جبهة الجنوب تنتظر "على الحامي" مفاوضات غزّة
بتجييره مصير جبهة لبنان لحركة «حماس» رَبْطاً بمسارِ التفاوض حول وقف النار في غزة، وتأكيده «وحدة الساعة صفر» لسريان مَفاعيل أي اتفاقٍ في القطاع كما الجنوب اللبناني، يكون «حزب الله» استظلّ المناخَ الانتقاليّ المرتبط بمآل «مقترح بايدن» بمراحله الثلاثة والإيجابيةَ التي عبّرتْ عنها «حماس» بقبولها بجزء رئيسي من الخطة الأميركية على قاعدة تراجعاتٍ باتت معها إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتيناهو أمام «اختبار الحقيقة» بإزاء جدية الرغبة في وقف الحرب الذي صار مطلباً دولياً بأعلى صوت.
وفي حين كان الجميع ينتظرون ردَّ اسرائيل على قبول «حماس» ببدء تنفيذ الخطة الأميركية من دون التزامِ تل أبيب أولاً بوقف دائمٍ لإطلاق النار قبل توقيع اتفاقٍ وترْك هذه النقطة لمفاوضات المرحلة الأولى التي تستمر 6 أسابيع، فإنّ غبار التصعيد الاسرائيلي في غزة، سواء بمجزرةِ المدرسة في مخيم النصيرات أو اغتيال إيهاب الغصين المسؤول الكبير في الحكومة التي تديرها «حماس» في القطاع، كما على جبهة لبنان حيث اغتالت (السبت) مسؤولاً في «حزب الله» بغارة على طريق بلدة شعت شمال مدينة بعلبك (شرق لبنان)، كاد أن يطغى على الضبابية التي ما زالت تلفّ مصير الهدنة المفترَضة والتي ستكون محور مفاوضاتٍ في الدوحة هذا الأسبوع ويمكن أن تستمرّ حتى نهاية الشهر وفق تلميحاتٍ إسرائيلية.
وإذ بات دخولُ المرحلة الأولى من الاتفاق بمثابة «سلّم طوارئ» لمختلف الأطراف للخروج من ورطةٍ صار الجميع واقعياً عالقين فيها منذ «طوفان الأقصى» وانفجار حربٍ ضارية سرعان ما تحوّلت متعددة الجبهة وأكملت أمس شهرها التاسع، بحيث يمكن أن تشكّل هذه «الفترة الانتقالية» فسحةً لالتقاط الأنفاس على جبهة غزة ومحاولة بت النقاط الخلافية على البارد واستكمال بناء الهيكلية الشائكة للمرحلة النهائية وتوفير «بوليصة تأمين» لها، فإن الأيامَ الفاصلة عن حقبةٍ تبدو أقرب الى وضْع رِجْلٍ في الحرب وأخرى في السِلم، مرشّحة لمزيد من فصول التوتر العالي الذي يراوح بين:
* أنه من عُدّة «ربْطِ النزاع» والضغطِ المتبادَل لتحسين شروط ولوج الاتفاق ولو من بابٍ خَلْفي واستباقه بـ «قضم» إضافي أو «ردْعٍ أعلى» في الميدان في غزة خصوصاً في جنوب لبنان.
* وأنه في سياق «غطاء ناري» لقرارٍ بعدم توسيع الحرب - وهذا يختص فقط بجبهة لبنان - قبل استنفاذ فرصة استخدام هدنة غزة منصةً لخفْض التصعيد على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية والإتاحة للموفد الأميركي آموس هوكشتاين إطلاقَ مَهمّته الشائكة الرامية لنقْلِ هذه الجبهة على مراحل إلى تبريدٍ تدريجي، وذلك على قاعدة تحويل كل اغتيال جديد لمسؤول أو قيادي في «حزب الله» فرصةً لتبرير عدم الحاجة إلى تفعيل خيار الحرب الأشمل وتأخير الضغط على هذا «الزرّ المُرّ» ما دامت «الإنجازات تتحقق بالمفرّق».
وفي هذا السياق لا يبدو أن أحداً قادر على الجزم بما إذا كان الهدوء المرجو قابلاً لأن يبدأ فقط بالعودة بالوضع في جنوب لبنان لِما كان عليه عشية «طوفان الأقصى» ليُستكمل «على البارد» البحثُ في المسار المتعلق بتطبيق القرار 1701 و«تحديثاته» التي تراعي المتغيرات الميدانية في الأشهر التسعة الماضية وذلك بما يتوازى مع مآل مراحل «اتفاق غزة»، أم أن تل أبيب ستحدّد «فترة سماح» لهوكشتاين لانتزاعٍ تراجُع من «حزب الله» عن الحدود بما بين 8 و10 كيلومترات كضمانة لعودة المستوطنين إلى الشمال وإلا تحقيق الأمر ولو بـ «حربٍ ذكية» أكثر من محدودة وأقل من شاملة تركّز على الحزب وترسانته وتحيّد المدنيين والبنية التحتية للدولة.
ويسود اعتقاد في هذا الإطار أن أي ترتيباتٍ ذات طبيعة «نهائية» أو نصف نهائية يقدّمها «حزب الله» تحت الضغط والتهديد بضربة واسعة قبل انتقال حرب غزة إلى مرحلة الطيّ الأخير سيعني من وجهة نظره أمران: الأول فصْل الجبهتين وهو ما رسم تحته خطاً أحمر بالعريض منذ 8 اكتوبر. والثاني ترْك اسرائيل تحقق بالدبلوماسية ما لا يتيحه لها الميدان ومجرياته التي أرسى فيها ما يعتبره «توازن رعب» حقيقياً قدّم له «مساحاتٍ» للتوغل في أي مفاوضات نحو عناوين لم تكن ممكنةً، مثل تلازُم وقف الخروق الجوية بين اسرائيل وبين الحزب، إلى جانب أقله «الشريط العازل بالشريط العازل» الذي تَرتسم معالمه بالدمار الهائل على المقلبين، وإن مع أثَر أكثر شمولية في جنوب لبنان يَعتقد الحزب أنه يعوّضه بـ «الحمولة العالية» من الذعر الزائد في نفوس المستوطنين بما يؤسس لـ «منطقة ميتة» نفسياً.
ومن هنا يمكن تفسير مجريات الميدان جنوباً في اليومين الماضيين والذي استعاد وتيرته التصعيدية، حيث ردّ «حزب الله» أمس على اغتيال ميثم العطار الذي وصف بأنه مختص بالمسيّرات، بقصف «قاعدة نيمرا (إحدى القواعد الرئيسية في المنطقة الشمالية) غرب طبريا بعشرات صواريخ الكاتيوشا»، وكذلك «مقر وحدة المراقبة الجوية وإدارة العمليات الجوية في قاعدة ميرون في جبل الجرمق بعشرات صواريخ الكاتيوشا ما أدى لِتدمير جزءٍ من تجهيزاته واندلاع حرائق في داخله»، الى جانب سلسلة عمليات أخرى استهدفت مواقع وتجمعات عسكرية عدة.
وفيما أشارت تقارير اسرائيلية الى إصابة 5 جنود باستهداف موقع في الجليل الغربي وإصابة إسرائيليّ بجروحٍ خطيرة في بلدة كفار زيتيم، في موازاة إعلان إدارة الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلية إن حرائق غابات متعددة اندلعت في مناطق حول طبريا بعد إطلاق وابل من الصواريخ عبر الحدود من لبنان، استهدف الطيران المسيّر الاسرائيلي منزلاً داخل بستان في منطقة ضهر السيد في بلدة معروب قضاء صور كما تعرضت عيتا الشعب والناقورة لغارات، قبل أن يخرق الطيران الحربي جدار الصوت في أجواء غالبية مناطق الجنوب وصولاً إلى صيدا والشوف.
وإذ تسبّب القصف الفوسفوري بحرائق في أحراج ياطر وراميا وبيت ليف ساهمت سرعة الرياح وارتفاع درجات الحرارة بتمدد النيران التي كان رجال الإطفاء اللبنانيون يواجهون صعوبة بالغة في إخمادها نظراً لوعورة الأمكنة.
وفي موازاة ذلك، بدأت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس - بلاسخارت زيارة 3 أيام لإسرائيل تمهيداً لجلسة المشاورات المقرر أن يعقدها مجلس الأمن حول تنفيذ القرار 1701 قبل نهاية الشهر الجاري، وسط تقارير تحدثت عن أنها ستُركّز مناقشاتها مع المسؤولين الإسرائيليين على الحاجة لاستعادة الهدوء وإفساح المجال لحلّ ديبلوماسي يمكن من خلاله للمدنيين النازحين من الجانبين العودة إلى ديارهم.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حذّر من خطر تحول المواجهات بين «حزب الله» وإسرائيل إلى حرب شاملة، مشدداً على ضرورة التوصل إلى «حل سياسي».
وجاء ذلك في بيان على لسان الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عبّر عن أن «الأمم المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء تزايد كثافة تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق، ما يزيد من خطر نشوب حرب واسعة النطاق»، محذراً من «أن خطر سوء التقدير الذي يؤدي إلى حريق مفاجئ وواسع النطاق هو خطر حقيقي».