السطو على المُلك العام: بصندوق ائتماني أم بمؤسسة مستقلة؟
تستكمل اللجنة الفرعيّة المنبثقة عن اللجان المشتركة نقاشاتها اليوم الأربعاء، للبحث في طبيعة الصندوق الذي سيتم إنشاؤه "لاستعادة حقوق المودعين"! ولتسهيل المسألة على النوّاب، جرى توزيع جدول يُظهر الفروقات الأساسيّة بين اقتراحين تم تقديمهما لهذه الغاية بالتحديد: مقترح الصندوق الائتماني المُقدّم من نوّاب التيّار الوطني الحر، ومقترح المؤسسة المستقلّة المقدّم من نوّاب القوّات اللبنانيّة. الجدول الذي تم إعداده، يُظهر بشكل واضح بعض الاختلافات في طريقة إدارة هذا المشروع في المستقبل، وفي توزّع أرباحه المستقبليّة. أمّا الأهم، فهو أن الجدول غيّب المقترح الثالث، الذي تقدّم به نوّاب حركة أمل، بعدما طالب هؤلاء بتحييد مشروعهم عن النقاشات الحاليّة.
النتيجة المشتركة الأولى بين الطرحين، هي ربط إيرادات الأصول العامّة، أو إيرادات استثمارها أو خصخصتها، بعمليّة رد الودائع. والنتيجة المشتركة الثانية، هي تهيئة المشروعين الأرضيّة لعمليّة تحاصص هذه الأصول، أو تقاسم استثمار الأملاك العامّة. أمّا الثغرة المشتركة، فهي عدم استناد أي من المشروعين إلى دراسة جدوى تُظهر أثر هذا المشروع على الماليّة العامّة للدولة، أو قدرته الفعليّة على رد الودائع بعد تحويلها إلى دين عام. كما لا يستند أي من المشروعين إلى تدقيق يُظهر حجم الفجوة الموجودة في القطاع المصرفي، أو المردود المتوقّع من طرح الأملاك العامّة دفعة واحدة للخصخصة أو الاستثمار في ظل الأزمة القائمة.
الاختلاف في إدارة المشروع
الاختلاف الأهم بين المشروعين، هو الجهة التي تملك صلاحيّة إدارته. مشروع الصندوق الإئتماني، أي مشروع التيّار، يربط هذه الإدارة بمجلس يتشكّل من مدراء الماليّة والأشغال العامّة والموارد المائيّة والكهربائيّة والاقتصاد والنقل، بالإضافة إلى مدير الإنشاء والتجهيز ومدير الاستثمار في وزارة الاتصالات.
بهذا المعنى، يكون المشروع تحت وصاية سبعة مدراء عامّين يتم تعيينهم في العادة وفق قواعد التحاصص الحزبي والطائفي. وبهذا الشكل يُحقق مشروع التيّار "الميثاقيّة" من خلال حصص الطوائف والأحزاب الموجودة أساسًا، على مستوى تعيينات الفئة الأولى في الدولة.
في المقابل، يذهب مشروع القوّات إلى تعيين هيئة عامّة للمشروع تضم أشخاصاً من خارج القطاع العام، مثل نقباء المحامين والمهندسين في بيروت الشمال، ونقيب المحاسبين المجازين. كما تضم الهيئة العامّة رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئيس هيئة الشراء العام وحاكم مصرف لبنان ورئيس المجلس الأعلى للخصخصة.
بذلك، تشرف على المشروع هيئة من تسعة أعضاء، من بينهم خمسة نقباء يختارهم المهندسون والأطباء والمحاسبون. إشكاليّة هذا الخيار، هو أنّه يعطي عشرات آلاف اللبنانيين صلاحيّة انتخاب الأغلبيّة، في هيئة عامّة لمشروع سيدير جميع الأصول والمرافق العامّة في المجتمع.
في مشروع القوّات، تقوم الهيئة العامّة المُشار إليها بانتخاب مجلس إدارة من ثمانية أعضاء، على أن تكون ولاية المجلس خمس سنوات. وهذا ما يقلّص تلقائيًا من قدرة السلطة السياسيّة على تحاصص أعضاء مجلس الإدارة، بحكم سيطرة خمسة نقباء على أغلبيّة الأصوات داخل الهيئة العامّة للمشروع.
عمليّة الاستثمار والخصخصة في المشروعين
في مشروع القوّات، سيتم تحويل المرافق العامّة إلى شركات على طريقة "التشركة"، تحت إدارة المؤسسة الوليدة. وستضم لائحة هذه المرافق مرفأي بيروت وطرابلس ومطار بيروت ومؤسسات المياه والريجي والاتصالات والكازينو وحصّة لبنان في شركة طيران الشرق الأوسط. ويمكن إضافة أي مرافق أخرى بقرار من الحكومة، ما يفتح الباب أمام ضم جميع الأملاك الأخرى إلى هذا المشروع. وبمجرّد تكوين المؤسسة، ينتقل جميع موظفي هذه المرافق إلى ملاك المؤسسات القائمة بموجب التشركة، ما يقطع صلتهم بملاك الدولة.
في المرحلة اللاحقة، ستملك المؤسسة صلاحيّة الإشراف على هذه الشركات الجديدة، كما ستملك صلاحيّة تعيين مجالس الإدارة فيها. أمّا الأهم، فهو أنّ المؤسسة ستملك صلاحيّة منح امتيازات تصل مدتها إلى 20 سنة، لإدارة وتشغيل المرافق الموضوعة تحت تصرّفها. وهذا ما يحرّر المرافق العامّة من جميع الإجراءات البيروقراطيّة التي تحكم عمليّات الشراكة ما بين القطاع العام والخاص حاليًا. أمّا خصخصة المرافق والشركات الموضوعة تحت تصرّف المؤسسة، فسيكون متاحًا عبر قوانين تصدر عن مجلس النوّاب.
على النحو نفسه، يملك الصندوق في مشروع التيّار صلاحيّة تلزيم الاستثمار والإدارة والتشغيل للقطاع الخاص. لكنّ المقترح يمنحه أيضًا صلاحيّة بيع أجزاء من أسهم الشركات الموضوعة تحت تصرّف الصندوق، إلّا في حالات الشركات التي تُعنى بالمرافئ البحريّة والبريّة والجويّة، حيث يقتضي أن يتم إصدار قانون لهذه الغاية من قبل مجلس النوّاب. وكحال مشروع القوّات، يمتلك الصندوق أيضًا صلاحيّة الإشراف على إدارة المرافق وتعيين مجلس الإدارة، ما يعطيه قدرة واسعة على التحكّم بالأعمال التشغيليّة في جميع المؤسسات العامّة.
عمليّة توزيع الأرباح
عبثيّة المشروعين تتضح سريعًا عند الوصول إلى النقاط المتعلّقة بتوزيع الأرباح. مشروع التيّار حسم المسألة، فقضى بتوزيع 30% من عائدات المشروع على مؤسسة ضمان الودائع، لتسديد ديون المودعين. كما ربط المشروع هذه الإيرادات بمسألة اللامركزيّة الإداريّة، إذ قضى بتوزيع 35% من الإيرادات على المناطق الإداريّة التي سيتم استحداثها بموجب "تنفيذ اللامركزيّة الإداريّة والماليّة الموسّعة". بطبيعة الحال، لم يفسّر القانون ولا أسبابه الموجبة أسباب توزيع الإيرادات على هذا النحو، رغم ضخامة وخطورة المشروع المطروح، كما لم يستند إلى أي تقدير يخص حجم الفجوة المصرفيّة الموجودة والحاجات التمويليّة المطلوبة لسدادها.
أمّا مشروع القوّات، فترك مسألة تمويل سداد الودائع لقوانين أخرى، يُفترض أن تحدد شكل "صندوق إعادة تكوين الودائع" وحصّته من تحويلات "مؤسسة إدارة أصول الدولة". بهذا المعنى، ستبقى مسألة رد الودائع معلّقة بانتظار القانون الآخر، على أن يسهّل قانون المؤسسة عمليّة التشركة مع القطاع الخاص على المدى القصير. وفي هذه الحالة أيضًا، لم يستند المشروع إلى أي أرقام تتعلّق بحجم الفجوة والمسؤول عنها وكيفيّة التعامل معها.
في الحالتين، من الواضح أنّ ثمّة شراهة لإقرار قانون يلتف على أصول التشركة مع القطاع الخاص، الموجودة أساسًا وفق القوانين التي تنظّم كل قطاع. الغاية الأساسيّة هنا، لا ترتبط بعمليّة رد الودائع، بقدر ما ترتبط بالرغبة في تنظيم عمليّة تحاصص جديدة، لتوزيع مغانم الأصول والمرافق العامّة. ولعلّ الدليل الأبرز على ذلك يتمثّل في مسارعة اللجنة الفرعيّة لمناقشة هذا القانون، قبل الدخول في نقاش حول الفجوة المصرفيّة وأسبابها وكيفيّة التعامل معها.