اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

ترامب متشبّث بخطته... أيّ تحدّيات أمام غزة؟

صيدا اون لاين

في خطوة استفزازية وطموحة إلى حدّ بعيد، كشف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن رؤيته لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب، أو ما اصطُلح على تسميته خلال الحرب بـ«اليوم التالي». وتتضمّن هذه الرؤية «استيلاء» الولايات المتحدة على القطاع، بعد إخلائه من سكانه الفلسطينيين، على أن يتمّ توطينهم في دول أخرى مثل الأردن ومصر ودول إقليمية أخرى. وأثار هذا الطرح تساؤلات جدّية حول مدى واقعيته وإمكانية تنفيذه، وسط توقّعات بمعارضة شديدة من الدول المعنية و«المجتمع الدولي»، فضلاً عن الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، بدا ترامب واثقاً من جدوى خطته، على رغم التحديات الكبيرة التي قد تعترض سبيل تحقيقها.

ولم يكتفِ ترامب بالدعوة إلى «هجرة طوعية» للفلسطينيين تحت ذريعة تحسين ظروفهم الإنسانية، بل أشار إلى إمكانية إرسال جنود أميركيين لفرض السيطرة الأميركية المباشرة على غزة. ويُعدّ هذا الطرح طموحاً للغاية، ومن شأنه، في حال تنفيذه، أن يغيّر المقاربة الأميركية جذرياً تجاه المنطقة. ولخطورة تصريحات ترامب وتلميحاته، سارع «البيت الأبيض»، أمس، إلى التخفيف من وطأتها وتوضيحها وترتيبها؛ فقال إن «ترامب ملتزم بالقضاء على حماس وتأمين السلام الدائم للمنطقة كلها»، ولكنه «لم يقدّم بعد التزاماً بشأن سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة (...) ولم يلتزم بنشر قوات أميركية هناك»، في حين خرج وزير الخارجية ماركو روبيو، ليوضح أن «ما عرضه ترامب هو استعداد الولايات المتحدة لتحمّل مسؤولية إعادة إعمار غزة»، عبر «التدخّل وإزالة الحطام وتنظيف المكان من كل الدمار»؛ ولذلك، فإن «شعب غزة سيضطر إلى العيش في مكان ما أثناء إعادة البناء». واعتبر روبيو أن «العرض بشأن غزة فريد من نوعه ويجب التفكير فيه ولم يقصد منه أن يكون خطوة عدائية».

ولم تكن رؤية ترامب بشأن مستقبل قطاع غزة وليدة اللحظة، بل جاءت ضمن جهود ممنهجة قادها بنفسه إلى جانب كبار المسؤولين في إدارته، وأبرزهم مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف. وتضمّنت هذه الجهود مبادرات لإقناع الملك الأردني، عبدالله الثاني، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بـ«استضافة» سكان غزة في بلديهما. وفي المؤتمر الصحافي الذي سبق الاجتماع مع نتنياهو، قال ترامب إن السيسي وعبد الله سيقبلان بذلك رغم معارضتهما العلنية، في حين علّق ويتكوف على خطة اقتلاع 1.8 مليون فلسطيني من القطاع، قائلاً: «السلام في المنطقة يعني حياة أفضل للفلسطينيين، وليس من الضروري أن تكون هذه الحياة في المكان الذي يعيشون فيه الآن».
وهيمنت «رؤية ترامب» لقطاع غزة على مجريات اللقاء، ما أدّى إلى تهميش ملفات أخرى ذات أهمية فورية، مثل مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار وإمكانية استئناف الحرب. إلا أن هذه الملفات، على رغم تراجعها إعلامياً، كانت في صلب المباحثات المغلقة بين ترامب ونتنياهو، فيما من المتوقّع أن تتّضح مساراتها لدى عودة الأخير إلى تل أبيب، حيث سيبدأ في وضع الترتيبات اللازمة لتنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه، ولا سيما في ما يتعلّق بوقف إطلاق النار في غزة، ومفاوضات مرحلته الثانية، والتي تشكّل تحدياً رئيسياً لحكومته.

واللافت أيضاً، أن اللقاء خلا إلى حدّ كبير من الإشارات المباشرة حول الخطط الأميركية لمواجهة إيران، على رغم مركزية هذا الملف في الترتيب الإقليمي الذي يسعى إليه كل من ترامب ونتنياهو. ويأتي ذلك في وقت يلقي فيه ملف إيران بظلاله وتأثيراته على مجمل ملفات المنطقة، واليوم الذي يلي تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أيضاً، والترتيبات التي تعني هذه الساحة في أعقابه. لكنّ تسريبات من مسؤولين أميركيين بارزين أشارت إلى أن ترامب ينوي إعادة سياسة «الضغوط القصوى» على إيران، وإن كان يفضّل تأجيل «التحدّي الإيراني» إلى ما بعد ترتيب الأوضاع الإقليمية والتطبيع مع السعودية، بهدف استخدام الأخير كأداة ضغط إضافية في أي مفاوضات مستقبلية مع طهران.

وعلى أي حال، يُعدّ لقاء ترامب ونتنياهو بداية لمسار جديد في أكثر من اتجاه، حيث كان ضرورياً لنتنياهو لترتيب أولويّاته وفق الرؤية الأميركية. وما سيقوم به من خطوات داخل إسرائيل بعد عودته، سيكشف تفاصيل الاتفاقات التي تمّت في واشنطن، ما يساعد المراقبين في تقدير المسار المستقبلي لكل واحدة من هذه القضايا الحسّاسة. وخلال المؤتمر الصحافي المشترك، أعلن ترامب رفضه لفكرة إقامة دولة فلسطينية، قائلاً: «أمور كثيرة قد تغيّرت»، مضيفاً أن «السعودية لم تعد تشترط قيام دولة فلسطينية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل».

إلا أن وزارة الخارجية السعودية سارعت إلى نفي تصريحات ترامب، مؤكّدة في بيان رسمي أن موقفها «راسخ وغير قابل للتغيير»، بشأن ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، ورفضت بشدّة أي محاولات لفرض الهجرة على الفلسطينيين أو المساس بحقوقهم. وفي واشنطن، توالت ردود الفعل على تصريحات ترامب، حيث أعرب عضو «الكونغرس» الجمهوري البارز، ليندسي غراهام، عن شكوكه حيال إمكانية إرسال قوات أميركية إلى غزة، معتبراً أن «هذا المقترح لا يحظى بدعم شعبي». أما النائب الديمقراطي، كريس ميرفي، فوصف الخطة بأنها «مزحة ثقيلة وسيئة»، محذّراً من أن «التدخل العسكري الأميركي في غزة قد يؤدي إلى كارثة إنسانية وعسكرية».

تم نسخ الرابط