اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

سوق الدعارة من "الشارع" إلى "السوشال ميديا"

صيدا اون لاين

امرأتان من "مصطادات زبائن الدعارة"، تقفان عند ناصية شارع في منطقة الدورة، تغويان رجلاً، يُقلّهما بسيارته إلى شقتهما، معتقداً أنها ليلة "الحظ المزدوج". فاراً من مبنى شاهق في المعاملتين، بعد ساعات، سينقل الرجل إلى المستشفى، في حالة "تمزق شديد" في شرجه. لقد كانت المرأتان "رجلان" يتخفيان بأزياء نسائية، والدعارة تحوّلت إلى اغتصاب وحشي. هذه الحادثة التي وقعت قبل الانهيار الاقتصادي عام 2019، ويرويها لنا أحد الأمنيين الذين عاصروها، سينتقل مسرح جريمتها إلى السوشال ميديا اليوم، ولن يصعب اقتفاء أثر "سوق الدعارة" هناك وحسب، بل سترتبط بجرائم أخرى، من إتجار بالبشر إلى تبييض الأموال، إلى اغتصاب. وملف "التيكتوكرز"، الذي ضج به لبنان العام الفائت، لاستدراج واغتصاب شباب قصّر، نموذج صارخ عن ذلك.

مصادر أمنية في قوى الأمن الداخلي، تؤكد لـ"نداء الوطن"، أنّ الدعارة ارتفعت جراء الأزمة الاقتصادية. مع ذلك، بلغت أرقام الموقوفين 56 موقوفاً فقط بين جرم اصطياد زبائن ودعارة عام 2024 بحسب المصادر. "مكتب الآداب نايم... على إيامنا كنا نوقّف 300 شخص خلال شهرين"، هكذا يعلّق أحد العاملين في مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب في مرحلة سابقة، موضحاً أن "هزالة" رقم الموقوفين تعكس تراجع دوريات مكتب الآداب جراء انعكاس الانهيار على القوى الأمنية.

إلا أن السبب الرئيسي، والذي يجعل مكافحة جريمة الدعارة (جنحة تنطوي على الممارسة والتسهيل، وقد تصل للجناية في حالة الإتجار بالبشر) هو أنّ "سوق الدعارة" انتقل بنسبة تتجاوز 70 في المئة من الشوارع والملاهي الليلية، إلى العالم الافتراضي: فما هي أبرز تطبيقات المواعدة التي يحصل فيها "اصطياد الزبائن"؟ وكيف يروج مؤثرون عبر السوشال ميديا لليلة جنسية "بآلاف الدولارات"؟ وكيف يتحول رجال باحثون عن الدعارة، هم أنفسهم "ضحايا"؟ وهل يمكن للقضاء والضابطة العدلية ملاحقة الدعارة المقنعة التي تخفي وراءها ما هو أخطر وصولاً إلى جرائم تبييض الأموال عبر السوشال ميديا؟

"بيوت الحجة" في برج حمود

من حارة البدوي - مقطع السكة، في برج حمود، إلى الدورة - محيط بنك بيبلوس، والكرنتينا، يذهبن سيرا على الأقدام ويقفن من جنسيات آسيوية وأفريقة متعددة على "سكة" اخترنها، أو "اختيرت" بالإكراه لهنّ، ضمن شبكات استغلال وإتجار بالبشر، تؤمّن لهنّ السكن، وما تسميه "الحماية"، سيما لمن أصبحن بلا إقامة شرعية منهن في لبنان.

في أحد شوارع برج حمود، مبنيان متلاصقان، تعود ملكيتهما لامرأة ملقبة بـ"الحجة"، تؤجرهما بأسعار مضاعفة كغرف، لفتيات غالبيتهنّ أفريقيات، يمارسن الدعارة في تلك الغرف.

نسأل الجيران عن سبب موافقة "الحجة" على حصول جنحة الدعارة في منزلها، وما يعتبر تسهيلاً لها، لتأتينا الإجابة "هي مستفيدة مالياً، فغرفها المؤجرة لا تستحق 50 دولاراً، فيما تدفع لها هذه الفتيات 250 دولاراً في الشهر على الغرفة".

من 150 موقوفاً في الشهر... إلى 56 موقوفا في السنة!

من جهته، يؤكد مصدر أمني في قوى الأمن الداخلي، لـ"نداء الوطن" أن جرائم الدعارة ارتفعت بشكل ملحوظ بعد الأزمة الاقتصادية، وكانت أكثر ضحاياها إما سوريات، أو عاملات منزليات، بعدما أنهى مستخدموهنّ عملهنّ لديهم، على وقع الأزمة، فانخرطن في المهنة، أو تم إخراطهن فيها بالإكراه، عبر شبكات تخطط لذلك مسبقا أحياناً، أي قبل مجيئهن إلى لبنان. ونسأل المصدر عما إذا كانت بعض مكاتب العاملات الأجنبيات، "متواطئة"، ليكتفي بالقول: "كل شي جايز".

بالأرقام، وفق المصدر الأمني، خلال العام 2024، تم توقيف 56 شخصاً بجرم الدعارة: 11 شخصاً منهم بجرم "اصطياد زبائن"، و45 شخصاً بجرم ممارسة الدعارة، علماً أن 6 من الموقوفين، كانوا ذكوراً.

وفي الأرقام أيضاً، يعلق مصدر سابق في مكتب حماية الآداب بالقول، "يبدو أن مكتب الآداب يكتفي اليوم بتوقيف من ترسلهم إليه المخافر، ولا يحرك دورياته"، مشيراً إلى أننا منذ أعوام "كنا نوقف خلال شهرين 300 موقوف بجرم الدعارة، لا سيما الفتيات اللواتي يصطدن الزبائن على الطرقات".

من جهتها، تبرر المصادر الرسمية تلك الأرقام المنخفضة للتوقيفات، سائلة "قديه بدنا نوقّف عالم؟ كم قضية بدنا نعالج؟ بكم موقوف بدنا نهتم؟"، مشيرة إلى أن "توقيف الفتيات له تبعات، فسجنهن مفصول عن الرجال ولا أماكن متاحة لسجون خاصة لهنّ، عدا عن الحاجة لقضاء يبت بالمحاكمات بوتيرة سريعة".

البلديات بدورها "منهارة"، وحتى عملها الذي يقتصر على الصلاحيات الإدارية كـ"إبعاد" عوامل إقلاق راحة السكان وتسجيل واقعة الدعارة، والحفاظ على مسرح الجريمة، ريثما تصل الضابطة العدلية، تقلص بفعل الأزمة. وانهيار البلديات بدوره، ساهم بانتشار ظاهرة الدعارة في برج حمود والدورة، وسط تفلت لم تشهده سنوات ما قبل الأزمة.

في السياق، يوضح مصدر في بلدية برج حمود، "أننا فقدنا 70% من عديد الشرطة والحراس. إذ قبل الأزمة المالية كان عديدهم 370 عنصراً، أما اليوم فأقل من 80، غالبيتهم متقدمون في العمر، بعدما فرّ العنصر الشبابيّ للبحث عن عمل برواتب أعلى من راتبهم الذي خسر قيمته خلال الأزمة".

خسارة العنصر الشبابي وأكثر من نصف عدد الحراس والشرطة، خفّضت من قدرة الشرطة والحراس على "إبعاد" من يسببون إقلاق الراحة العامة والإخلال البارز بالقوانين. على الرغم من ذلك، يقول المصدر "ما زلنا نحاول ما استطعنا، علماً أن إبعاد مصادر إقلاق الراحة العامة، ينجح موقتا، فالساعون للدعارة يعودون إلى الأماكن التي أبعدناهم عنها بعد حين".

بعد الحرب السورية، وصل الإتجار بسوريات وجلبهن من سوريا إلى لبنان بهدف الدعارة، إلى جعل السوريات والأفريقيات من أثيوبيات وكينيات وغيرها من الجنسيات يتصدرن هذه السوق. في المقابل، يلفت المصدر في البلدية إلى حالة نفسية "صعبة" لفتيات أرغمن على الدعارة، ما يزيد الحاجة لدعمهن قانونياً ونفسياً ومادياً، سيما في حالات إرغامهن على الدعارة، والتي غالباً ما تقودها عصابات يتزعمها أشخاص من جنسية لبنانية.

تطبيقات المواعدة: دعارة مقنّعة

العامل الثاني، الذي أدى لتراجع أعداد الموقوفين بجرم الدعارة، والذي لا يمكن إغفاله هو تحول مهنة "اصطياد الزبائن" من الشوارع والبارات، إلى تطبيقات المواعدة، ليتحول هذا الفضاء من البحث عن الحب إلى "سوق للدعارة"، ويصعب على القوى الأمنية، مطاردة الدعارة "الفيزيائية"، حيث أن موعدها بات يحجز "إلكترونيا" وليس في البار أو في الشارع.

وأبرز تلك التطبيقات هو تطبيق Tinder الشهير للمواعدة، وتطبيقات Badoo و Bumble و scout و Meet. وتصفح سريع لتلك التطبيقات، يكشف أن غالبية النساء ذوات الجنسية الأفريقية، من سكان برج حمود، ويعرضن أرقامهنّ ضمن الـ"بروفيل"، تسهيلاً للوصول إليهنّ خارج التطبيق.

I don’t work… I am a princess

من 100 دولار... إلى 100 ألف

أما "سوق اللبنانيات"، فهي الأغلى، وهي سوق "مقنّعة" غالباً. يعلق المصدر الأمني "بتنا نرى ترويجاً لهن من قبل مؤثرين على السوشال ميديا، يسألن ماذا تعملن؟ فيجبن بلا شيء فيما يقدن سيارة فيراري (على غرار I don’t work… I am a princess )، وطبعاً إذا كانت ليلة فتاة في الشارع بـ100 دولار، فليلة هؤلاء بآلاف الدولارات".

وقبل فضح ملف مغتصبي الأطفال المعروف بـ"فضيحة التيكتوكرز" بأشهر، علت صرخة عدد كبير من متابعي تيكتوك في لبنان، حول "فيديوات بث مباشر، لنساء يتعرين، ويقمن بألفاظ إباحية، في دعوة صريحة للجنس، تلبى بإرسال "أسد تيكتوك" لحساباتهنّ (قيمته 300 دولار)، وبعض تلك الحسابات، كان يشغلها "قوادون"، وتعتريها شبهات تبييض أموال.

وعن إمكانية تحرك الأجهزة الأمنية والقضاء، ضد الدعارة المقنعة، من الناحية القانونية، يوضح المحامي والخبير بالمعلوماتية شربل شبير، أنه "أمر ممكن، طالما أن الفعل يشكل ضرراً على الإنتظام العام والآداب العامة، وفي هذه الحالة، للنيابة العامة الحق بأن تتحرك عفواً حتى بدون شكوى متضرر".

صحيح أنه لا نص محدداً يعالج الدعارة عبر السوشال ميديا بشكل مفصل، لكن "هناك القناعة الذاتية للقاضي، التي تستند إلى مجموعة مواد، أبرزها قانون الاتجار بالبشر 164/2011 وقانون حماية البيانات رقم 81/2018 وقانون تبييض الأموال 44/2015 وغيرها من القوانين، ولا ننسى أن لبنان موقع على معاهدات دولية ضد الإتجار بالبشر، والاتفاقات تعلو على القوانين".

هذا ويلفت شبير في الوقت نفسه إلى "صعوبة هكذا مهمة، نظراً لشبه استحالة رصد آلاف الحسابات، عدا عن أن حسابات تبييض الأموال، هي خارج لبنان، وترسل تلك الأموال من خارج المصارف، والقنوات الشرعية الرسمية".

الرجال "ضحايا" أيضاً؟
مجال الدعارة ليس حكراً على النساء، فهناك رجال يمارسون الدعارة مقابل المال، وضمهنم مثليون ومتحولون جنسياً.

لكن الأخطر من الدعارة نفسها، يبقى الإتجار بالبشر، عبر عصابات تجبر النساء على ممارسة الدعارة. أما الأخطر من "اصطياد" زبون رجل يبحث عن قضاء ليلة مقابل المال، فهو استدراجه بهدف اغتصابه تحت عنوان الدعارة.

فحادثة المعاملتين لم تكن عابرة لرجلين اغتصبا رجلاً اغتصاباً وحشياً، بعد توثيق يديه لمنعه من الهرب. بل كانت لديهما سوابق في المجال. وهذا الاستدراج انتقل اليوم إلى "السوشال ميديا".

يروي أحد الخبراء في مجال الفنادق، حوادث حصلت في الأعوام الأخيرة، لرجال، حجزوا غرفاً، مع من اعتقدوا أنهن نساء، بهدف الدعارة، ليتضح أنه تم استدراجهم من قبل رجال. أحد هؤلاء، استنجد بإدارة الفندق، التي أمهلت الرجل الآخر، أي المستدرِج، نصف ساعة لمغاردة الفندق قبل إبلاغ الشرطة.

هذا عدا عن عمليات النصب، التي يتعرض لها رجال، يرسلون أموالاً طائلة لحسابات "مقابل ليلة" مع فتاة، بعد استدراجهم بـ"صور إباحية" ليتبين أن العملية كلها "نصبة". أحد هؤلاء الرجال، أرسل لنا صوراً لفتاة، قامت إحدى الشبكات باستدراجه عبرها.

الانهيار "يسهّل" الدعارة

ويبقى أن أسوأ ما في هذا الملف، هو أن "منظومة انهيار لبنان"، ساعدت شبكات الإتجار بالبشر، المستغلة لنساء مستضعفات، من سوريات وعاملات أجنبيات، ليس جراء التسبب بالانهيار والظروف الاقتصادية الصعبة وحسب، بل أيضا جراء انهيار المؤسسات الأمنية نفسها، المنوط بها ملاحقة جرائم الدعارة والإتجار بالبشر.

فعندما تصبح دورية لقوى الأمن قد تنقذ عشرات النساء، "كسرة" على ميزانية قوى الأمن، وعندما يعمل عنصر في قوى الأمن "ديلفري" ليستطيع تأمين عيشه بكرامة، يصبح "ديلفري الدعارة" أسرع من دورية لقوى الأمن، لا قدرة على ملئها بـ"البنزين"، لتتحرك عجلاتها!

تم نسخ الرابط