اتفاق وقف النار بين "حماس" وإسرائيل: هل يطوي صفحة غيّرت وجه الشرق الأوسط؟
على أعتاب عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يوم الأثنين المقبل، أُعلن مساء اليوم عن التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة والإفراج المتبادل عن أسرى، في خطوة لم يفوّت ترامب فرصة إعلانها بنفسه، بعدما كان توعّد بـ"جحيم" في حال لم تُنجز قبل تسلّمه مهماته رسمياً.
وأكد مسؤول أميركي أن إسرائيل و"حماس" توصلتا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح عدد من الرهائن في غزة، في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس جو بايدن.
وقال ترامب عبر منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال": "لدينا اتفاق بشأن الرهائن في الشرق الأوسط وسيطلق سراحهم قريباً"، معتبراً أن "سياسة السلام عبر القوة أثبتت نجاعتها"، وأن اتفاق غزة "بداية لأمور عظيمة آتية"، مضيفاً: "حققنا الكثير قبل أن نصل إلى البيت الأبيض".
وقبل ذلك أكد مصدر لوكالة "فرانس برس" أن "حماس والجهاد الإسلامي أبلغتا الوسطاء بالموافقة على المسودة النهائية لاتفاق وقف النار وصفقة تبادل الأسرى"، بينما قال مصدر آخر إن "حماس سلمت إسرائيل عبر الوسطاء الرد الإيجابي... بعد الاتفاق بشأن كافة النقاط والتفاصيل".
وفي الأيام الأخيرة أحرزت المفاوضات تقدّماً ملحوظاً وغير مسبوق على وقع ضغوط أميركية للوصول إلى نتيجة فعلية. وبحسب القناة 12 الإسرائيلية، "من المتوقع أن يلتئم الكابينت الإسرائيلي صباح الخميس ومن ثم تجتمع الحكومة"، بعدما قدّمت "حماس" رداً إيجابياً مرتبطاً بالصفقة.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إبلاغه أن صفقة تبادل الأسرى "أنجزت"، فيما أفاد مسؤول إسرائيلي موقع "أكسيوس" الأميركي بأنّ "محمد السنوار أعطى موافقة على الصفقة في غزة"، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر مطّلع تأكيده أنّ "حماس قدمت ردّاً إيجابيّاً على إبرام الصفقة".
ثمّة الكثير من الأسئلة تطرح بشأن الاتفاق، لا سيما التوقيت والمتغيّرات التي فرضت نفسها على مسار الصفقة. وفي هذا السياق، يتحدث الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة عن التقاء ثلاثة عوامل في هذا الوقت؛ الإرادة الأميركية وضغط ترامب على نتنياهو، الإرادة السياسية الإسرائيلية في إنهاء الحرب، وإرادة المجتمع الإسرائيلي بالتوجه نحو الصفقة والإفراج عن الأسرى.
تفاصيل الصفقة
من جهتها، كشفت القناة 12 الإسرائيلية أنّه "إذا تم الإعلان عن الاتفاق بشأن غزة غداً (الخميس)، فإن عملية التبادل ستبدأ الأحد"، وشرحت تفاصيل عن هذه الصفقة، فكشفت أنّ الاتفاق ينصّ على الإفراج عن 3 مختطفين في اليوم الأول و4 في اليوم السابع و13 في اليوم الـ14، أمّا في اليوم الـ28، فسيُطلق سراح 3 مختطفين و3 في اليوم الـ35 والباقون في الأسبوع الأخير.
في المقابل، سيطلق سراح نحو 1000 معتقل فلسطيني في المرحلة الأولى من الصفقة، لكن لن يطلق سراح أسرى النخبة من "حماس" خلال هذه المرحلة، حسب القناة 12، وستتضمن هذه المرحلة زيادة المساعدات الإنسانية إلى 600 شاحنة يومياً، بالإضافة إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور نيتساريم، وانسحاب معظم قوات الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا وبقاء قوة صغيرة، واعتباراً من اليوم الـ22 من بدء تنفيذ الاتفاق سيتمكن سكان غزة من العودة إلى شمال القطاع.
وخلال تقييمه للمعلومات الأولية التي رشحت عن الاتفاق، يرى هلسة في حديثه لـ"النهار" أن الاتفاق "لن يعوّض" الفاتورة الكبيرة التي دفعها الفلسطينيون على صعيد الخسائر البشرية والبنى التحتية، لكن ومن منظور سياسي، فإن إسرائيل اضطرت للتعامل مع "حماس" ولم تستطع فرض شروطها لجهة تغييب الحركة عن مشهدية الحكم في غزّة ولم تقضِ عليها.
شكوك بشأن إنهاء الحرب
"وقف النار لا يعني انتهاء الحرب"، هذه كانت كلمات نتنياهو حينما وقّع اتفاقاً مع لبنان، وبالتالي ثمّة شكوك مرتبطة بوقف العمليات الأمنية والعسكرية في غزة وأخرى متعلقة بالانسحاب الإسرائيلي من القطاع، وبرأي هلسة، فإن إسرائيل "لن تحتل" غزّة لكنها قد تستنسخ سيناريو الضفة الغربية في القطاع، فتستمر بعملياتها الأمنية ضد "حماس"، وبقاء الأخيرة سيكون ذريعة إسرائيل للتحرّك.
لكن هلسة يستبعد عودة الحرب بعد انتهاء مراحل الاتفاق، كون ترامب الذي فرض وقفها سيفرض عدم عودتها، وسيمنح إسرائيل بعض "التعويضات كامتيازات في الضفة الغربية وأخرى مرتبطة ببرنامج إيران النووي"، وكون المجتمع الإسرائيلي رافضاً للعودة إلى الحرب ومن المرتقب أن يفتح ملفات المساءلة والتحقيقات المرتبطة بما حدث في السابع من أكتوبر وما تبعه من تأخير وقف النار.
في المحصلة، ستتجه الأنظار نحو اليوم الثاني في غزّة لجهة وقف العمليات العسكرية وآليات الحكم ودور "حماس" والسلطة الفلسطينية، وهي ملفات شائكة تم إرجاء البحث فيها، لكن إنهاء الحرب وحده سيكون بمثابة طي صفحة غيّرت الشرق الأوسط وفتح صفحة جديدة ستحمل في طياتها الكثير من المتغيّرات.