الودائع نقطة خلافية مع صندوق النقد
جسور الثقة التي مدّها الخارج مع لبنان بعد الانتخابات الرئاسية وتكليف رئيس حكومة لتشكيل مجلس وزراء جديد، بدأت ترجمتها تظهر، ولو بشكل محدود على الأرض، من خلال الرسائل الخليجية والغربية الداعمة، والأجواء الإيجابية حول مستقبل لبنان. لكن الثقة يجب أن تغذّيها الضمانات الخارجية. من هنا، يبرز السؤال الأكبر، هل التوقيع على اتفاق برنامج اقتصادي مع صندوق النقد الدولي ما زال أمراً لا بدّ منه، أو يمكن أن يكتفي المجتمع الدولي والدائنون بخطة الحكومة للتعافي لـ"فتح حنفية" الدعم للبنان؟
في ظلّ التغييرات السياسية التي تحصل في لبنان منذ انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، بدأت تتفاوت الآراء حول ضرورة توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو عدمه، والاكتفاء بخطة التعافي الاقتصادي المتوقّع أن تقرّها الحكومة الجديدة والتي ستعتبر مصدر ثقة للخارج قبل الداخل.
مَن يرى أنه لن يتمّ توقيع اتفاق مع صندوق النقد في المرحلة المقبلة، يعزو السبب إلى رغبة الصندوق ضمن برنامجه في شطب الودائع بأكملها الأمر المرفوض وغير المقبول، ووضع الدين الخارجي ضمن الأولويات. ومن يؤيّد التوافق مع الصندوق، يعتبر أن التوقيع على برنامج مع الصندوق ممرّ ضروري لعودة لبنان إلى الأسواق العالمية.
وهكذا بدأت تتضارب الآراء حول إلزامية التوافق مع الصندوق أو عدمه على وقع الدعم الدولي السياسي الحالي للبنان الذي سيترجم لاحقاً في دعم إعادة الإعمار.
إن مدى سخاء الدول الداعمة للبنان في المرحلة المقبلة، لا يقوم كما حسمها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسّان حاصباني خلال حديثه إلى "نداء الوطن"، "على مدى رغبة الدولة اللبنانية بالتوافق مع صندوق النقد الدولي، إن توقيع اتفاق مع الصندوق هو مدخل أساسي للتعافي المالي إذا علّقت الدول المعنية بدعم لبنان أهمية على ذلك، ووضعته كما في السابق، شرطاً مسبقاً لدعمها لبنان. وشدّد على ضرورة "التفريق بين الاستحقاقات المقبلة وهي:
1- تمويل إعادة الإعمار الذي رُبط بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والقرارات الدولية وعودة الدولة إلى العمل الطبيعي.
2- الدعم المالي للتعافي الذي كان مرتبطاً ببرنامج صندوق النقد والإصلاحات، وهو يتضمّن الاستثمارات الخارجية والهبات والقروض.
بالنسبة إلى الاستثمارات الخارجية، والهبات والقروض، قد تختلف طبيعة الدعم من دولة إلى أخرى، لكن برنامجاً إصلاحياً يوافق عليه صندوق النقد بإمكانه أن يساهم في تعزيز فرص لبنان في الحصول على الدعم المالي المكوّن من مزيج الهبات والقروض والاستثمارات". إذاً لكلّ من هذه الطرق في الدعم متطلباتها.
متطلبات القروض
تتطلّب القروض القدرة على سدادها، خاصة أنه يترتّب على الدولة اللبنانية التزامات مثل الـ"يوروبوندز" وديون من مصادر متعددة تستحقّ عليها فوائد وخدمة دين يجب تسديدها".
هذه القدرة لدفع مترتّبات الدولة، تتطلب، وفقاً لحاصباني، "إصلاحات كبرى في القطاع العام لخفض الهدر والإنفاق وزيادة الواردات من خلال تحصيلها بشكل كامل من الجمارك والرسوم غير المحصلة كاملة، قبل استحداث ضرائب ورسوم جديدة قد تؤذي التعافي الاقتصادي المطلوب لإنعاش التعافي المالي".
...والهبات
وفي ما يتعلق بالهبات، فهي ترتبط بمدى الثقة التي تحظى بها الطبقة الحاكمة من قبل الدول المانحة، وعادة ما ترتكز على دعم الصحة، الأمور الاجتماعية، وإعادة الإعمار وترتبط إلى حدّ أقلّ ببرنامج يوافق عليه صندوق النقد، لأنها عادة تأتي بناء على قرار سياسي لدعم الدولة مباشرة وقد تكون مرتبطة بالأداء السياسي والإصلاحي للسلطة، ويمكنها أن تؤثر على نتائج الانتخابات إذا أتت، أو تمّ قطع وعد بها، قبيل استحقاق الانتخابات النيابية، لذلك يجب أن يتم التعامل معها من قبل الدول الداعمة بدقة وربطها بالأداء والشفافية".
الاستثمارات
تبقى الاستثمارات، وفي هذا الإطار يشير حاصباني إلى أنه "من الصعب أن تأتي إلى لبنان إلا بأحجام محدودة وفردية في غياب الفرص الاستثمارية الكبرى، والتي تتطلب إعادة هيكلة في تنظيم القطاعات التي تستقطب هذه الاستثمارات بمئات الملايين أو حتى المليارات. من هذه القطاعات: الاتصالات والطاقة والمرافئ والمطارات والبنى التحتية المنتجة تليها الصناعة والسياحة والقطاعات الأخرى. فلا بد أن يلحظ أي برنامج للتعافي هذه الإصلاحات البنيوية والتنظيمية التي تستقطب الاستثمارات، بغض النظر عمّا إذا كان بالاتفاق مع صندوق النقد أو من دونه".
التفاوض مع الصندوق
في الختام يرى حاصباني أنه "من الضروري وضع خطة متكاملة للتعافي تراعي أولويات اللبنانيين، يتمّ التفاوض عليها مع صندوق النقد للاستفادة من الزخم الدولي الحالي المواكب للعهد من دون ترتيب التزامات قاسية على لبنان، خصوصاً في ما يتعلّق بحقوق المودعين وتوزيع المسؤوليات والخسائر. مع العلم أن عدداً من صناديق الاستثمار الكاسرة (التي تشتري الديون المتعثّرة) أصبحت تمتلك المجموع الأكبر من سندات الـ"يوروبوندز" وتطمح في أن تُعطى الأولوية لها على المودع اللبناني، وهذا من الأمور التي يجب أن نتنبّه إليها في المفاوضات مع صندوق النقد".