مختلفاً منذ فترة غير قصيرة، حيث تشكّل معسكران، واحد يقوده باسيل بدعم من الرئيس ميشال عون وغالبية قيادة التيار، وآخر يضم النواب الياس بو صعب وآلان عون وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا وآخرين من الذين لا يزالون في التيار أو خرجوا من تلقاء أنفسهم أو تمّ فصلهم، حيث سيكون لقرار فصل عون ردات فعل من النائبين كنعان وأبي رميا لم تتضح بعد، ولو أن أبي رميا يحرص في مجالسه على التأكيد أنه لن يبقى في الحزب دقيقة بعد فصل عون. وهي ليست المرة الأولى التي يتم التداول فيها باستقالة الثلاثة معاً أو بقائهم معاً، على اعتبار أن مكوث الواحد منهم في الحزب بعد إقالة رفيقه سيقود إلى وضعه في موقف ضعيف ويجبره على «البصم» على قرارات رئيس التيار ويضعه في موقف محرج.
وكانت الوساطات جارية بين عون وباسيل برعاية كنعان في بعض الأحيان لكنها لم تنجح. وثمة اجتماع عُقد قبل عشرة أيام بشكل مباشر بين باسيل والنائب عون بحضور مسؤولين حزبيين في قضاء بعبدا، بينهم من يدعم النائب عون الذي لم يرد الدخول في سجال مع باسيل حول «المخالفات»، خصوصاً مسألة التصويت في جلسة 14 حزيران، أو حتى موافقة النائب عون على الظهور على شاشة الـ mtv رغم مقاطعة الحزب لها، إضافة إلى أسئلة باسيل حول «قيام عون بخطوات سياسية لا تعكس خط التيار ومن دون إبلاغ قيادته، وصولاً إلى عدم حضور اجتماعات المجلس السياسي والتكتل».
ومع ذلك، اتفق باسيل وعون على حلّ المشكلة بمثول الأخير أمام مجلس التحكيم ومرافقة جبران له لطيّ الصفحة. وتقول أوساط قيادة التيار إنه كان من المقرر أن يصل جواب من نائب بعبدا في اليوم التالي، لكنه بعث برسالة يطلب فيها إجراء مراجعة بالنظام الداخلي بأكمله وآلية اتخاذ القرارات. عندها طلب باسيل من المشاركين في اجتماعه مع عون، الاجتماع به من جديد، ليخرجوا بمواقف لا تعكس موافقة على طلبات باسيل.
وبينما قرّر النائب عون التزام الصمت طوال الفترة الماضية، رافضاً الخروج إلى العلن بأي موقف من القضية، إلا أن فريق باسيل يعود إلى فكرة أن المعارضين له «شاركوا في خطة ممنهجة لضرب رئيس التيار، والرهان على ما بعد انتهاء عهد ميشال عون وتقدّمه في السنّ لإنشاء كتلة داخل التكتل بهدف إنشاء حزب من الداخل، وأن هؤلاء سعوا من أجل كسر هيبة باسيل». ويذهب المقربون من باسيل إلى حد اتهام معارضيه بأنهم عملوا على الخطة «بدعم من السفارات التي أقرت بعضها لباسيل بالأمر»، معتبراً أن «هؤلاء الذين اهتموا بكسر هيبة التيار بوجود ميشال عون وليس في غيابه، لم يفهموا أن النتيجة ستنعكس عليهم».
المشكلة الأكبر والأكثر تأثيراً في جمهور التيار، أن يطرد عون ابن شقيقته أي آلان عون، وهو ليس أمراً ذا تفصيل أبداً. وتشدد أوساط التيار على عدم تراجع باسيل عن وجهته «في ضبط الحزب» وتأكيده أن «قرارات التيار كمؤسسة تنبع من تشاور وتداول مستمريْن في هيئاته التنظيمية والسياسية، وخاصة تكتل «لبنان القوي» والهيئة السياسية والمجلس السياسي، حيث تستمر النقاشات والمداولات ساعاتٍ عدة قبيل اتخاذ القرارات». وتقول الأوساط نفسها إن «النواب وأعضاء المجلس السياسي ونواب رئيس التيار شاهدون على كل هذه السياقات التشاورية التي تحفظ وتصون التنوع في الرأي والاختلافات المشروعة في وجهات النظر». وتؤكد هذه الأوساط أن «تطبيق النظام وآليات المساءلة ومحاسبة المخالفات لا رجعة عنه، فلا يمكن أي مؤسسة حزبية أن تستمر وتتقدم إذا لم يتم الالتزام بأنظمتها الداخلية واللجوء إلى التفلّت الدائم من هذه الأنظمة في شكلٍ ممنهج ومتعمّد كما فعل النائب عون».
لكنّ وجهة النظر هذه ليست محل إجماع، وهناك في قلب التيار من يعتقد العكس، ويأخذ على باسيل أنه «ديكتاتوري، ومتفرّد في القرارات، وهو يراكم الأخطاء فوق الأخطاء إلى حد صار من الصعب السكوت عنه». وينقض هؤلاء كل رواية المقربين من باسيل عن تمرّد النائب عون وتصويته بخلاف قرار التيار، مطالبين «بإبراز البرهان على ذلك». ويقول أصحاب وجهة النظر هذه: «إن ما حصل افتراء، لأن النائب عون أكّد لباسيل في جلسة لاحقة تلت جلسة الانتخاب التزامه بقرار الحزب التصويت لجهاد أزعور ولو أنه غير مقتنع بذلك». ويضع هؤلاء كل ما يحصل في إطار «مسلسل التصفية لكل من له حيثية في التيار من الجيل المؤسّس حتى يتسنّى لباسيل التفرد بإدارة حزب على قياسه».
ويضيفون أن البيان الصادر عن اللجنة المركزية «مليء بالمغالطات ويفترض إجراء مراجعة اليوم بمعايير المحاسبة وآلية إحالة النواب إلى مجلس التحكيم الذي يرأسه العماد عون، والكل يدرك أنه متأثر بباسيل، فضلاً عن تقدمه في العمر، وأن أعضاءه، من غير المؤهلين لمحاسبة النواب». ويقول المعارضون لباسيل: «إن القصة بدأت يوم ترشح النائب عون في وجه باسيل إلى انتخابات رئاسة الحزب». حينها آثر «الجنرال» الوقوف إلى جانب باسيل، طالباً من عون الانسحاب، وأن باسيل، أطلق في اليوم التالي معركة لتصفية كل رفاق النائب عون من القياديين السابقين، مثل نعيم عون وزياد عبس وطوني نصرالله ورمزي كنج». ويشير أصحاب هذا الرأي إلى «وجود خلل في الآلية الديمقراطية، لأن باسيل، وهو غير مؤسس للحزب، يتخذ كل القرارات منفرداً، ويغطي نفسه بمجلس سياسي وهيئة وتكتل لا يناقشون بل يبصمون فقط. وهو ما عزّز «اللاثقة» بينه وبين النواب خصوصاً بعد انقلابه على إرث ومبادئ التيار من الإبراء المستحيل، عندما تم تأييد وزير المال في حكومة فؤاد السنيورة، أي أزعور للرئاسة، مروراً بالتحالف مع تيار المستقبل وحركة أمل».
يقول أحد معارضي باسيل: «السؤال اليوم هو، حول من تمرّد على مبادئ التيار وخان تاريخ الحزب، وساءت أحوال العونيين في عهده قبل أن يُمنى بفشل رئاسي كبير، وإن على أبناء التيار التفكير، في من يشكل خطراً على مستقبل التيار... آلان عون أم جبران باسيل؟».