تعثّر التشكيل اليوم يمنع التعطيل غداً!؟
إن المسألة أكبر من الخلاف على الوزير الشيعي الخامس. وما حصل من فشل للاجتماع الثلاثي في قصر بعبدا، قد يكون أفضل مخرج للعهد بشكل خاص، باعتبار أن تعطل الاجتماع التتويجي للتشكيلة الحكومية قد يكون فرصة لقطع الطريق على رهان "الثنائي" على تعطيل الحكومة وآليات قرارها لاحقاً.
ما حصل يشي بمدى عدم جهوزية "الثنائي" للتسليم بالمعادلة الجديدة والإصرار على المعاندة، لعله يستطيع كسر مسار التغيير. لكن الواقع، وبحسب المعطيات الدبلوماسية، يفيد أن لا عودة أبداً عن تصعيد الضغوط بمختلف الوسائل على "حزب الله"، لكونه الركيزة الأقوى لدى "الثنائي"، كي يتخلى عن محاولاته اليائسة والبائسة أحياناً لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وتشير أوساط دبلوماسية غربية في بيروت، إلى أن المطلوب ليس منع السلاح غير الشرعي وتالياً تسليم "سلاح حزب الله" للدولة اللبنانية فحسب، بل المطلوب تعطيل مفاعيل هذا السلاح، والتي كانت وراء إنتاج الحكومات الأسيرة لـ"الحزب"، فضلاً عن إنتاج كتلة صافية شيعياً لـ"حزب الله" وحركة "أمل"، نتيجة سطوة السلاح بما يعنيه من تهويل وابتزاز مشفوعاً بمال إيراني متعدد الوظائف.
وتقول الأوساط إن الأميركيين أبلغوا من ينبغي إبلاغه رسمياً في لبنان، بعدم الموافقة على تمثيل "حزب الله" في الحكومة. واعتبروا التذاكي بتوزير أسماء قريبة قد لا يفي بالغرض. صحيح، أن واشنطن لم تقل رأيها بشكل حاسم في ما تسرب من أسماء، ولكن عندما سئلت السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون مثلاً عن رأيها بشخص ياسين جابر، كان الجواب: "ليس هناك من عقوبات على اسمه". وقد فهم الرئيس المكلف أن لا مشكلة حيال الاسم. لكن السفيرة أبلغت لاحقاً بأنها لم تقل إنها توافق على جابر للتوزير، بل اكتفت بالقول إن لا عقوبات عليه.
ويبدو أن أصداء الموقف الأميركي بالتحفظ على تمثيل "حزب الله" في الحكومة، خيمت على أجواء لقاء بعبدا، وتمثل ذلك في محاولة إخراج التشكيلة الحكومية إلى العلن رسمياً، استباقاً لمزيد من الإحراج والضغوط من هنا وهناك، لا سيما عبر الإصرار على تسمية الوزير الشيعي الخامس من قبل الرئيسين عون وسلام من جهة، ورفضِ مشاركة "الثنائي" في تسمية أي وزير مسيحي من جهة ثانية. علماً أن الثنائي خسر حلفاء مسيحيين محتملين عبر استبعاد تمثيل "التيار الوطني الحر" ورفض كتلة فرنجية المشاركة في الحكومة.
وتشير المعلومات إلى أن الجو السعودي حيال التشكيلة الحكومية العتيدة كما ظهرت في الإعلام، يعكس تحفظاً ملحوظاً، لا سيما في ما خص مشاركة "حزب الله" مباشرة أو بالواسطة، مع التأكيد مجدداً أن أي حكومة تخضع لابتزاز "الحزب" وتهويله ومساعيه التعطيلية، لن تحظى بأي دعم أو مساعدات مادية سواء لإعادة الإعمار أو لغايات أخرى اقتصادية وتنموية.
وتلفت المعلومات إلى أن الرسائل الأميركية كانت هذه المرة أكثر حزماً، باعتبار أن القرار الكبير اتخذ بنزع سلاح "حزب الله" وسحب مفاعيله. ولا يمكن في أي حال الاستدارة أو التحايل على هذا القرار. وتقول المعلومات: كان يمكن التساهل نسبياً، لكن الوقائع تؤكد أن "الحزب" ما زال يصر على الاحتفاظ بسلاحه، وعلى إخفاء ما لديه من مخازن وأنفاق. لا بل إن "الحزب" ما زال يحاول تمرير شحنات أسلحة وذخائر من خلال التهريب عبر الحدود اللبنانية السورية، فضلاً عن سعيه لاستجلاب الأموال من إيران بطرق شتى.
وتنصح الأوساط الدبلوماسية الغربية بعدم استعجال تأليف الحكومة، إذا لم يكن الرئيس سلام قادراً على إيجاد الإخراج الملائم. علماً أن المضي في مشروع التشكيلة إذا ما تم حل عقدة الوزير الشيعي الخامس، لن يكون بمقاطعة التعامل مع الحكومة، بل بالامتناع عن توفير الدعم المطلوب على صعد عدة، ما يفتح الباب أمام عودة خيار الحرب والضغط الميداني على لبنان. وتوضح الأوساط أن المشكلة الأساسية هي في تمثيل "الحزب" تحديداً وليس في تمثيل حركة "أمل"، إلا في حال إصرار الرئيس بري على ربط موقفه كلياً بموقف "حزب الله". ولذلك، لا يهتم المجتمع الدولي بما إذا كانت تضم ممثلين حزبيين أم لا، بل ما يهمه هو استبعاد تمثيل "حزب الله"، أو تحجيم أثره ما أمكن.
إذاً، المطلوب إعادة النظر في جانب من مشروع التشكيلة، خصوصاً وأن بدائل عدة متاحة إذا ما غلب التعثر على مهمة التأليف.