رفح تضاعف متاعب العدو: لا «أمل» في اجتثاث المقاومة
طبعت الكمائن المدروسة والمحكمة التي نفّذتها المقاومة على نحو متتابع، في محورَي القتال في جنوب القطاع وشماله، الأيام الماضية بصفة «الأكثر صعوبة»، إذ استطاعت «كتائب القسام»، عشية عيد الأضحى، تنفيذ كمينَين موفّقَين، تسبّبا بمقتل 18 جندياً في غضون 48 ساعة فقط، فضلاً عن إصابة عشرات الجنود بجروح خطيرة. وأمام ما جرى، لم يجد جيش الاحتلال بدّاً من الاعتراف بأن مدينة رفح، التي شهد مخيم الشابورة فيها وقائع كمين دامٍ، قد حصدت حصيلة التجارب العسكرية لكلّ محاور القتال، بعدما درس مقاتلوها تكتيكات الجيش وأساليبه إلى الحدّ الذي مكّنهم من فهم سيكولوجية الجنود وطريقة تفكيرهم، وتوقّع المباني التي يختارها الضباط للمبيت والتمركز على نحو دقيق، بل وفهم الآلية التي يتّبعها هؤلاء في تمشيط البنايات وفحصها للتأكد من خلوّها من المتفجرات والكمائن. وبناءً عليه، أعدّوا شراكهم النارية بطريقة فشل الجيش في اكتشافها.وفي التفاصيل التي ذكرها الجيش، فإن قوّة «سييرت جفعاتي» أَرسلت طائرة تصوير لتفحص المبنى، ثم ألقت عبوة ناسفة مخصّصة لإبطال كل أنواع المتفجرات، قبل أن يتقدّم الجنود إلى المبنى المكوّن من خمس طبقات، ولدى اطمئنانهم إلى أن المكان آمن، فجّر المقاومون المبنى الذي انهار عليهم بشكل كامل، ما تسبّب بمقتل خمسة منهم، وإصابة عدد آخر. أمّا العملية الموفّقة الثانية التي تمكّنت المقاومة من تنفيذها في رفح أيضاً، فاستهدفت ناقلة جند من نوع «نمر»، هي الأحدث في ترسانة القوات البرية الإسرائيلية، إذ استطاع المقاومون ضرب الناقلة التي يتجاوز سعرها الـ3 ملايين دولار، بقذيفة «الياسين 105»، ومن مسافة قريبة جداً لم تتح فرصة لمنظومة «معطف الريح» لإبطال مفعول المقذوف. وبحسب التحقيقات الأولية التي نشرها جيش الاحتلال، فإن القذيفة أصابت المقصورة المخصّصة لحفظ الذخيرة والقذائف، ما تسبّب بتفحّم الآلية المستهدفة، ومقتل ثمانية جنود كانوا في داخلها.
أمام تلك الأحداث المتلاحقة، زعم العدو أن ما يميّز مدينة رفح عن كل محاور القتال، هو أن المقاومين حفروا أسفل كل بيت فيها نفقاً، وأعدّوا أنفسهم طوال ثمانية أشهر لهذه المعركة. وإلى جانب معارك الاستنزاف والإرهاق المستمرّة التي يواجهها جيش الاحتلال على مدار الساعة، والمتمثّلة في الإمطار المستمرّ بقذائف الهاون والصواريخ التكتيكية، أقرّ الجيش بأنه فشل في اغتيال قائد لواء رفح، محمد شبانة. أما آخر العمليات النوعية في ذلك المحور، فقد أعلنت عنها «كتائب القسام»، أمس، حيث أطلقت طائرة انقضاضية من نوع «زواري» من مدينة رفح تجاه مستوطنة حوليت.
وبالعودة إلى كمائن العيد، نفّذت «القسام» أيضاً، كميناً نوعياً عند مفترق النابلسي جنوب غربي مدينة غزة، ونشرت مقطعاً مصوّراً مدّته ثلاث دقائق، ظهر فيه المقاومون وهم يقومون بزرع العبوات في منطقة الكمين التي تبعد عدة مئات من الأمتار من المكان الذي يتمركز فيه جنود العدو. وعقب تفجير حقل العبوات الناسفة بعدد من الآليات المتوغّلة، بدأت وحدة المدفعية بإطلاق وابل من قذائف الهاون الثقيلة تجاه تجمع الجنود. وأظهر المقطع المصوّر بحرفية عالية، هبوط طائرات مروحية لإجلاء القتلى والجرحى، فيما اعترف الاحتلال بمقتل جنديين وإصابة آخرين في هذا الحدث.
ودفع ما تقدّم، جيش الاحتلال إلى الإعلان أن عمليته في رفح شارفت على الانتهاء، وأنه تمكّن من القضاء على أربع كتائب لـ»القسام» في المدينة، وتبقّت أمامه كتيبتان يحتاج إلى أربعة أسابيع فقط لإتمام الإجهاز عليهما، وأنه في صدد الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، والتي سينتهي فيها القتال الموسّع وستتركّز على تنفيذ عمليات جراحية دقيقة واستهداف من الجو. غير أن ما صرّح به الناطق باسم جيش العدو، دانييل هغاري، أمس، أَظهر قدْر التأزّم الذي يعيشه جنود العدو في الميدان، حيث أقرّ بفقدان أهداف الحرب الكبرى، وأبرزها القضاء على «حماس»، واقعيتها، بعدما قال في لقاء عبر «القناة 13»: «نستطيع القضاء على كتائب حماس عسكرياً، لكن حماس حزب مزروع في أصوات الجماهير وقلوبهم، ولا يمكن القضاء عليها بشكل كامل».