اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

واشنطن تحسم أمرها في لبنان: لا تسويات رماديّة!

صيدا اون لاين

لم تعد واشنطن تنتظر تسوية شاملة أو مساراً تفاوضياً متكاملاً مع إسرائيل لتفعيل حضورها اللبناني، بل حددت سُلَّماً جديداً للأولويات: نزع سلاح حزب الله، والإصلاحات المالية، كشرطين متقدّمين لأي انخراط سياسي أو اقتصادي جدّي مع الدولة اللبنانية.

يعكس هذا التطور السياسي البارز تبدلاً في الأولويات الأميركية حيال لبنان. وهو لم يبقَ أسير الرسائل المغلقة أو اللقاءات الديبلوماسية، بل جاء هذه المرة عبر موقف علني لنائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، والتي كشفت عن موافقة رئيس الجمهورية على فكرة التفاوض المدني مع إسرائيل، في محاولة واضحة لنفي وجود موقف لبناني موحد رافض لهذا المسار.

لم يكن هذا الإعلان تفصيلاً، لأنه كشف النقاب عن افتراق عند أهل الحكم: رئيس الجمهورية مع التفاوض، رئيس مجلس النواب نبيه بري رافض بالمطلق، ورئيس الحكومة نواف سلام متردد، إذ أعاد طرح فكرة «الدبلوماسية المكوكية» Shuttle Diplomacy مستعيداً سياسة أميركية عميقة بدأت مع وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر، وكان آخر عناقيدها الموفد الرئاسي السابق آموس هوكستين في مهمّة ترسيم الحدود البحرية.

يعكس هذا التوزع في المواقف هشاشة القرار اللبناني، وانكشافه أمام الضغوط الخارجية، لا سيما الأميركية منها.

لكن في خلفية المشهد، تبقى أولوية نزع سلاح حزب الله هي المحور الحقيقي الذي تدور حوله الرسائل الأميركية. صحيح أن أورتاغوس تجنّبت تحديد مهلة زمنية علنية، لكنها، وفق مصادر ديبلوماسية، أبلغت المعنيين بوضوح أن لدى لبنان أسابيع قليلة فقط لاتخاذ خطوات عملية باتجاه تفكيك السلاح وتسليمه للدولة. وجاء هذا الطرح ضمن سياق تحذيري: إمّا استمرار الشراكة مع الولايات المتحدة عبر الالتزام بالقرارات السيادية ونزع سلاح «كل المجموعات اللبنانية وغير اللبنانية»، وإما فضّ الشراكة، بما يعنيه ذلك من تخلٍّ أميركي كامل عن دعم الدولة اللبنانية وتركها لمصيرها. وكان لافتا في هذا السياق تلقِّي المسؤولين نصيحة اميركية بضرورة الإسراع في المبادرة وعدم انتظار التفاوض بين واشنطن وطهران أو الرهان عليه.

لم تقتصر التحذيرات على الجوانب السياسية، بل شملت إنذارات أمنية مباشرة، حيال أي مغامرة صاروخية قد تستفز إسرائيل وتستجلب ردوداً قاسية، كما حدث قبل توقيع وقف إطلاق النار في 27 كانون الثاني 2024. الرسائل الأميركية كانت حاسمة بأن زمن «الصواريخ اللقيطة» قد ولّى، وأن أي انفلات ميداني لن يُقابل إلا بتصعيد عسكري إسرائيلي واسع، وقد يطال قلب بيروت كما حصل أخيراً.

إلى جانب البُعد الأمني، تضع واشنطن ملف الإصلاحات المالية والاقتصادية في مرتبة لا تقل أهمية. إذ تعتبر أن الالتزامات اللبنانية التي تم التعهد بها، خصوصا خلال الشهرين الأخيرين، لم تُنفّذ، أو جرى تأجيلها، مما يقوّض ثقة المجتمع الدولي بلبنان. من هنا، شددت أورتاغوس على أن لا دعم اقتصادياً، ولا مساعدات مالية أو خطط لإعادة الإعمار، ما لم تبادر الحكومة إلى اتخاذ خطوات فورية وملموسة.

لم يأتِ هذا التوجّه الأميركي التصعيدي من فراغ، بل سبقه موقف واضح من الكونغرس، عبّرت عنه رسالة صارمة من عضوي مجلس الشيوخ جيم ريش وجين شاهين، حمّلت الحكومة اللبنانية مسؤولية مباشرة عن استمرار نفوذ حزب الله، وهددت بعزلة دولية ومزيد من الانهيار الاقتصادي إذا لم يتم كبح هذا النفوذ.ش

تُعتبر هذه الرسالة بمثابة مؤشر على تصعيد الضغط الأميركي على لبنان، خاصة في ما يتعلق بالملفات التي تتعلق بالأمن والسيادة والاقتصاد. وهي ركزت بشكل خاص على ضرورة أن تتخذ الحكومة اللبنانية قرارات جدية لتنفيذ التزاماتها في مجموعة من القضايا الهامة، أبرزها ما يتعلق بالحد من نفوذ حزب الله. وقد شددت الرسالة على أن استمرار دعم لبنان لحزب الله أو التساهل مع أنشطته من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية للبنان، ويجعل من الصعب على الحكومة اللبنانية الحصول على المساعدات الاقتصادية والإعمار الدولي الذي يحتاجه الاقتصاد اللبناني بشكل ملحّ.

ما يمكن استنتاجه من كل هذه المشهدية، أن الولايات المتحدة حسمت أمرها: لا تسويات رمادية، ولا سياسة انتظار. المطلوب واضح: تفكيك منظومة السلاح الموازي، ضبط الحدود والسيادة، وإطلاق عجلة إصلاحات مالية عاجلة. وبخلاف ذلك، فإن لبنان مهدد بفقدان آخر حلفائه الدوليين وبمزيد من الانهيار والعزلة.

هكذا، تصبح الكرة في ملعب الحكم، الذي يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الشروع الفعلي بتنفيذ ما التزم به أمام المجتمع الدولي، أو الانزلاق الكامل نحو قطيعة سياسية واقتصادية مع الغرب، مع ما يحمله ذلك من تداعيات كارثية على مستقبل الدولة ومجتمعها.

من وجهة نظر واشنطن، تتطلّب هذه الالتزامات التنفيذ الفوري، لا سيما في ما يتعلق بتفكيك أو تقليص نفوذ حزب الله في لبنان، وهي مسألة حساسة تتعلق بالاستقرار الداخلي للدولة اللبنانية وبجوارها، وبالتأكيد إسرائيل. وهي تعتبر أن أي نوع من التساهل في هذه القضايا سيؤدي إلى إعاقة مساعيها في المنطقة ويفتح المجال للمزيد من التدخلات الخارجية.

تم نسخ الرابط