تحذيرات دولية متجدّدة لعدم التّصعيد... وتعويلٌ على الدبلوماسية
عادت التحذيرات الدولية من توسّع الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل لتتصدر المشهد في لبنان في موازاة التصعيد العسكري الذي شهدته الجبهة الجنوبية والتهديدات بالحرب التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون في الأيام الأخيرة.
وكان آخر هذه التحذيرات البيان الصادر مساء الخميس، عن رؤساء كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وألمانيا، الذين شددوا على أهمية الإبقاء على الاستقرار على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، داعين إلى خفض التصعيد وممارسة ضبط النفس، إضافة إلى تلك التي أطلقها كل من الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش، معرباً عن قلقه من خطر نشوب «صراع أوسع النطاق بين (حزب الله) وإسرائيل تكون له عواقب مدمّرة على المنطقة».
وأتت هذه المواقف بعد سلسلة تهديدات صدرت من المسؤولين الإسرائيليين، متوعدين «حزب الله» ولبنان، ومؤكدين جهوزيتهم للحرب، مترافقة مع تصعيد عسكري كبير على الجبهة الجنوبية.
وفي لبنان حيث يسود الترقب ما ستؤول إليه الأمور العسكرية والسياسية، يؤكد المسؤولون عدم تلقيهم تهديدات مباشرة ويثنون في المقابل على المواقف الدولية التي تدعو جميعها إلى التهدئة معوّلين على الجهود الدبلوماسية.
وفي هذا الإطار، كان ترحيب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالبيان الصادر عن قادة فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وألمانيا، والذي «شدد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في لبنان وتوحيد جهودهم من خلال المساعدة على خفض التوتر على طول الخط الأزرق، وفقاً للقرار (1701) الصادر عن الأمم المتحدة».
وقال ميقاتي: «نثمّن عالياً هذا الموقف الداعم للبنان والداعي إلى بذل كل الجهود لوقف التصعيد، ونعتبر أن الأولوية لدينا هي التواصل مع أصدقاء لبنان في العالم ودول القرار للجم التصعيد ووقف العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان».
ولفت إلى أنَّ «الاتصالات الدبلوماسية اللبنانية جنّبت لبنان في العديد من المحطات مخاطر الخطط الإسرائيلية لتوسيع الحرب، ليس في اتجاه لبنان فحسب، إنما على مستوى المنطقة، وهذا التوجّه عبر عنه بيان الدول الأربع بتشديده على العمل لتجنب التصعيد الإقليمي».
من جهتها، تقول مصادر نيابية في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري لـ«الشرق الأوسط»: «نحن أمام مشهد لا يمكن التنبؤ بتطوراته، بل نعيشه لحظة بلحظة، ولا سيما أننا لا يمكن أن نطمئن للجنوح العسكري والسياسي في إسرائيل حيث من الواضح أنهم يميلون نحو التصعيد». من هنا ومع اعتبار المصادر أن المواجهة لا تزال ضمن قواعد الاشتباك، تؤكد «ضرورة اليقظة واستخدام كل الإمكانات المتاحة السياسية والعسكرية والشعبية لعدم التصعيد، مع التأكيد على حق لبنان بالدفاع عن النفس»، مذكرة بالمواقف الأميركية والدولية الأخيرة التي تشدد جميعها على ضرورة عدم التصعيد.
وكان وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب أكد أنه لم يتبلّغ بأي تحذيرات خارجية حول جبهة الجنوب قائلاً: «سعينا مع دول عدة لكن إسرائيل ترفض وقف إطلاق النار، وأي هجوم قوي على لبنان يعني حرباً إقليمية».
وبينما اعتبر أن الهجوم «الإسرائيلي يختبر الأسلحة التي يمتلكها (حزب الله)»، رأى أن «أي هجوم على لبنان سيوصلنا إلى حرب إقليمية، ولقد رأينا ما جرى عند ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق».
وفي قراءة للتصعيد العسكري المترافق مع ارتفاع وتيرة التحذيرات، يرى مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، أن المتغير الأساسي الذي أخذ الوضع نحو التصعيد، إضافة إلى وقائع أخرى، هو عدم موافقة إيران على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي يدعمه الرئيس الأميركي جو بايدن، مذكراً في الوقت عينه بالوضع في شمال إسرائيل الذي يشكل عامل ضغط على المسؤولين في تل أبيب. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المنطقة العازلة التي كانت إسرائيل تنوي إقامتها في الجنوب أصبحت اليوم في شمال إسرائيل، وهو ما يعتبر بالنسبة إليهم غير مقبول لا عسكرياً ولا أمنياً ولا وجودياً، ويدفع كثيرين للدعوة لتوسيع الحرب مع لبنان»، من هنا يضيف نادر: «عناصر الانفجار باتت كلّها موجودة، إنما يؤخرها عدم رغبة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين الذي قال إنه لا يريد الدخول في الحرب وهو لم ينتهِ بعدُ من غزة»، مع العلم أن نتنياهو أكّد الأربعاء أنّ الدولة العبرية «مستعدّة لعملية مكثفة للغاية» على حدودها الشمالية، قبل أن يفيد موقع «أكسيوس الإخباري» الأميركي، الخميس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، بأن واشنطن حذرت إسرائيل من أن قيامها بشن حرب محدودة على لبنان، حتى لو هجوماً برياً على مناطق بالقرب من الحدود، قد يدفع إيران للتدخل.
وأضاف الموقع أن الولايات المتحدة حذرت إسرائيل من أن نشوب حرب إقليمية مصغرة «ليس خياراً واقعياً؛ لأنه سيكون من الصعب منعها من الاتساع»، ونقل عن مسؤول في الجيش الإسرائيلي قوله إن «(حزب الله) نجح في شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية بطائرات مسيّرة لم ينجح الجيش في اعتراضها».