اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

شرق أوسط جديد من دون نفط... ولبنان بلا طاقة ولا رؤية

صيدا اون لاين

يشهد العالم اليوم تحوّلاً جذريًا في معادلة الطاقة، بعدما كانت لعقود طويلة محكومة بإيقاع النفط وأسعاره وتقلباته الجيوسياسية. هذا التحوّل لا يمرّ مرور الكرام على الشرق الأوسط، المنطقة التي كانت تُعرف بأنها "خزان العالم النفطي"، إذ بدأت دولها تخطّ لنفسها مسارًا جديدًا نحو اقتصاد ما بعد النفط، مدفوعةً بتقلّبات السوق العالمية، وضغوط التحوّل
المناخي، وتطورات التكنولوجيا النظيفة.


منذ الحرب الروسية – الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط ثم تراجعها مجددًا، بدأ يتضح أن النفط لم يعد سلاحًا استراتيجيًا بالمعنى التقليدي. الدول المنتجة في الخليج أدركت أنّ الاعتماد المفرط على العائدات النفطية يضعها أمام مخاطر مالية واقتصادية كبرى، خصوصًا مع تنامي الاتجاه العالمي نحو الطاقة البديلة والمركبات الكهربائية وتقنيات الهيدروجين الأخضر. في هذا السياق، تُعيد السعودية، والإمارات، وقطر رسم أولوياتها الاستثمارية. فمشروعات مثل "نيوم" و"مصدر" و"كهرمان" ليست مجرد رموز تكنولوجية، بل جزء من خطة شاملة للتحوّل إلى قوى طاقة متجددة. في المقابل، تواجه دول أخرى مثل

العراق وإيران والجزائر ولبنان، تحدّيات هيكلية أكبر بسبب ضعف التنويع الاقتصادي واستمرار اعتماد الموازنات العامة بنسبة تفوق 85% على النفط والغاز.

سباق نحو الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية
يتصدّر الهيدروجين الأخضر اليوم قائمة الرهانات الكبرى في الشرق الأوسط، إذ تتسابق دول المنطقة على توقيع اتفاقيات لتصديره إلى أوروبا وآسيا. السعودية دشّنت مشروعًا ضخمًا في نيوم لإنتاج الهيدروجين بقدرة تتجاوز 4 غيغاواط، فيما تستثمر الإمارات والمغرب ومصر في مشاريع مشابهة مدعومة من شركات ألمانية ويابانية. أما الطاقة الشمسية، التي كانت تُعتبر ترفًا بيئيًا قبل عقد من الزمن، فقد تحوّلت إلى محور اقتصادي استراتيجي، مع قدرة بعض الدول على توليد كهرباء بتكلفة تقلّ عن 2 سنت للكيلوواط. هذه التحوّلات تجعل من المنطقة مركزًا محتملاً لتصدير الطاقة النظيفة بدلًا من النفط الخام.

لبنان والمنطقة... فرصة ضائعة أم بداية جديدة؟
في خضمّ هذه التحولات الكبرى، يبقى لبنان على الهامش، رغم امتلاكه واحدًا من أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في شرق المتوسط. غياب السياسات الطاقوية المستقرة، وتشتّت المسؤوليات بين الوزارات، وغياب الحوافز للمستثمرين، جعلت مشاريع الطاقة الشمسية والرياح في لبنان تتطور ببطء، وغالبًا على المبادرات الفردية.

لكن الأزمة الكهربائية المزمنة، وانهيار مؤسسة كهرباء لبنان، قد تكون فرصة قسرية لإعادة التفكير في النموذج الطاقوي بالكامل.
فالتحوّل إلى الطاقة اللامركزية عبر الشركات الصغيرة والمبادرات المجتمعية بدأ يشكّل واقعًا موازيا لنظام الدولة المتعثر، وقد يفتح الباب لتجربة لبنانية مختلفة قائمة على الاستقلال الطاقوي المحلي.
التحوّل في ميزان الطاقة لا يعني فقط استبدال الوقود الأحفوري بمصادر نظيفة، بل إعادة رسم النظام الاقتصادي برمّته.

الاقتصاد الأخضر يفتح آفاقًا جديدة لقطاعات العمل، من الصناعات التكنولوجية إلى الزراعة الذكية والنقل الكهربائي. هذا ما يفسر سعي الدول العربية إلى إنشاء صناديق استثمارية خضراء، وتبني تشريعات جديدة لتشجيع الاستثمار في الاقتصاد منخفض الكربون. ويرى خبراء الطاقة أن المنطقة قد تشهد خلال العقد المقبل تنافسًا من نوع جديد: ليس على من يملك أكبر احتياط من النفط، بل على من يملك أفضل بنية تحتية لتصدير الطاقة النظيفة.

نحو شرق أوسط جديد في خريطة الطاقة

التحوّل الجاري ليس عابرًا. فالعالم يدخل حقبة يكون فيها الكهرباء والبيانات والمياه هي مصادر القوة الجديدة. ودول الشرق الأوسط أمام مفترق طرق: إمّا أن تنجح في ترجمة ثرواتها الطبيعية إلى استدامة طويلة الأمد، أو أن تبقى أسيرة دورها التاريخي كمورّد خام في عالم يتغيّر بسرعة.
لبنان، من جهته، يملك فرصة حقيقية إن قرّر أن يكون جزءًا من هذه الموجة، لا متفرّجًا عليها. فما يحتاجه ليس النفط ولا الغاز فحسب، بل رؤية جديدة للطاقة كحقٍّ ومحرّك للنهوض الاقتصادي والاجتماعي.

تم نسخ الرابط