تضخم مُنفلت يطال 13 سلعة وخدمة… إلى متى سيصمد اللبنانيون؟

تُظهر دراسة حديثة صادرة عن دائرة الإحصاء المركزي أن 13 سلعة وخدمة شهدت التضخم الأكبر في لبنان خلال الفترة الممتدة بين العام 2019 و2025، مقارنةً بين سعرها بالليرة اللبنانية قبل الأزمة وفي الوقت الراهن.
الأرقام صادمة، ليس فقط بسبب حجم تضاعفها، بل لأنها تطال سلعًا أساسية مثل الغذاء والطبابة والنقل، أي أنها تمس الفقراء والمُعدمين الذين لا يمكنهم الاستغناء عنها، وفي الوقت نفسه يعانون من ضعف وضمور في المداخيل.
والأخطر أن هذه الأرقام مرشّحة للاستمرار في الارتفاع، نتيجة غياب الإجراءات الجذرية والحقيقية لحل الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ نحو ست سنوات.
بداية، لا بد من تعداد الخدمات والسلع التي طالها التضخم المفرط (بالليرة اللبنانية)، وهي كالتالي:
• إيجارات السكن: 495%
• الاتصالات: 1,737%
• الماء والغاز والكهرباء والمحروقات الأخرى: 3,555%
• التعليم: 4,784%
• الصحة: 5,160%
• الاستجمام والتسلية والثقافة: 6,250%
• النقل: 11,124%
• سلع وخدمات متفرقة: 13,861%
• الأثاث والتجهيزات المنزلية وصيانة المنزل: 16,599%
• المشروبات الكحولية والتبغ والتنباك: 24,587%
• المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية: 30,025%
• الألبسة والأحذية: 30,737%
• المطاعم والفنادق: 37,237%
الخوري: التضخم نتيجة تصحيح عبثي وغياب أي تدخّل لضبط الاقتصاد
يفسّر عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا البروفسور بيار الخوري، لـ“ليبانون ديبايت”، أسباب هذا التضخم المفرط بأن “الليرة اللبنانية شهدت تدهورًا حادًا بعد العام 2018، حيث تراجع سعر الصرف من 1,500 ليرة للدولار إلى 89,500 ليرة في العام 2025، ما يعني انخفاضًا بنسبة متوسّطة بلغت 79.34% سنويًا”.
في المقابل، ارتفعت الأسعار بوتيرة أسرع، حيث بلغ متوسّط التضخّم السنوي، بحسب مؤشّر الأسعار الصادر عن وزارة الاقتصاد، 81.55%.
ويشير الخوري إلى أن “التكاليف المعيشية نمت بوتيرة تجاوزت الانخفاض في قيمة العملة”، معتبراً أن ما حصل في لبنان لم يكن تصحيحًا اقتصاديًا ناتجًا عن سياسات إصلاحية، بل تصحيحًا عبثيًا فرضته عوامل فقدان الثقة وغياب أي تدخّل فعّال لضبط الاقتصاد.
ويضيف: “في العادة، يؤدي انخفاض قيمة العملة إلى تعزيز القدرة التنافسية للصادرات وتقليل الاستيراد، ما يحرّك الإنتاج المحلّي. إلّا أن ما حدث في لبنان كان مختلفًا، إذ ترافق انهيار العملة مع تقلّص الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 20 مليار دولار، بعدما كان يتجاوز 50 مليار دولار قبل عامٍ من الأزمة، ما يعكس انهيار النشاط الاقتصادي بدلًا من تحفيزه”.
ويتابع: “لم تُواكب الأسواق أي محاولات لدعم الإنتاج أو تعزيز الاستثمار، بل دخل الاقتصاد في ركود عميق، حيث فقدت الأُسر القدرة الشرائية وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، ما زاد من حدّة الأزمة”.
ويشرح الخوري أن “التضخم لم يلتهم فقط المنافع المُفترضة للتصحيح النقدي، بل تجاوزها، حيث ارتفعت الأسعار بوتيرة جعلت أي مكاسب من انخفاض العملة بلا قيمة حقيقية. فحتى لو تمكّن الاقتصاد من التكيّف جزئيًا مع تراجع سعر الصرف، فإن الغياب التام للإصلاحات النقدية والمالية أدّى إلى استمرار الاضطرابات الاقتصادية، مما جعل ارتفاع الأسعار أسرع من قدرة المواطنين على التأقلم”.
ويشير إلى أنه “بدلًا من أن يؤدي تراجع قيمة العملة إلى تحفيز الإنتاج، تسبب في شلل اقتصادي وانكماش في القطاعات الرئيسة كالتجارة والصناعة والخدمات الحديثة، التي لم تستطع تعويض الخسائر الناجمة عن الأزمة المالية والمصرفية”.
ويرى الخوري أنه “إلى جانب العوامل الاقتصادية الداخلية، جاءت الحرب الأخيرة في العام 2024 لتُعمّق الأزمة بشكل أكبر، حيث أدّت إلى مزيد من الانكماش في النشاط الاقتصادي الذي كان ضعيفًا أصلًا بسبب سنوات من التراجع المستمر”، مشيرًا إلى أن “الاضطرابات الحربية نتيجة العدوان الإسرائيلي تسببت في تعطيل التجارة، وتآكل ما تبقى من ثقة المستثمرين، وزيادة الضغوط على المالية العامة، ما دفع معدّلات التضخم إلى مستويات أعلى، مما جعل أي محاولة لاستعادة الزخم الاقتصادي أكثر تعقيدًا وأقل فاعلية، بعد سنوات من غياب سياسات حكومية استباقية أو استلحاقية تضمن استقرار الأسواق وتعيد تحفيز الإنتاج والاستثمار”.
البواب: التضخم في لبنان بسبب استمرار الأزمة والتطورات العالمية
من جهته، يشدّد الخبير الاقتصادي الدكتور باسم البواب، لموقع “ليبانون ديبايت”، على أن “المقارنة للأسعار في لبنان يجب أن تكون بالدولار وليس بالليرة اللبنانية، لأن شراء السلع يتم بالليرة لكن القيمة الحقيقية تُحتسب بالدولار”.
ويؤكد أن “التضخم الحاصل في لبنان ليس نتيجة الأزمة الداخلية فقط، بل نتيجة تراجع القيمة الشرائية للدولار عالميًا، وصعود أسعار النفط، والحروب التي حصلت"
ويُضيف: “هناك تضخم عالمي تجاوز في السنوات الأخيرة 30%، وما نراه في لبنان هو نتيجة عاملين: الأول استمرار الأزمة وغياب الحلول، والثاني هو الأزمات العالمية المتتالية التي شهدتها المنطقة مؤخرًا، إضافة إلى ارتفاع كلفة النقل بسبب حرب غزة، ما ساهم في رفع الأسعار أكثر”.
ويتابع: “الأسعار مرشحة للارتفاع، وهناك تضخم طبيعي سنوي عالمي يتراوح بين 3 و5%، لكن مع الحروب والرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على بعض الدول، ازداد التضخم العالمي. في لندن مثلًا، وصلت نسبة التضخم في السنوات الأخيرة إلى 11%”.
ويختم: “في لبنان، ارتفعت نسب التضخم بالدولار بنسبة 30%، أما بالليرة اللبنانية فقد ارتفعت بنسبة 60 مرة، أو ما يعادل 6,000%. وللتوضيح، فإن السلعة التي كان سعرها قبل الأزمة 1,000 ليرة، باتت تُباع اليوم بـ80,000 ليرة لبنانية”.