انتخابات الرئاسة من دون "فائض قوة"
ارتفعت الخشية في الداخل اللبناني من تأثير التداعيات السورية، وخصوصا انهيار مداميك النظام وسقوطه على الجار اللبناني، لما كان للبنان من تجربة غير سارة مع «جار جديد» من جبهة النصرة وتنظيم «داعش» في 2014، وصولا إلى تحرير الجرود اللبنانية في 2017.
الخشية من انتقال تصفية الحسابات إلى الداخل اللبناني، خصوصا ان الفريق الذي لطالما دعا إلى النأي بالنفس عن الحرب في سورية، بادر أنصاره إلى إطلاق رصاص الابتهاج بغزارة في طرابلس وعكار والبقاع، في مشهد قد يفسر «شماتة» بتوالي خسارات ««حزب الله». مشهد أكد ان الجميع في الداخل اللبناني يملك سلاحا غير شرعي، ويتساوى في استعماله بما يمكن ان يهدد السلم الأهلي.
وفي أي حال، شعر لبنان الرسمي بخطر إخلاء معبر المصنع الحدودي وغيره من قوات الأمن من الجانب السوري، فكانت المبادرة إلى وقف حركة العبور ليل السبت - الأحد من العاشرة مساء السبت، إلى الثامنة صباح الأحد. واقتصارها الأحد على اللبنانيين العائدين وحاملي جوازات سفر أجنبية.
واتخذت وحدات الجيش اللبناني إجراءات ميدانية وفقا للمتاح على حدود برية تتخطى الـ 370 كيلومترا، فضلا عن تدابير داخلية في مناطق تعتبر حساسة.
ولعل الجانب الإيجابي في المشهد السوري، ما تسرب من دون نفي، عن سحب «حزب الله» مقاتليه من القصير والنأي بالنفس هذه المرة، أيا تكن الظروف الحالية للحزب بعد الحرب الإسرائيلية الواسعة عليه، عن التدخل عسكريا خارج الساحة اللبنانية، وخارج ميادين تعتبر بغير علاقة بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي التي قام عليها الحزب يوم تأسيسه في 1982.
في التداعيات السياسية الداخلية لتبدل المشهد السوري في شكل جذري، وتاليا قطع الطريق البري الإيراني إلى الداخل اللبناني، دخول موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية الذي حدده الرئيس نبيه بري في 9 يناير 2025 دائرة الاهتزاز، في انتظار جلاء المشهد الإقليمي، وتاليا الرغبة الدولية في إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني بـ «العدة» التي كانت سائدة قبل تبدل المشهد السوري، وتاليا تراجع فائض القوة لدى أحد طرفي الثنائي الشيعي وتحديدا «حزب الله». في أي حال، يبقى الانتظار هذه الأيام، مع التغيير الجذري في دولة جارة، أفضل الخيارات المنطقية، قبل الإقدام على خطوات لها تداعيات تتعدى الداخل اللبناني.
وكانــت التطــــورات الميدانية المتسارعة قرب الحدود اللبنانية الشمالية مع سورية، فرضت نفسها على الواقع اللبناني سياسيا وأمنيا، وأربكت الحكومة وخطوة الجيش بالانتشار جنوبا، اذ اضطر الجيش إلى تعزيز الوحدات العسكرية شمالا لتجنب أي تطورات غير متوقعة.
وأكدت مصادر سياسية بارزة لـ «الأنباء» ان «تسارع هذه التطورات من جهة، والإجراءات المطلوبة اتخذت لتجنب تكرار تجربة العام 2011، وما بعدها مع وجود موقف لبناني موحد حول موضوع النزوح، إضافة إلى ان سرعة التطورات وطبيعة الميدان مرفقة بتطمينات للسكان، حالت دون حركة نزوح مع إجراءات مشددة على الحدود من الجانب اللبناني».
وترى المصادر ان حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وفي ظل الوضع المالي الحالي للدولة، لن تبالغ في اتخاذ قرارات قبل تلقي وعود جدية بتقديم مساعدات في إعادة الإعمار. ومن دونها لن تستطيع الدولة الإقدام على أي خطوة أو إجراء يتناسب مع حجم الكارثة في هذا المجال، وان كانت المصادر ترى ان تحرك المساعدات ينتظر الكثير من الإشارات حول الوضع الإقليمي ومسار الانتخابات الرئاسية.
وفي هذا الوقت، بدأت الاتصالات السياسية حول المسار الرئاسي تشهد زخما متصاعدا في شكل تدريجي يعول من خلاله على «عين التينة» وحركة الوزير السابق وليد جنبلاط وخصوصا في اتجاه «معراب». وترى المصادر ان زيارة جنبلاط للقاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» د.سمير جعجع مرتبطة بإنضاج الظروف التي تسمح بتحقيق نجاح لإحداث خرق ما. كما كشف النقاب عن لقاءات عدة لجنبلاط مع مختلف القوى السياسية، وبينها مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
وقالت مصادر مقربة من كتلة نيابية وازنة لـ «الأنباء»: «البحث عن مرشح توافقي ان لم يكن ممكنا الإجماع حوله في هذه المرحلة، فإن المطلوب ان يجمع الأكثرية الكبيرة من القوى والأطراف السياسية، وهذا يتطلب جهدا واتصالات غير عادية، وربما تكون هناك حاجة لمساعدة من خلال مسعى عربي ودولي يسهم في إنضاج الأجواء الملائمة لذلك».
ورأت «ان هامش الوقت المتاح لا يزال واسعا لإنضاج هذه التسوية - التفاهم قبل موعد جلسة التاسع من يناير المقبل». واعتبرت المصادر «ان الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس غير قابلة للتأجيل خشية ان يؤدي التأجيل إلى الذهاب بالزخم الحالي، وإعادة الأمور إلى مرحلتي فرض الشروط والشروط المضادة».
وكان مسؤول سياسي رفيع تطرق لـ «الأنباء» إلى «مشكلة إضافية ستظهر عاجلا أم آجلا وهي مصير السلاح الفلسطيني في مخيمات الجنوب أولا وفي كل لبنان ثانيا، والموقف اللبناني منها. وهناك اتفاقيات تجعل للمخيمات وضعا خاصا ولا وجود للقوى الأمنية اللبنانية في داخلها. والسؤال المطروح في هذا السياق: ماذا نفعل بالسلاح الفلسطيني المتوسط والثقيل، لاسيما في مخيمات الجنوب؟ ونحن أمام معضلة ستبرز في الأفق بعد فترة». ميدانيا، استمرت الطلعات الجوية الإسرائيلية بالمسيرات فوق مناطق لبنانية عدة، وصولا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. فيما تم تسريب ان قيادة «حزب الله» طلبت من المقاتلين في الجنوب، تفادي الخروج من أماكنهم في ضوء البحث الإسرائيلي المستمر عنهم في المناطق التي احتلها الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة.
حياتيا، بدأت مشاهد الصخب المحيط بالفترة السابقة لعيد الميلاد ونهاية السنة ترخي بثقلها على العاصمة بيروت والمناطق، وخصوصا لجهة تمضية قسم كبير من لبنانيي الانتشار العطلة في البلاد مع الأهل والأصدقاء. كما سجل إقبال من المقيمين في البلاد على حجز عطلات قصيرة في الخارج في بلدان أوروبية تحديدا وتركيا ومصر، جريا لعادة سنوية قائمة.
وعلى الأرض، جهد القسم الأكبر من الذين نزحوا من منازلهم خلال الحرب الإسرائيلية الموسعة إلى العودة، حيث يمكنهم ذلك، على الرغم من مخاطر الإقامة في أبنية مهددة بالسقوط في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تزعزعت أساساتها جراء الاستهداف الصاروخي الثقيل عبر الطيران الحربي الإسرائيلي.