حدث يتكرّر كلّ نصف قرن... ولبنان على الموعد

تلتقي الطوائف الإسلامية والمسيحية هذا العام في زمن الصوم، حيث يتزامن شهر رمضان مع صيام المسيحيين، مع كل ما يحمله هذا التلاقي من معانٍ ودلالات عابرة لكل الفروقات بين الأديان، التي ما هي بالحقيقة إلا رسالة سماوية واحدة.
ولكن ما الأسباب التي أدت إلى التقاء زمن الصوم هذا العام؟
أوضح رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط، في حديث لموقع mtv، أن "هذا التلاقي بالصيام يخضع لحركة دوران الشمس والقمر، وهذا الصيام يلتقي كل نصف قرن تقريباً، أي كل خمسين سنة، فمن خلال حركة الكواكب يلتقي الصيام وتلتقي كذلك الأعوام الهجرية مع الأعوام الميلادية".
وتابع عريمط: "الملاحَظ هذا العام أن أول شهر آذار الميلادي هو أول يوم في شهر رمضان الهجري. وهذا يؤكد تماماً أننا ننتمي لإيمان واحد وننتمي لرسالة سماوية أنزلها الله على سيدنا المسيح عليه السلام وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وقبله على سيدنا ابراهيم وموسى وما سبقهم وما تبعهم من الأنبياء الذين أنزلهم الله لتصحيح مسيرة الحياة والمفاهيم التي ارادها الله ليكون الإنسان خير مخلوقاته، عندما قال سبحانه وتعالى في القرآن الكريم لملائكته: "إني جاعل في الأرض خليفة". فالإنسان هو خليفة لله في بناء الارض وتعميرها بالأمن والسلام والمحبة والرحمة".
من جهته، اعتبر الأب شكرالله شهوان، عبر موقع mtv، أن "الصدف جميلة ومميزة أن تصوم جميع الطوائف في وقت مشترك، وأن يعيشوا المحبة التي تربطهم معاً. ونحن نرغب بحصول هذه الصدف، ولكن الأهم أن تكون النيّات باتجاه واحد. ويجب مقاربة هذه الصدفة بشكل إيجابي تجاه شعبنا. فالمؤمنون يلتزمون بتوجيهات البطاركة الكاثوليك والأورثوذكس، كما مشايخ السنّة والشيعة والموحدين الدروز، وعلى الجميع التشديد على أن الهدف هو الإنسان وجوهره، بغض النظر عن أي أمر آخر".
وأضاف: "الصوم هو ليس فقط الصوم عن الطعام، إنما الانقطاع عن كل ما يشوّه خلقية الإنسان، وهو وقفة أمام الذات والتخلّي عن كل ما يبعدنا عن إنسانيتنا وعن أخينا الإنسان".
بدوره، توقّف عريمط عند هذه المصادفة، مشيراً إلى أنه "من المؤكد أن هذا التزامن بين الصيام لدى المسلمين والمسيحيين يؤكد على أن الايمان واحد وأن هذا الشعب اللبناني ينتمي لوطن واحد ولفئة واحدة، منهم مَن آمن بالمسيحية ومنهم مَن آمن بالإسلام، وتجمعهم عبادة الله الواحد الأحد، وكل منهما يقرّبه هذا الصيام الى الله. ومن هنا على كل القوى السياسية والمعنية أن تدرك معنى هذا التلاقي في الصيام ليعلموا أن الوطن للجميع وأننا جميعاً علينا أن ننطلق من التأكيد أن هذا الشعب يشكّل وحدة أساسية في بناء الحياة. فالمسلمون والمسيحيون يشكلون معاً الوطن لبنان، وهو وطن رسالة، أي رسالة الإيمان التي تجمع بين أتباع الشرائع التي أنزلها الله لخدمة الإنسان ولتصحيح مسيرة الحياة على هذه الارض الطيبة، فالشرائع التي أنزلها الله هي للمحبة والرحمة والتعاون والتلاقي لما فيه رضى الله وخدمة الانسان، وعلى كل القوى السياسية أن تعمل من روحية الإسلام ومن روحية المسيحية لنبني معاً وطناً في هذا الشرق وأن يكون هذا الوطن هو وطن الإنسان".
الشرقي والغربي
هذا ويحمل تزامن الأعياد هذا العام رمزية مسيحية - مسيحية أيضاً، حيث يلتقي التقويمان الشرقي والغربي، وهي من المرات القليلة التي يشهدها العالم. وعلّق الأب شهوان قائلاً: "هناك شوق عند المسيحيين لتوحيد العيد، وهناك مساع دائمة من قبل الكنيستين الكاثوليكية والأورثوذكسية لجمع الأعياد. ولا بد من التأكيد أن لا خصومة بينهما ولا تناقض إيمانياً ولا خلاف روحياً. ويحاول البابا فرنسيس العمل على توحيد العيد، ولكن لم يحصل بعد التوافق على الموضوع وذلك ليس لأسباب خلافية جوهرية انما لأسباب روتينية بسبب وجود أكثر من مرجعية للكنيسة الأورثوذكسية، بينما هناك مرجعية واحدة للكاثوليك وهي الفاتيكان".
ولفت شهوان إلى أن الإختلاف هو بسبب الفارق بين الحسابين القمري والشمسي، وعندما يلتقي العيدان تكون قد التقت الدورتان القمرية والشمسية.
وشدد على ان الاختلاف بالحساب هو تاريخي، مستذكراً المجمع الذي أقيم بين العامين ١٥٤٥ - ١٥٦٣، والذي عًدّلت فيه الروزنامة اليهودية القديمة التي كانت تعتمد على البدر الربيعي الاول بعد 14 نيسان لتحديد عيد القيامة، ما أدى إلى إحداث فارق ١١ يوماً بين الروزنامتين. لكن الكنيسة الاورثوذكسية لم تشارك في هذا المجمع، ومن بعده ظهر الفارق بين الكنيستين الكاثوليكية والأورثوذكسية، وهو أسبوع كامل وأحياناً يكون الفارق شهر وأسبوع لأن الأورثوذكس لا يحتسبون البدر الربيعي الأول خلافاً للكاثوليك.
هلال رمضان
الفارق في احتساب الأعياد لا ينحصر بالمسيحيين، فالاختلاف قائم أيضاً بين المسلمين أيضاً في تحديد هلال شهر رمضان، وهنا يعلّق الشيخ عريمط قائلاً: "العيد هو واحد سواء كان الفطر أو الاضحى أو قبلهما الصيام، لكن من المؤسف أن الأهواء السياسية تدخل الى المفاهيم الدينية وتفسدها. رؤية الهلال هي رؤية واحدة، والفقهاء والعلماء يقولون اذا رؤي الهلال في بلد من البلدان، فعلى بقية البلدان ان تأخذ بهذه الرؤية. هذا إن كانت بلدان متعددة، فكيف إذا كنا في بلد واحد؟ فمن هنا الرؤية هي واحدة لكن من المؤسف جداً أن الأهواء السياسية والتدخلات الاقليمية أحياناً تلعب دوراً اساسياً في موضوع البدء بشهر الصيام أو في عيد الاضحى، وفي إبعاد ابناء العقيدة الواحدة او الوطن الواحد عن السير في جادة الصواب".
يخرق هذا العام كل الخلافات والفوارق والحسابات، ويتوحّد العالم فوق كل نزاعاته، أحياناً بإسم المصالح وغالباً بإسم الدين. فهل سننتظر خمسين عاماً جديدة كي يتوحّد المؤمنون مرة أخرى؟