قانون حماية الودائع: يحمي المصارف أولاً ويُسقط الدعاوى القضائية
عندما تتعدّد اقتراحات القوانين ويكثُر المنظرّون وسط تجاهل تطبيق القوانين المرعية وعدم احترامها وغياب المحاسبة والمساءلة، تتحوّل الجرائم والحقوق إلى وجهات نظر. هذا واقع الحال في لبنان حيث تتعدّد وجهات النظر حيال جريمة "اختلاس الودائع المصرفية"، فثمة من يطرح اقتراحات قوانين على مقاس المصارف وأخرى داعمة لها على حساب المودعين، مع تجاهل تام للقوانين المرعية التي من شأن تطبيقها أن تحل أزمة المصارف والمودعين بشكل عادل.
آخر تلك الاقتراحات، اقتراح قانون (مرفق) تقدّم به رئيس لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط النائب فريد البستاني تحت عنوان "قانون حماية الودائع بالعملات الأجنبية العالقة في المصارف العاملة في لبنان وإعادة الإنتظام في عمل القطاعين المالي والمصرفي". الاقتراح المذكور لاقى انتقادات كثيرة من قانونيين خلُصت إلى أن الاقتراح أتى على قياس المصارف وتشوبه تشوهات كثيرة بالشكل والمضمون حتى أن البعض رأى بأن الاقتراح لزوم ما لا يلزم في ظل غياب المحاسبة والمساءلة حيال عدم تطبيق القوانين المرعية الإجراء.
جهل تشريعي
ترى الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك في حديثها لـ"المدن" بأن غالبية اقتراحات القوانين التي تطرح منذ بداية الأزمة ومنها اقتراح البستاني تفتقد الى التقنيات التشريعية بالشكل والمضمون، فبالشكل يطلقون عبارات دون معرفة البُعد التشريعي لها وبالمضمون ينسفون كل المنطومة التشريعية من دون تحديد مكامن التعديل بالقوانين الموجودة، وتجزم الكيك أننا في لبنان لا نحتاج اليوم أكثر من تطبيق القوانين الموجودة.
وتضيف الكيك: "لا أشكك بالنوايا ولكن هناك جهل قانوني، فحل الازمة المصرفية في لبنان لا يتم بالخطط ولا باستحداث قوانين إنما بالمحاسبة والمساءلة وبتطبيق القوانين المرعية الإجراء. والقواعد القانونية لها خصائص كالوضوح والإنضباط وللتشريع أدبيات لم يراعِ اقتراح القانون أي منها". وإذ تختصر الكيك القول بأنهم يشوهون التشريعات تقول "فليحترموا التشريع لما فيه من خصائص وأصول وتقنيات فهناك جهل كبير ومن المؤسف أن معظم اقتراحات القوانين تأتي على قياس المصارف". وتسأل: "هل يعلم من يقترح قوانين ما هي القوانين المرعية في لبنان؟ وما هي النواقص؟ وهل يعلم أن أزمتنا تكمن في عدم تطبيق القوانين وليس في نقص القوانين"؟
يلتقي المحامي المتخصص بالرقابة على المصارف المركزية باسكال ضاهر مع الكيك بأننا في لبنان لسنا بحاجة إلى اقرار اية قوانين جديدة ترمي الى تمويه الارتكابات الحاصلة بل الى تطبيق القوانين الموجودة في كتلة المشروعية فقط لا غير ومما يثبت ذلك يقينا ان المصارف استطاعت الاستفادة من القوانين الموجودة واستصدرت قراراً عن شورى الدولة قضى بحماية ودائعها لدى المركزي من دون أن يتعدى ذلك إلى حماية ودائع المودعين لدى المصارف وذلك بغض النظر عن عيوب القرار الصادر سواء في الشكل أو في الأساس. ويستذكر ضاهر في حديثه لـ"المدن" العلامة Cornelius Tacite بقوله الشهير Plus l'État est corrompu, plus il y a de lois (كلما كثر الفساد في الدولة، إزدادت القوانين).
عيوب بالشكل والمضمون
لم يراعِ اقتراح القانون المقدّم من البستاني قانون الموجبات والعقود ولا قانون النقد والتسليف ولا أي قوانين أخرى، وتشير الكيك إلى أن الاقتراح يدّعي حماية أموال المودعين إلا أن أموال المودعين محمية بموجب القانون المرعي الاجراء لكن المولجين بتطبيق القانون خالفوا ذلك فليتم تطبيق القوانين. وترى أن كل ما يصب في خانة عفى الله عما مضى يدفع باتجاه التشجيع على تكرار ما ارتُكب.
وتنتقد الاقتراح بالقول "ماذا يعني أن يشترط قانون على الحكومة تقديم خطة اقتصادية؟ إنها سلطة تنفيذية كيف يمكن لقانون أن يُلزم حكومة بوضع خطة؟ ماذا لو لم يكن لدينا حكومة؟ وماذا إن لم تضع الحكومة خطة؟ باختصار لا يمكن تكريس خطة بقانون لأنها غير قابلة للتطبيق".
وتتابع الكيك "كيف يقول نص قانوني أنه ما لم تلتزم المصارف بكذا وكذا يُطبق عليها القانون وهل نحتاج إلى نص قانوني كي نلتزم بتطبيق النص القانوني؟ ثم كيف يمكن لقانون أن يسقط الدعاوى القضائية؟
تفنيد المخالفات
من جهته يفنّد ضاهر عيوب اقتراح قانون البستاني وأسباب عدم استقامته ويقول "العنوان متناقض مع المضمون لانه يشرع التسديد البدلي لعلمة الحساب الدولاري للودائع وفق البند الثاني من الفقرة باء من المادة الأولى بمقابل أنه يلزم الحكومة بتسديد متوجباتها بعملة الحساب لصالح مصرف لبنان وبالتالي للمصارف. وهنا يقتضي الإشارة إلى ان هذا النص يشكل في خطورته تعديلاً لاحكام المواد 90 و91 من قانون النقد والتسليف وخلافاً للدستور اللبناني الذي يمنع عقد قرض إلا بقانون ما يؤكد أن هذا الاقتراح يسبغ المشروعية على عمليات منح المركزي الأموال للحكومة خلافاً لمندرجات النصوص الواضحة التي تحرم هذا الإجراء وبذلك فان هذا النص يعمل على وأد صوت القانون وتشريع المخالفات الحاصلة بهدف إراحة المصارف على حساب المودعين كما سيتبين لاحقاً.
من ناحية أخرى فان المادة 2 تعمل على عكس مفهوم المادة 113 نقد وتسليف وتشويه تطبيقها بشكل كلي لأن الخسائر التي تتحدث عنها هذه المادة 113 تتصل حصراً بالاعمال القانونية التي يقوم بها المركزي وليس الخسائر الناتجة عن المخالفات للنصوص القانونية والواضحة المعالم والتي ترتب مسؤولية شخصية، مما يفيد بأن هذا النص يسعى إلى إقفال باب المحاسبة القانونية ضمن إطار منع العقاب وحماية المرتكبين.
أيضاً المادة الثانية تلزم الحكومة بتسديد سندات الخزينة ضمن فترة سنة بمقابل أن المادة السادسة تمنح المصارف آلية للتنصل من التسديد المقترح لفترة 6 سنوات وبتجزئته وربطه بتقديم الحكومة خطة تعافي وان يقدم مصرف لبنان استراتيجيته وبعد تحقق تلك الإجراءات تبدأ مهلة الـ6 سنوات بالسريان. وبالتالي فان المفهوم العكسي، وهو المقصود، أن المصارف تصبح بحل من أي سداد في حال لم تتقدم الحكومة بالخطة التي تحتاج إلى اقرارها بقوانين وفي حال لم يقدم مصرف لبنان استراتيجيته المزعومة مع الإشارة إلى أنه من غير الممكن إلزام لا الحكومة ولا مصرف لبنان بمهلة.
إسقاط الدعاوى القضائية
الأخطر من كل ما سبق، أن هذا النص يهدف بشكل واضح الى حماية المصارف وإسباغ الحصانة عليها من خلال الفقرة الاخيرة من المادة الرابعة التي تقسم الى قسمين :القسم الأول تعليق جميع الدعاوى ضد المصارف، والقسم الثاني أسقاط جميع الدعاوى ضدها في حال التزمت المصارف بالالتزامات المحددة حصراً في المادة الرابعة اي الفقرات السابقة. وبالغوص بتلك الشروط نلاحظ انها خلت تماماً من تسديد الحقوق للمودعين بل فرضت عليها شروطاً وآلية سهلة التحقق وهي: أن تصرح المصارف للجنة الرقابة، وأن تبرز تقريراً مالياً، وإعادة تكوين سيولتها وعدم توزيع أرباح على المساهمين، وبعض الشروط الأخرى البديهية على المصارف وبمجرد إثباتها دفترياً تسقط الدعاوى القضائية نهائياً وتتحرر المصارف بالتالي من سلطة القضاء .
كما يعمل إقتراح القانون، بحسب ضاهر، على إعادة بيان جميع القروض التي سددت على سعر 1500 ويفرض على المستفيد ضرائب والمحصلة من ذلك يشكل دعماً للسيولة في خطة التعافي المرتقبة عن الحكومة أي أنه يشرع ويمهد لنقل الذمم وابتداع صندوق جديد. وبمقابل ذلك غفل القانون عن تعويض المودع عن عمليات المرابحة والمضاربة التي جرت بحقه وعن الهيركات غير القانوني الذي وقع على وديعته، أي أن الاقتراح يحقق مصالح المصارف ويتناسى مصالح المودع.
أيضا يعمل الاقتراح على تشريع المخالفات الحاصلة بموضوع المقاصة بالدولار التي تتم داخل مصرف لبنان وهذا أمر غير قانوني ومخالف لاحكام المادة 80 معطوفة على المادة 10 من قانون النقد والتسليف لأن الامتياز الممنوح للمركزي هو حصري بالليرة اللبنانية فقط ولا يتعدى ذلك إلى أي عملة أجنبية. ويؤكد ضاهر أن النص يسعى ويحاول تشريع المخالفات القانونية الجسيمة التي دأب على ممارستها المركزي منذ العام 1999.
الاقتراح قابل للتعديل
في مقابل آراء الخبراء يوجز مقدّم اقتراح القانون النائب البستاني في حديثه لـ"المدن" بأن المصارف هي العمود الفقري للاقتصاد، وفي حال قررنا اليوم ان نوازن بين حقوق الدولة والمصارف والمودعين يبقى المبدأ الأهم هو أن الوديعة حق للمودع ولا يمكن المساومة عليها.
وإذ يصر البستاني على أن تفسير الاقتراح وشرحه سيتم خلال مؤتمر صحافي مزمع عقده قريباً، يقول أن هناك عدة سيناريوهات لاسترداد الودائع، مقدّراً وجود آراء مخالفة "ولكن سيتم النقاش في المجلس النبابي والاستماع إلى الجميع في سبيل تبني أي طرح إيجابي او تعديل الاقتراح".
وعند سؤاله عن مدى حاجتنا إلى قوانين جديدة في ظل عدم تطبيق القوانين المرعية يبادرنا بالسؤال عينه "لماذا لم يطبقوا القوانين المرعية؟" ويقول "إن التنظير سهل لكن بالمقابل تقدمت الحكومة بعدة مشاريع قوانين ولم يتم إقرار أي منها لوجود ثغرات، من هنا اقترحت هذا القانون لمناقشته رغم احتمال وجود اعتراضات ربما تصب في تحسينه".
بالمحصلة يخلص الخبيران إلى أننا لسنا بحاجة إلى إقرار أية قوانين جديدة بل إلى تطبيق القوانين مرعية الإجراء وتفعيل المحاسبة والمساءلة، ما يضمن استرداد الحقوق وتحقيق العدالة.