جدلٌ واسع: حكومة سياسيّين أم اختصاصيّين؟
رغم إعلان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نواف سلام صراحة، وأكثر من مرة، أن الحكومة التي يسعى لتأليفها لن تضم حزبيين، إنما حصراً اختصاصيين في مجالاتهم، فإن متابعين عن كثب لملف التشكيل عدّوا دعوته القوى السياسية لتقديم لوائح بأسماء اختصاصيين يدورون في فلكها، تثير مخاوف من أن تكون التشكيلة المرتقبة، تشبه تلك التي سبقتها، أي ان الوزراء سيتبعون بنهاية المطاف للقوى التي سمتهم وسينفذون بمعظمهم طلباتها وأجنداتها السياسية، رغم بعض الاستثناءات.
وفيما يبدو واضحاً أن سلام وبقراره هذا يسعى لتشكيل فريق عمل يشبهه ويشبه رئيس الجمهورية باعتبارهما غير منتميين لأي من الأحزاب، وينسجم مع الجو الداخلي والخارجي الذي رافق عملية انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليفه، إلا أن الأحزاب لا تبدو على الإطلاق متماهية مع هذا التوجه، وإن كانت تساير سلام بتقديم لوائح اختصاصيين يدورون في فلكها.
امتعاض قواتي
ولعل أبرز الخارجين أخيراً لانتقاد هذا التوجه، هو رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي عدّ «العمل السياسي يقوم على الأحزاب، ولن نقبل بمنطق أنّه لا نريد أحزاباً في الحكومة، فهناك أحزاب جيدة وأخرى غير جيدة، وبالتالي لا يمكن معاملة الجميع بالطريقة نفسها».
وما عبّر عنه جعجع صراحة، تقوله الأحزاب الأخرى، ولكن ليس بصوت مرتفع. فـ«التيار الوطني الحر» يُعدّ من أبرز الأحزاب التي تضررت من طرح حكومات الاختصاصيين، إذ بعدما كانت له حصة الأسد الوزارية في حكومة تصريف الأعمال الحالية (6 وزراء)، لم يستجِب قسم من هؤلاء لتعليماته، وأخذوا يغردون خارج سربه.
أنواع الحكومات
وفق «الدولية للمعلومات»، فإنه ومنذ استقلال لبنان عام 1943 تم تشكيل 77 حكومة يمكن تقسيمها إلى 3 أنواع: 47 منها كانت سياسية، و22 ضمت سياسيين واختصاصيين في آن، و8 من الاختصاصيين حصراً.
ولا يحبذ الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، حكومات الاختصاصيين، ويعدّ «ليس بالضرورة أن يكون المتخصص في مجال ما ناجحاً بتبوؤ وزارة معينة، وإن كانت تندرج ضمن اختصاصه، فالنجاح بمهنة شيء والعمل الإداري والسياسي شيء آخر تماماً»، ويضيف: «الوزير منصبه سياسي إداري، والخبرة يفترض أن يحملها المدير العام وموظفي الوزارة».
ويشير شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «كل الحكومات التي شكلها رئيس الجمهورية السابق فؤاد شهاب، كانت حكومات سياسية بغالبيتها، وهي نجحت وأنجزت لأنه كانت هناك بوقتها إرادة بالإنجاز والعمل. أما الحكومة الحالية فهي حكومة اختصاصيين تماماً، كالتي سبق أن شكلها حسان دياب، وهما حكومتان لم تنجحا، وبالتالي ليس من الضروري أن تنجح أي حكومة من الاختصاصيين، وتفشل أي حكومة من السياسيين. ويبقى الأساس هو بوجود إرادة بالعمل والإنجاز».
خطيئة المحاصصة
من جهته، يُقدّم سمعان بشواتي، الخبير في مجال التنمية المحلية والحوكمة والمحاضر في معهد العلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية، قراءة مختلفة للموضوع، لافتاً إلى أن «الأساس هو بعدم وجود قراءة موحدة للدستور واتفاق الطائف اللذين يؤكدان أن نظامنا نظام مدني، إنما كل المكونات السياسية، ما عدا قلة غير مؤثرة تتكئ على هذا الاتفاق، لتعزيز ما يسمى الديمقراطية التوافقية القائمة على المساواة بين الأديان، وهي بدعة تناسب هذه المكونات باعتبارها تثبّت زعامتها ودورها ومصالحها».
ويعتبر بشواتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المجتمع الدولي هو الذي يحيك راهناً الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط بتوجه لتثبيت مفهوم الدول المدنية القائمة على المواطنة، وبالتالي يفترض أن نستفيد من هذا التوجه ويستفيد رئيس الحكومة المكلف منه لتطبيق سليم وواضح لاتفاق الطائف، فيشكل بالتوافق مع رئيس الجمهورية فريق عمل متجانساً يراعي خصوصية المكونات اللبنانية، ولا يستفز أحداً، ويكون من أصحاب الكفاءات، من الرؤيويين والقياديين الذين لا ينتمون لأي حزب. وبالتالي كما ارتضت القوى السياسية تكليف سلام ترتضي تشكيلة تشبهه»، مشدداً على أن «اعتماده تسميات من غير الحزبيين خيار دستوري، وبالتالي عندها إذا أرادت الكتل النيابية ألا تمنحه الثقة، يكون المسار الدستوري هو الذي أدى لذلك، فيحاسب عندها الشعب المجلس النيابي في الانتخابات النيابية المقبلة».