خليفة هوكشتاين في لبنان: تغيّر الاسم وبقي الهدف
انتهت حقبة المبعوث الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين (او هوكستين)، وبدأت مرحلة جديدة مع خليفته مورغان أورتاغوس التي ينتظرها لبنان. ما يذكره اللبنانيون عن هوكشتاين امران: المنفذ الفعلي للخطة الهندسية التي وضعت لاخذ لبنان الى المكان الذي هو فيه اليوم، وانه الذي استطاع العمل فعلياً على انهاء الحرب الاشرس بين لبنان واسرائيل. ولكن، ما يؤلم اللبنانيين هو ان المبعوث الاميركي اعتمد المكر والخداع للوصول الى غايته، فكان يعد المسؤولين اللبنانيين بشيء ليتبيّن لاحقاً ان ما وعد به غير ممكن الحصول عليه، ولو لم يكن قريباً من الرئيس الاميركي السابق جو بايدن، لكان الرئيس الحالي دونالد ترامب ابقى عليه لقدرته هذه على المناورة وتحقيق الاهداف. كل ما وعد به هوكشتاين اللبنانيين لم ينفذ، بدءاً من ترسيم الحدود البحرية والوعود التي اغدقت باستجرار الغاز والنفط من مصر والاردن عبر سوريا لحل ازمة الطاقة، وصولاً الى الوعود بالضغط على اسرائيل لتنفيذ بنود وقف الاعمال القتالية، فكان كل ذلك حبراً على ورق، فيما تكللت اهدافه هو بالنجاح.
من غير المرتقب ان تكون خليفة هذا المبعوث الفذ، مختلفة عنه بالاهداف، على امل ان تختلف طرقها (ولو انه من غير المتوقع ان يحصل ذلك)، فهي ستتولى رئاسة لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق الهدنة بالروح نفسها التي تولاها سابقاً هوكشتاين، وبعين واحدة مفتوحة على الطرف اللبناني ومغلقة على الطرف الاسرائيلي. ومن المتوقع طبعاً ان "تغرق" لبنان بالوعود بالمساندة والدعم اللازمين، من دون ان يطبّق اي شيء على ارض الواقع، وستكون الذريعة بطبيعة الحال ان اللبنانيين لم يقبلوا بسلخ حزب الله وحركة امل عنهم، وهو مطلب غير طبيعي وغير منطقي لسببين اساسيين: الاول ان هذين الحزبين (وعلى الرغم من الاختلاف الجذري معهما في العقيدة والاسلوب) مكوّنان لبنانيان لا يمكن رميهما خارج اي معادلة طالما لا يزالان يتمتعان بشعبية فاعلة على الساحة الشيعية، الا اذا كان المطلوب اقصاء الشيعة وهو ما لن يحصل. اما السبب الثاني الذي يعرفه تماماً هوكشتاين وتدركه جيداً اورتاغوس، فيكمن في ان الجميع (اي كل دول العالم وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية) تحاور وتفاوض وتتقرب من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي هو، في الوقت نفسه، رئيس حركة "امل" و"الاخ الاكبر" لحزب الله. فكيف يطلب الاميركيون والغرب والعالم من اللبنانيين ادارة ظهرهم للحزب والحركة، ويعمدون في المقابل الى مد الخطوط وتعزيزها مع بري، في تناقض واضح وصريح لا يمكن لعقل ان يتقبّله.
هذا المسار لن تخرج عنه اورتاغوس حتماً، ولو انها ستحاول ايضاً تعزيز الخطوط مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة المكلف (الذي يتوقع ان يصبح اصيلاً بعد فترة قصيرة) نواف سلام. انما، تبقى العبرة في معرفة كيفية نسج هذه الخطوط وتقويتها، والخوف ان تقوم باستكمال النهج نفسه لجهة التذرع بعدم القدرة على مساعدة لبنان ما لم يتخلَّ كلياً عن الحزب والحركة، فنعود الى المستنقع نفسه الذي انطلقنا منه قبل الانتخابات الرئاسية الاخيرة والتي صوّرتها واشنطن تحديداً، على انها خشبة الخلاص لهذا البلد، ومفتاح التغيير المرتقب في التعاطي الدولي مع لبنان، وهو ما لم يحصل للاسف.
مرحلة جديدة ستفتتح مع اورتاغوس، ولكنها على غرار ما يقال "Deja Vu"، وستكون تكراراً للمنهج والمسار نفسه الموضوع اميركياً منذ ما قبل الادارة الاميركية الحالية، ويبقى ان نعرف مدى مقدار "الاوكسجين" الذي سيتكرّم الاميركيون والاوروبيون خلفهم، في اعطائه الى اللبنانيين ليتنفسوا قليلاً بعد ان غرقوا في الازمات والمشاكل