سيناريو قد يتحقق: أكثر من 12 مليار دولار للبنان

أكد كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي غربيس إيراديان في مقابلة حصرية مع "نداء الوطن" أن الحكومة الجديدة قادرة على إجراء إصلاح شامل والحصول على دعم مالي كبير من المجتمع الدولي والدول العربية في حال لم تتم عرقلتها سياسياً من الداخل، مرجّحاً حصول هذا السيناريو المتفائل الذي سيدرّ أكثر من 12 مليار دولار على لبنان بنسبة 50 في المئة.
- هل تستطيع حكومة نواف سلام الجديدة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والإدارية اللازمة؟
الجواب المختصر هو نعم. لقد بعثت التطورات الأخيرة في لبنان والمنطقة الأمل في عهد سياسي واقتصادي جديد في لبنان، تمكّن الرئيس جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام معاً من تشكيل حكومة تبدو أكثر استقراراً وكفاءة، وتوفر بعض الأمل في معالجة ثلاثة تحديات رئيسية:
- الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار الهش، والذي يتطلب من كل من إسرائيل و"حزب الله" سحب قواتهما من جنوب لبنان؛
- إعادة بناء البلاد بعد الدمار الهائل الذي أحدثته الحرب مع إسرائيل؛
- البدء في عملية تنفيذ الإصلاحات العاجلة لإنعاش اقتصاد لبنان ومعالجة الفساد المستشري والذي ترسخت جذوره في مؤسساته. ستساعد معظم الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، لبنان من خلال توفير التمويل اللازم لإعادة بناء البلاد شرط تنفيذ الإصلاحات العاجلة. وبما أنه أمام الحكومة الجديدة فترة قصيرة قبل الانتخابات البرلمانية في أيار 2026، قد تستمرّ لجنة المال والموازنة البرلمانية الحالية في عرقلة تنفيذ بعض الإصلاحات أو المراسيم الحاسمة كما فعلت في السنوات الأربع الماضية.
- هل الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لا تزال كما أوصى بها صندوق النقد الدولي؟
بشكل عام، فإن السياسات والإصلاحات اللازمة هي نفسها التي حدّدها البرنامج الاقتصادي الذي أعدته الحكومة اللبنانية بعد الانهيار. إلا أن معالم البرنامج (الافتراضات وتوقعات المؤشرات الاقتصادية الكلية الرئيسية) تغيرت بشكل كبير بسبب التطورات الاقتصادية على مدى السنوات الأربع الماضية، بما في ذلك سعر الصرف، والتضخّم، وحجم ديون القطاع المصرفي الذي تقلّص أو تمّ تخفيضه من خلال عمليات الاقتطاع القسرية haircuts، وحجم الديون السيادية المستحقة (المحلية والأجنبية).
- هل ما زالت هناك ضرورة لتنفيذ برنامج الإنقاذ بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟
من دون البرنامج الاقتصادي الذي يدعمه صندوق النقد الدولي، لن يتمكّن لبنان من جذب المساعدات المالية الكافية من المجتمع الدولي (وخاصة من الدول العربية الغنية) لإعادة الإعمار بعد الحرب المدمرة، وللتعافي الاقتصادي السريع والمستدام، ولجعل حصة أكبر من الودائع في البنوك متاحة على مدى السنوات القليلة المقبلة. ومن دون الضغوط التي يمارسها من المجتمع الدولي وبرنامج صندوق النقد الدولي، من غير المرجّح أن تنفذ النخبة السياسية اللبنانية الإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية العاجلة. فالنخبة الحاكمة، وخاصة أكثر من نصف النواب في البرلمان الحالي، تستفيد من الوضع الراهن رغم معاناة شريحة كبيرة من اللبنانيين لغاية اليوم من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة.
- ما هي السياسات والإصلاحات الرئيسية المطلوبة اليوم لوضع الاقتصاد اللبناني على مسار التعافي القوي والمستدام؟
تتطلب معالجة الأزمة الاقتصادية الحالية تحوّلاً جذرياً في السياسات ضمن برنامج اقتصادي شامل يتمتّع بدعم موحّد من جميع اللبنانيين وصندوق النقد الدولي. ويعتمد نجاح البرنامج الاقتصادي الشامل المطلوب على سبع ركائز:
- تحقيق الاستقرار السياسي وتحسين الوضع الأمني؛
- إعادة هيكلة النظام المصرفي وإتاحة استخدام معظم الودائع؛
- الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن ونظام صرف أجنبي محرر؛
- التحول الواضح نحو توحيد مالي قائم على الإيرادات الضريبية لزيادة الفائض الأولي بشكل مستدام وإفساح المجال للإنفاق على الأولويات؛
- إصلاح النظام القضائي لضمان التنفيذ الفعّال لسيادة القانون وتطبيق تدابير مكافحة الفساد؛
- تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.
من أجل تنفيذ الإصلاحات المذكورة أعلاه بشكل فعال، هناك حاجة إلى تشكيل لجنة لتنفيذ الإصلاح الاقتصادي، تضم خبراء اقتصاديين لبنانيين، مهمّتها بناء جسور تواصل بين الإصلاحات المطلوبة والتحديات السياسية التي تعيق تنفيذها.
- ما هي توقعاتك للمؤشرات الاقتصادية الكلية الرئيسية بعد تشكيل الحكومة؟
يمكن وصف الوضع الحالي في لبنان بغير المؤكد أو غير المضمون، مع وجود احتمالات قوية لإجراء إصلاحات عميقة تقابلها رياح معاكسة. ورغم تشكيل حكومة جديدة كفوءة مؤخراً، إلا أن هناك العديد من العوائق التي لا تزال قائمة. لذلك، أعددت سيناريوين محتملين:
سيناريو الإصلاح العميق (احتمال حدوثه بنسبة 50%): في هذا السيناريو، نفترض حصول لبنان على 12.5 مليار دولار من المساعدات المالية من المؤسسات المتعددة الأطراف والجهات المانحة الرسمية (الرسم البياني 1): 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في سياق ترتيبات صندوق للتسهيلات الائتمانية الممتدة لأربع سنوات، و3 مليارات دولار من البنك الدولي لمشاريع محددة؛ و4.5 مليارات دولار من دول مجلس التعاون الخليجي؛ و 2 مليار دولار من الدول الأوروبية الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للبنان أن يجذب 10 مليارات دولار من دول مجلس التعاون الخليجي في شكل استثمار أجنبي مباشر خلال الفترة 2025-2029 (الرسم البياني 2)، والذي يصنّف على أنه تدفقات رأسمالية غير منشئة للديون. في مثل هذا السيناريو، فإن صورة المستقبل الأكثر إشراقاً واضحة وفي متناول اليد، حيث يتمتّع لبنان بالعديد من المكوّنات اللازمة للنجاح، بما في ذلك روح المبادرة والحيوية والقدرة البشرية التي لا يمكن إنكارها. ( جدول ملخص مؤشرات الاقتصاد الكلي والمالية الرئيسية)
سيبلغ متوسط النمو 6.2 في المئة في الفترة 2025-2029 (الرسم البياني 3)، وسيكون مدفوعاً بالاستثمار الأجنبي المباشر، وخاصة من دول مجلس التعاون الخليجي، والاستثمار العام (الممول في الغالب من القروض الأجنبية الرسمية الميسرة المخصصة لمشاريع محددة) بالإضافة إلى الصادرات.
سيرتفع الفائض المالي الأولي من حوالى 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 إلى 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029. وسينتج عن هذا التحسن مكافحة التهرب الضريبي، تفعيل الجباية الضريبية وتعافي الاقتصاد.
سيتقلص عجز الحساب الجاري من 10.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 إلى 6.6% بحلول عام 2029 مدعوماً من رفع الحصار المفروض على الصادرات اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية، والتعافي القوي في عائدات السياحة، مع رفع حظر السفر إلى لبنان.
بالإضافة إلى تدفقات رأس المال الصافية غير المقيمة الكبيرة (في شكل استثمار مباشر أجنبي وقروض رسمية)، فإن هذه العوامل من شأنها أن تزيد الاحتياطيات الرسمية، باستثناء الذهب، من 10.3 مليارات دولار في عام 2024 إلى 26.4 مليار دولار بحلول عام 2029.
وسوف يتم وضع الدين الحكومي المرتفع على مسار هبوطي ثابت بدعم من التعديل المالي وإعادة هيكلة الديون والنمو القوي، مع انخفاض الدين من 136% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 إلى 68% في عام 2025 و53% بحلول عام 2029.
وسيصبح جزء كبير من الودائع المتبقية متاحاً على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة.
السيناريو الإصلاحي المحدود (احتمال حدوثه 50%): بينما يرَجح تنفيذ إصلاحات محددة في قطاع الكهرباء وتعزيز الخدمات المصرفية، فإن المصالح السياسية الراسخة التي استفادت من الانقسامات الطائفية الشاملة ستظل تعارض الإصلاحات الاقتصادية الأوسع نطاقاً. كما قد يواجه الرئيس الجديد ورئيس الوزراء تحديات كبرى (بما في ذلك العلاقة الحساسة مع حزب الله) لتنفيذ وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701. في مثل هذا السيناريو، لن يكون هناك اتفاق على برنامج صندوق النقد الدولي ولا دعم مالي من المجتمع الدولي باستثناء الأغراض الإنسانية. وبالتالي فإن هذا السيناريو من شأنه أن يؤدي إلى النتائج الاقتصادية التالية:
- سيكون متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي متواضعاً، بنسبة 3% في 2025-2029، على الرغم من انكماش الناتج بنسبة 38% في 2018-2024.
- سيستأنف سعر الصرف في السوق انخفاضه، وقد يتسارع معدل التضخم مرة أخرى.
- سيظل عجز الحساب الجاري كبيراً وقد تنخفض احتياطيات النقد الأجنبي إلى أقل من 7 مليارات دولار بحلول عام 2029 في غياب الدعم المالي الكافي من المجتمع الدولي.
- وسيظل جزء كبير من الودائع المتبقية غير متاح.