الرئيس الإيراني د. مسعود بزشكيان: معاً لبناء منطقة قوية ومزدهرة
في بداية عهدي رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبعدما منحني الشعب صوته، أود أن أخاطب أخواتنا وإخواننا وجيراننا في المنطقة، لكي نخطو معاً على طريق الحوار البنّاء وتعزيز التعاون والتضامن بين شعوب المنطقة ودولها.ترشدنا إلى ذلك مبادئنا السامية المتمثلة في تعاليم القرآن الكريم الخالدة «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا»، و«تعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، وتعليمات الرسول محمد صلى الله عليه وآله الذي قال: «الله الله في جيرانكم»، وكذلك توصيات الإمام علي عليه السلام، حيث قال: «سلْ عن الجار قبل الدار».
نحن جميعاً نعيش في جغرافيا واحدة، فعلينا أن نتكاتَف ونتّحد بهدف الوصول إلى الحياة الطيبة التي تمثّل الهدف السامي للإسلام وجميع الأديان السماوية، ولأجل هيكلة منطقة قوية تعتمد على قوة المنطق وليس منطق القوة، وهذا يتطلّب توظيف جميع عناصر القوة الوطنية، وفي مقدّمتها دعم شعوبنا والقوى الحية في الأمة الإسلامية.
لن يُسجل النجاح لأي خطة منفصلة في المنطقة، ولن يتحقق الإزدهار والتقدّم ما لم نحقّق الإنسجام في منطقتنا، وما لم نتعاون لأجل مستقبل مشرقٍ. إن استغلال النعم الإلهية والموقع الجيوسياسي الإستثنائي لمنطقتنا على نحو صحيح، يدفع بها إلى التقدم والنمو والإزدهار.
لا شك أن الحوار العميق والبنّاء والهادف لتأسيس التعاون على مختلف الأصعدة والمجالات هو السبيل الوحيد لاجتياز التحدّيات والاضطرابات الراهنة، وهذا السبيل من شأنه أن يحقق الاستقرار والأمن المستدامَيْن، ويتيح لشعوب المنطقة الإستفادة من مواهبها وثرواتها.
في بداية عملي كرئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولأجل تحقيق هذا الهدف المنشود، أمدّ يد الصداقة والأخوّة إلى جميع الجيران ودول المنطقة لإطلاق حركة حقيقية وجادّة في مسيرة التعاون، حيث لإيران وجيرانها العرب والمسلمين مواقف ومصالح مشتركة في كثيرٍ من القضايا الدولية والإقليمية، فنحن جميعاً نرفض احتكار قوى محدّدة ومعيّنة قرارات العالم، كما نرفض تقسيم العالم والإستقطاب على أساس مصالح القوى العظمى.
كلنا يطالب بقبول التنوّع الثقافي ورفع التمييز، واحترام القيم الدينية للمسلمين في المجتمعات الأخرى وفي المؤسسات الحقوقية والدولية، وجميعنا لديه مسؤوليات ومصالح مشتركة للتغلّب على الإسلاموفوبيا.
إن جرح فلسطين النازف قضيتنا جميعاً وعلاجه قضيتنا أيضاً، وهنا إذ تحيّي الجمهورية الاسلامية الإيرانية الصمود الأسطوري للشعب والمقاومة الفلسطينيية في غزّة بوجه العدوان الوحشي للمحتل الصهيوني، فإنها تؤكد إيمانها بأن الأمن والإستقرار في المنطقة لن يتحققا إلا بالإعتراف بحقّ الشعب الفلسطيني في ممارسة المقاومة الشاملة سبيلاً للتحرّر من الاحتلال، وتأمين حقوقه الطبيعية والبديهية، وخصوصاً الاستقلال وحقّ تقرير المصير وإنهاء الاحتلال والتمييز العنصري والإبادة الجماعية وإرهاب الدولة الصهيونية.
إننا نؤكد على أن الإرهاب والتطرّف يسببان آلاماً مشتركة للجميع، وهذا يستدعي العلاج الجذري والتعاون المشترك بيننا، وكل ذلك يوجب إنهاء الصراعات العسكرية بين دول المنطقة على أساس الحقّ والعدل والحقوق المشروعة للشعوب، وكذلك إنهاء الأزمات الداخلية عبر تبني حلول سلمية، فالكيان الصهيوني المحتل والقوى الأجنبية وحدهما المستفيدان من استمرار الأزمات والصراعات الداخلية في المنطقة.
إن شعوب المنطقة تستحقّ أن تحظى بالتنمية الاقتصادية والرخاء الاجتماعي، فعلى الحكومات مساعدة بعضها بعضاً لأجل الإزدهار والتقدّم، وهنا أعلن استعداد إيران للمشاركة في مشاريع التنمية الاقتصادية وتنمية البنى العمرانية وممرّات النقل بين دول الجوار، كما أنها مستعدّةٌ أيضا لإشراك هذه الدول في ممري «الشمال - الجنوب» و«الشرق - الغرب» داخل اراضيها.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر قوّةَ جيرانها قوّةً لها، وترى أنه لا ينبغي أن يعزّز الجيران قدراتهم على حساب الآخرين. والأولوية القصوى للسياسة الخارجية الإيرانية هي توسيع التعاون مع الجيران، وستسعى الحكومة الجديدة جاهدة إلى الحفاظ على توجّه الحكومة الحالية في توطيد العلاقات مع الدول الجارة، وستعمل على الإرتقاء بالعلاقات الثنائية معها على أساس الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية ووحدة أراضي الدول، إذا ما أبدت دول المنطقة تعاوناً نشيطاً وثنائياً.
يشكل السلاح النووي للكيان الصهيوني تهديداً للمنطقة والسلام والأمن الدوليين، وهو ما يفرض على دول المنطقة والعالم، التعاون لأجل شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل. كما يتطلب السلام والإستقرار المستدامان في منطقة الخليج الفارسي التصدّي للتهديدات المختلفة، وإنشاء نظام تعاون وأمن جماعي بين الدول المتجاورة.
إلى ذلك، تستدعي إدارة فترة اضطراب ومرحلة انتقالية للنظام الدولي، مبادرات تهدف إلى التعاضد الإقليمي والتغلب على التطرّف في المنطقة وغطرسة القوى الدولية، وفي هذا الإطار يمكن للدول العربية والإٍسلامية بتمسّكها بقيمها الثقافية واهتدائها بالتعاليم الإسلامية السلمية والسمحة، أن تكون طرفاً أساسياً في الحوارات والجهود الدولية لإشاعة السلام والاستقرار الدوليين.