بداية الردّ على اغتيال «أبو نعمة»: العدو إستنفر غرباً والمقاومة ضربت شرقاً
حرص رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، في خطاب حفل وداع القائد الجهادي الشهيد محمد نعمة ناصر «الحاج أبو نعمة»، على دعوة العدو إلى عدم اعتبار اغتيال القادة، أنه يتيح له استباحة الجنوب. وأكّد أن جيش الاحتلال لن يتمكن من تحقيق انتصارات في أيّ معركة أو مواجهة. فيما كانت تل أبيب تجهّز نفسها لـ«عدة أيام صعبة بعد الاغتيال»، لأن تلك العملية «لن تغيّر من موقف حزب الله الذي سيستمر في القتال حتى وقف إطلاق النار في غزة»، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت».وطوال يوم أمس، كان الإعلام العبري يعلن تارة عن «أخبار سيئة»، وأخرى عن «حوادث صعبة» في مناطق متفرقة من الشمال، بفعل سلسلة مكثّفة من عمليات الرد على اغتيال القائد «أبو نعمة» نفّذها حزب الله وغطّت مواقع قيادية وثكنات وتجمعات معادية ممتدّة من الجليل الأعلى إلى الجولان وصولاً إلى الجليل الغربي. وبفعل عمليات حزب الله، دوّت صفارات الإنذار في جونين، كفار بلوم، عمير، وكفار سول، وفي نهاريا ومحيطها، وفي ديشون، يفتاح، المالكية وراموت نفتالي، وفي كريات شمونه ومحيطها، وفي أفيفيم، يرؤون، المالكية، وإيليت هشاحر، أيضاً في حانيتا، شلومي، بتست، متسوفاه، ليمان، جعتون وكابري. ودوّت صفارات الإنذار في كدمات وفي جنوب الجولان، وفي كتسرين ومحيطها جنوب الجولان، وفي أورتال وشاعل أقصى شمال الجولان.
مفاجأة المقاومة للعدو أمس، تمثّلت في أن الرد الأول جاء من خلال عمليات استهدفت المقار القيادية والعملاتية في القطاع الشرقي، مع استهداف واحد لموقع أساسي في القطاع الغربي، سيما أن العدو كان قد بنى حساباته على قاعدة ما قام به حزب الله رداً على اغتيال قائد وحدة نصر الشهيد طالب عبدالله. وانطلق تقدير العدو، من أن حزب الله سوف يقوم بضرب الأهداف في القطاع المقابل لقطاع عمل القائد الشهيد. ولذلك، كان جيش الاحتلال قد اتخذ احتياطات غير عادية في كل القطاع الغربي، وأخلى غالبية النقاط التقليدية أو المستحدثة، وتوقّفت قواته عن أي حركة في المنطقة، كما سارع إلى إعلان إجراءات خاصة لجبهته الداخلية.
لكن الذي حصل، هو أن المقاومة نفّذت سلسلة مكثّفة من العمليات بواسطة الصواريخ والطائرات المُسيّرة، باتجاه مواقع القطاع الشرقي، ما أتاح تحقيق إصابات مباشرة، أودت إحداها بقتل ضابط وجرح عدد من الجنود في أحد المواقع في الجولان، ما دفع مراسل القناة 14 في الشمال، إلى التساؤل «لماذا لا يكشف المتحدث باسم الجيش للجمهور عن عدد الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تم إطلاقها من جنوب لبنان على إسرائيل؟»، خصوصاً أن هذه العمليات أدت إلى نشوء وضع أمني صعب.
وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل ضابط (نائب قائد سرية في الوحدة 8679) بعد سقوط صاروخ لحزب الله في منطقة الجولان. بالإضافة إلى ذلك أُصيب عدد من الجنود، وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن إخلاء جرحى إلى مستشفى رمبام في حيفا عبر المروحيات العسكرية، وكذلك تم إخلاء جرحى إلى مركز زيف الطبي في صفد.
وفي محاولة لقراءة المشهد في الشمال على ضوء عمليات الردّ النوعية المكثّفة لحزب الله، نشرت «جيروزاليم بوست» تحليلاً للكاتب سيث جيه فرانتزمان، رأى فيه أن «رسالة حزب الله واضحة من هجماته: لديه ترسانة كبيرة من الطائرات من دون طيار وكذلك ترسانة الصواريخ والقذائف لاختيار مكان الهجوم وزمانه. وقد اتجه إلى ترسانته من الطائرات من دون طيار خلال الأشهر الماضية، ما زاد من استخدامها. لأن الطائرات من دون طيار يمكن أن تكون دقيقة وفعالة، كما أنها تسبب صفارات الإنذار في مناطق واسعة». وأضاف: «يمكن لحزب الله استهداف المناطق الإسرائيلية بدقة، وكذلك التسبب في إجبار المناطق المدنية على اللجوء إلى الملاجئ من خلال صفارات الإنذار».
وكما في الحالات السابقة، وقفت إسرائيل عاجزة أمام الطائرات بدون طيار التابعة لحزب الله، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فيما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن أكثر من 25 طائرة مُسيّرة تسلّلت من لبنان إلى شمال فلسطين المحتلة، وقالت إن هناك عدة حوادث تم التبليغ فيها عن انفجار طائرات بدون طيار. في حين قالت قناة 14 العبرية إنه «لمدة ساعة، هاجم حزب الله شمال إسرائيل بهجوم مشترك بالصواريخ والطائرات بدون طيار، وسقطت صواريخ داخل قاعدة عسكرية في الشمال». وأقرّ مصدر عسكري لإذاعة جيش الاحتلال، بأن حجم الهجوم يتوافق تماماً مع ما أعلن عنه حزب الله. وقالت «يديعوت أحرونوت» إن «الطائرات بدون طيار التابعة لحزب الله أحدثت إصابات مباشرة هذه المرة أيضاً».
وكان حزب الله قد أعلن في سلسلة بيانات متلاحقة أنه في إطار الرد على اغتيال القائد «أبو نعمة»، قصف بأكثر من 200 صاروخ من مختلف الأنواع مقر قيادة الفرقة 91 المستحدث في ثكنة إيليت، ومقر قيادة اللواء المدرّع السابع في ثكنة كاتسافيا، ومقر قيادة كتيبة المدرعات التابع للواء السابع في ثكنة غاملا، ومقر قيادة الفرقة 210 (فرقة الجولان) في قاعدة نفح، ومقر فوج المدفعية التابع للفرقة 210 في ثكنة يردن. كما شنّ حزب الله هجوماً جوياً بسرب من المُسيّرات الانقضاضية استهدف مقر قيادة الفرقة 91 المستحدث في ثكنة إيليت، ومقر قيادة اللواء المدرع السابع في ثكنة كاتسافيا، ومقر قيادة المنطقة الشمالية في قاعدة دادو، وقاعدة استخبارات المنطقة الشمالية ميشار، ومقر قيادة لواء حرمون 810 في ثكنة معاليه غولاني، والقاعدة الرئيسية الدائمة لفرقة 146 إيلانيا، مقر لواء غولاني ووحدة إيغوز في ثكنة شراغا.
وفي السياق، استهدف حزب الله تموضعاً مستحدثاً لجنود العدو في مستعمرة كفربلوم بصلية من صواريخ الكاتيوشا، كما استهدف مبنى يستخدمه الجنود في مستعمرة أدميت، إضافة إلى قصف مواقع رويسات العلم في تلال كفرشوبا، والمرج، وموقع البغدادي، وبياض بليدا بصواريخ بركان الثقيلة، كذلك تمّ استهداف التجهيزات التجسسية في موقع المطلة. ونعى حزب الله الشهيد هادي أحمد شريم (حيدر) من بلدة حولا في جنوب لبنان.
تشييع ناصر
وكان حزب الله قد أقام احتفالاً ظهر أمس، لوداع الشهيد ناصر في «مجمع سيد الشهداء» في الضاحية الجنوبية، بمشاركة شعبية كبيرة. وألقى رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين كلمة الحزب، مؤكداً أنّ «الجنوب سنحرسه جميعاً بعمائمنا وتاريخنا وثقافتنا ومجاهدينا، وسنبقى على العهد مع الشهداء الأبطال».
وقال: «في مقاومتنا لا تسقط راية ولا تختلّ جبهة ولا تضعف مواجهة، فحينما يرتقي قائد شهيداً يتسلّم الراية آخر وتقوى فينا الإرادة ويتصلّب فينا الموقف»، وتوجّه إلى العدو قائلاً : «هذا الاغتيال لا يُعطيك أي ميزة عسكرية ولا يُحتسب لك كإنجاز، بينما الإنجاز هو ما حقّقه القائد أبو نعمة». وأضاف: «إن الفشل في غزة يدل على أن هذا الجيش المُنهك لا يقوى على تحقيق الانتصارات، وهذا الجيش بعد الضربات المتتالية منذ عام 2000 إلى يومنا هذا لن يتمكّن من تحقيق انتصارات في أي معركة أو مواجهة».
وشدّد صفي الدين على أنّ «الرد على اغتيال القائد «أبو نعمة» بدأ أمس (أمس الأول) وستستمر هذه السلسلة من الردود التي تستهدف مواقع جديدة لم يكن يتخيّل العدو أنها ستصاب»، مضيفاً: «ستبقى هذه الجبهة قوية ومشتعلة».
وبعد انتهاء المراسم في الضاحية، نُقل نعش الشهيد في موكب سيّار كبير باتجاه بلدته حداثا في قضاء بنت جبيل، حيث أقيم له مأتم حاشد، شارك فيه الآلاف من أبناء البلدة والقرى المجاورة، عكس الشعبية الواسعة التي كان يتمتّع بها الشهيد، نظراً إلى قربه من الناس في نطاق عمل وحدة «عزيز» في المقاومة التي كان قائداً لها. ومنذ دخول موكب الشهيد القائد مدخل منطقة عمل وحدة «عزيز» عند نهر الليطاني، استُوقف النعش في عدة قرى على الطريق لإلقاء نظرة أخيرة وتحية ونثر الورود والأرز عليه.
بين أكاليل الورود وأعلام فلسطين ولبنان ورايات المقاومة، دخل موكب الشهيد القائد البلدة، وسُجي في باحة زيّنتها صوره، واصطفّت على جنباتها فرقة موسيقية تابعة لكشافة المهدي وتشكيل من مقاتلي المقاومة ولفيف من العلماء من طوائف مختلفة. ثم تقدّم فصيل حملة النعش الذي نُثرت عليه أوراق الورود، وأدّى التحية العسكرية للشهيد. ثم وضع نجل الشهيد، علي، وابن عمه، مسؤول منطقة الجنوب الأولى في «حزب الله»، الحاج عبدالله ناصر (أبو حسين)، إكليلاً من الزهر الأبيض على النعش، وألقيت كلمة لرفاق الشهيد، وبعدها صُلي على الجثمان الذي ووري الثرى في جبانة البلدة.