تفاؤل أميركي مفرط... والمقاومة لا ترى جديداً: المفاوضات نحو جولة (يائسة) ثانية
لم يتصاعد الدخان الأبيض من اجتماعات الدوحة التفاوضية، والتي استمرّت يومين اثنين، قبل أن تعلن الخارجية القطرية انتهاءها أمس. وعقب الإعلان، أصدرت الدول الوسيطة، قطر ومصر والولايات المتحدة، بياناً مشتركاً لم تعلن فيه فشل المفاوضات أو انهيارها، إلا أنها لم تعلن نجاحها في التوصل إلى أي تفاهمات أيضاً. وفيما يستمرّ الأميركيون في الترويج لإيجابية تحيط بالمسار التفاوضي، ضمن سياسة باتت معروفة ومكرّرة - ومن ذلك قول مسؤول أميركي رفيع «(إننا) أحرزنا الكثير من التقدم في محادثات الدوحة ووضعنا مقترحاً نهائياً لجسر الفجوات» -، تُجمع المعطيات المتوافرة على أن الجولة الحالية انتهت من دون حسم نقاط الخلاف الأساسية، وأن الوفد الإسرائيلي حافظ على مواقف متشدّدة ولم يبد أي مرونة.وبحسب مصادر مطلعة على مسار المفاوضات، فإن «الوسيطين المصري والقطري أطلعا قيادة حركة حماس على مجريات المحادثات، وهما كانا واضحين في إشارتهما إلى عدم التوصل إلى تفاهمات جدية، لكنهما شددا على ضرورة استمرار المفاوضات والمحافظة على الأجواء الإيجابية». وبسبب فشل الوسطاء في التوصل إلى تفاهمات مع وفد الاحتلال، قرّر هؤلاء طرح صيَغ توافقية وسطية، حول النقاط الخلافية الأساسية بين «حماس» والعدو. لكن سرعان ما تبيّن أن هذه الصيَغ لم تقدّم أي حلول، فيما نقلت وسائل إعلام الكيان عن مصدر أمني كبير قوله إن «مقترحات الوسطاء مرفوضة تماماً لدى نتنياهو»، ومطالبته بعدم بثّ «التفاؤل الكذب» أمام الجمهور الإسرائيلي. كما أصدر مكتب نتنياهو بياناً قدّر فيه الجهود المبذولة لما سمّاه «إثناء حماس عن رفضها للصفقة»، مشيراً إلى أن «المبادئ الأساسية التي تتبناها إسرائيل معروفة جيداً»، وآملاً بأن تؤدي ضغوط الوسطاء إلى «دفع حماس إلى قبول مبادئ السابع والعشرين من مايو». من جهتها، تشير مصادر حركة «حماس» إلى أن «الوفد الإسرائيلي تمسّك بشروط جديدة دخيلة على مقترح بايدن الذي وافقت عليه الحركة، من قبيل إبقاء القوات الإسرائيلية في محورَي نتساريم وفيلادلفيا، وكذلك في معبر رفح. وهو ما لن توافق عليه الحركة بأي شكل من الأشكال». كما شددت مصادر الحركة على أن «ما وافقت عليه من مقترح بايدن هو الأساسي الجدي الوحيد لأيّ مفاوضات ثم اتفاق، ولا يمكن التفاوض على شروط من خارج هذا المقترح».
وكانت قطر ومصر والولايات المتحدة الأميركية قد أصدرت بياناً مشتركاً أعلنت فيه اختتام جولة المفاوضات في الدوحة، ووصفتها بـ«المحادثات الجادّة والبنّاءة، والتي أُجريت في أجواء إيجابية». كما أعلنت تقديمها «اقتراحاً يقلّص الفجوات بين الطرفين ويتوافق مع المبادئ التي وضعها الرئيس بايدن في 31 مايو 2024 وقرار مجلس الأمن الرقم 2735». وأشار البيان إلى مواصلة «الفرق الفنية العمل خلال الأيام المقبلة على تفاصيل التنفيذ، بما في ذلك الترتيبات لتنفيذ الجزئيات الإنسانية الشاملة للاتفاق، بالإضافة إلى الجزئيات المتعلقة بالرهائن والمحتجزين». وتحدثت الدول الثلاث عن اجتماع «كبار المسؤولين من حكوماتنا مرة أخرى في القاهرة قبل نهاية الأسبوع المقبل»، آملة التوصل إلى اتفاق وفقاً للشروط المطروحة اليوم. وختم البيان بالتأكيد أنه «الآن أصبح الطريق ممهداً لتحقيق هذه النتيجة، وإنقاذ الأرواح، وتقديم الإغاثة لشعب غزة، وتهدئة التوترات الإقليمية».
وعلى وقع فشل جولة الدوحة، يصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى تل أبيب اليوم، على أن يلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في اليوم الذي يليه. وتهدف الزيارة إلى «الدفع بالمفاوضات قدماً»، بحسب الإعلان الأميركي، فيما من المتوقّع أن تنعقد جولة محادثات أخرى في العاصمة المصرية، خلال الأسبوع المقبل، بمشاركة الوفود نفسها التي شاركت في اجتماع الدوحة، بهدف «إنهاء المفاوضات والتوصل إلى اتفاق»، بحسب مسؤول أميركي رفيع. ويصرّ الأميركيون، في خضم ذلك، على بث التفاؤل، من دون الاستناد إلى أي أرضية غير تمديد المفاوضات وتوسيع المهل، وتلك – بحسب مراقبين – سياسة أميركية معتمدة في هذه الأيام، في محاولة لـ«تبريد» التوتر في المنطقة، وتأخير أو إلغاء الردود المرتقبة لقوى «محور المقاومة» على الاغتيالات التي نفذها العدو، بينما تحشد واشنطن أساطيلها وطائراتها وجنودها، والدول الحليفة، وتعدّ العدّة للدفاع عن الكيان.
وفي هذا السياق، أشار الكاتب في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، ناحوم برنياع، إلى «مهمّتين قادتا الولايات المتحدة إلى استثمار قوتها العسكرية والديبلوماسية في الدفاع عن إسرائيل: الأولى لردع إيران، والثانية إحباط عمليّة متسرّعة من جانب إسرائيل». وتابع: «مثل جليسة الأطفال الماهرة والمخلصة، التي تحمي الطفل من الغرباء ومن نفسه، كذلك وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن (الذي يدير الاتصالات مع المستوى الأمني في الكيان)». وعلى هذه الخلفية، نشأ تحالف في المنطقة، بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية، و«القاسم المشترك بينها، هو المعارضة القوية للحرب بين إيران وإسرائيل». ورأى الكاتب أن «مهمّة حياة نتنياهو، والخطوة التي ستدخله التاريخ، وتحقق انتصاره المطلق، هي إشعال الحرب بين واشنطن وطهران». والآن، برأي الكاتب، «أُتيحت له الفرصة. لكن إدارة بايدن ترفض الدخول في هذه المغامرة». والأمر نفسه «ينطبق على ترامب أو هاريس، وكذلك الرئيس الإيراني الجديد. والمخاوف من تصعيد متعمّد من جانب نتنياهو تزيد من مساهمتهم في وقف التدهور».
في سياق متصل، نقلت الصحيفة نفسها، أمس، قبل إعلان انتهاء المفاوضات، عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله، إنه «يجب تخفيف المعلومات التي تفيد بحدوث تقدّم كبير في المفاوضات نفسها، ذلك أن أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي توجّهوا إلى الدوحة مع القليل جداً من الصلاحيات، ولا يوجد بينهم من يعتقد أن التفويض الممنوح لهم سيكون كافياً، حتى لو ادّعى رئيس الموساد شيئاً آخر». وتابع المسؤول الإسرائيلي: «في الواقع، الحدث برمّته عبارة عن مقترح وساطة أميركي، جرى تسليم تفاصيله إلى إسرائيل. وبحسب المحادثات التي جرت مع نتنياهو، اتضح أنه ليس مقبولاً لديه. لدى الجميع مصلحة في الظهور بمظهر أن الوضع جيد، لكن سيكون من المؤسف تصدير الأوهام للجمهور». من جهتها، نقلت «هيئة البث» الإسرائيلية عن مصادر مطلعة أن «محادثات الدوحة كانت إيجابية، لكن لا يوجد اختراق حالياً». كما نقلت عن مسؤولين «(أننا) قدّمنا مقترحات بشأن محور فيلادلفيا وعودة سكان غزة إلى الشمال من دون تحقيق اختراق».