اخبار لبنان اخبار صيدا اعلانات منوعات عربي ودولي صور وفيديو
آخر الأخبار

اشكاليات الحدود معبر الرسائل السياسية بين لبنان وسوريا

صيدا اون لاين

شكّلت الحدود المشتركة عبر تاريخ العلاقة بين لبنان وسوريا، أفضل وسيلة لتمرير الرسائل السياسية بين البلدين. غير أن وجهة هذه الرسائل كانت غالباً من سوريا الى لبنان. فالمعابر البرية الوحيدة للشقيق الأصغر هي بإتجاه سوريا، فيما متنفس لبنان بإتجاه الجوار الصديق حكم بتطورات العلاقة السياسية والأمنية بينهما. خصوصاً أن سوريا قادرة إما على تشريع أبواب لبنان الى المحيط العربي، أو إقفالها. وهذا امتياز لم يمتلكه لبنان في العلاقة معها. حتى عندما حاول التصدي للنزوح السوري الجديد بظل سقوط نظام الأسد، ووجه بدفق من البشر الذين تجمعوا في الساحات الحدودية ليكسروا قرارات سلطاته الأمنية. فأغرق الجار الصغير بظل الأزمات التي عاشتها سوريا طيلة ثلاثة عشر عاماً، في وحول أزمات ضاغطة، لا تزال ترخي بثقلها سواء على المستوى الاجتماعي والإقتصادي، أو على المستويات الأمنية والسياسية.

الاتصال وبداية التنسيق
إنطلاقاً من هذه العلاقة، فتحت الإشكالات الحدودية والأحداث الأولى التي شهدتها المعابر الشرعية وغير الشرعية بين لبنان وسوريا في الأيام الماضية، طاقة للتنسيق "السياسي" بين البلدين. وقد ترجمت أولى بوادر هذا التنسيق المرتقب، من خلال إتصال أول لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع قائد الإدارة الحالية في سوريا أحمد الشرع، إنتهى الى توجيه الأخير دعوة لميقاتي لزيارة سوريا من أجل البحث في العلاقات الثنائية.
فعلى رغم السبب المعلن عن توجه الإدارة الجديدة لمعاملة لبنان بالمثل فيما يتعلق بالإجراءات الحدودية، ذكرت معلومات حدودية أن الرسالة التي وجهتها الإدارة السورية الجديدة الى لبنان من خلال إجراءاتها المستحدثة، كانت تعبر عن امتعاض سياسي من "البرودة" التي أظهرتها السلطة السياسية اللبنانية في فتح باب الحوار مع الإدارة الجديدة، وتجنبها نقل النقاش الذي أطلق بمبادرات فردية حول إجراءات التنسيق الحدودي، الى مستوى سياسي. هذا في وقت يرخي ملف الحدود بأولويته على ملفات أخرى، ويشكل ضبط حدود لبنان الشمالية والشرقية، كما الحدود الجنوبية، عاملاً أساسياً من عوامل وقف العدوان الإسرائيلي، وتثبيت وقف العمليات العدائية تجاهه، وخصوصاً بما يتضمنه من شروط تطبيق القرارات الدولية ومن ضمنها القرارين 1559 و1680.

ملف محمّل بالتعقيدات
غير أن ملف الحدود بين لبنان وسوريا محمّل بتعقيدات ربما تتغلب على النوايا الحسنة التي برزت في الإتصال بين ميقاتي والشرع، والتي ترجمها الأخير بتدخل فوري لوقف المواجهات القتالية لمجموعات مسلحة مع الجيش اللبناني في منطقة سرغايا. وهو محكوم بواقع جغرافي وديمغرافي وإجتماعي، أخضع المعابر، وخصوصاً غير الشرعية، لأمر واقع، ورّط لبنان فيما تورط به من حروب وأزمات.

تغيّر توصيف المجموعات القتالية التي واجهت نظام الأسد لسنوات طويلة، مع تبدل موازين القوة في البلدين. وصارت هذه المجموعات، وأبرزها هيئة تحرير الشام، هي السلطة الفعلية التي على لبنان التعاون معها. وتحاول هذه السلطة بسط شرعيتها على مساحة بلادها، المتضمنة الأراضي المتداخلة في أقسى شمال البقاع، ومن بينها قرى العاصي ال 33 المتداخلة بين الأراضي اللبنانية والسورية.

غير أن تبدل وجه الشرعية في سوريا، زاد التعقيدات الأمنية في هذه المنطقة. خصوصاً أنه أنهى حالة الهيمنة التي فرضها حزب الله عليها. فانكفأ الحزب بحسب المعلومات الى داخل الأراضي اللبنانية، في محاولة لتجنيب بيئته العمليات الإنتقامية، مسلماً الأمر الى الجيش اللبناني، كما للمبادرات التي تقوم بها العشائر ووجهائها، سعياً للوصول الى قواسم مشتركة يمكن أن ترخي بتسوية معينة أو نوع من المصالحة بين أبناء القرى المتجاورة، بصرف النظر عن إنتماءاتهم المذهبية.

غير أن إنتهاء سكرة التفوق الحدودي التي عاشها حزب الله طيلة السنوات ال 13 ماضية، أتى محملاً بتداعيات تدخلاته العسكرية المباشرة في الحرب الذي خاضها نظام الأسد مع شعبه. وهذا ما حمّله تبعات العمليات الإنتقامية، التي ظهرت في هذه المناطق الحدودية معاملة بالمثل في مصادرة أراض وممتلكات للبنانيين. فباتت الممتلكات التي خلّفها لبنانيو هذه القرى المتداخلة على عجل في 8 كانون الأول الماضي، عرضة لإستغلال عصابات سورية تستفيد من حالة الفوضى الطبيعية المرافقة لمرحلة انتقال السلطة في سوريا، لتسارع في فرض أمر واقع جديد عليها.

الإشتباكات التي وقعت مع الجيش اللبناني في منطقة سرغايا-معربون، قبل يومين، تشكل وجهاً من أوجه هذه المحاولات لفرض أمر واقع جديد في القرى الحدودية المتلاصقة. وقد وضعت في إطار تأمين إنتقال سلس لسطوة حدودية غير شرعية من طرف الى آخر.

مرحلة ما بعد حزب الله
هذا في وقت كانت سرغايا قد إكتسبت رمزيتها طيلة الفترة التي سبقت سقوط النظام. ووفقاً لمعلومات وثقتها الأوساط المعارضة، فقد سيطرت مجموعات عسكرية تابعة لـ"حزب الله" على مزارعها، ولا سيما تلك القائمة في منطقة "الخرابات"، القريبة من الحدود، متحكمة لسنوات طويلة بالشريان الذي يربطها بالمزارع والبساتين، عبر فرض التصاريح السابقة والخوات.

علماً أن الأطماع كبيرة بهذه المنطقة التي إضافة الى كونها منفذ تهريب أساسي، تنعم بخيرات طبيعية كبيرة حققت لأهلها وفراً جعل رجال النظام، يبتزون أهلها خلال فترة الأحداث ويفرضون عليهم خوات ويقاسمونهم مغانم الحقول والبساتين.

وذكرت معلومات أيضاً أن جيش الهجانة شجع التجارة غير الشرعية عبر هذه الحدود، مستعينا بالسطوة الأمنية التامة لحزب الله وبيئته في تحقيق مصالحه التي تغلبت دائما على مصالح لبنان، سواء الاقتصادية أو الأمنية، وصولا حتى الى دفع بعض الضباط الرشوة لرؤسائهم كي يتم نقلهم للخدمة في هذه المنطقة.

إنطلاقا من هنا، يبدو حضور السلطة الشرعية اللبنانية ممثلة بالجيش مزعجاً لمن يحاولون فرض الأمر الواقع الجديد. لا سيما بعد ما أبداه الجيش من إصرار على رفع السواتر الترابية على المعابر الترابية الفاصلة بين حدود البلدين. قبل أن يلاقيه الشرع بتدخل مباشر لوقف المواجهة المسلحة مع السلطة الشرعية اللبنانية. وهذا ما شكل تدبيراً طبيعياً لتدارك الإنزلاق الى موبقات النظام السابق.

إلا أن هذا لا ينفي أن القرى البقاعية المتاخمة للحدود مع سوريا، تعيش حالياً في حالة غليان وضياع. وخصوصاً في ظل الفوضى التي لم يتسن للإدارة السياسية الحالية في سوريا ضبطها بعد. بينما لا تبدو الحلول المستدامة في هذه المنطقة، منفصلة عن النقاش الطويل الذي شهدته هذه المناطق المتداخلة حول مسألة إبراز الملكيات وتحديدها، وبالتالي ترسيم الحدود البرية بين البلدين.

وبحسب أوساط معنية في المنطقة، فإنه على رغم تقدم الأهداف السياسية لهذا الترسيم، فإن السلم الأهلي على طرفي الحدود، يوازيها أهمية، وهو لا يبدأ إلا برسم خطوط تعاط رسمي واضحة وشفافة بين البلدين، كمنطلق لإحياء نقاشات علمية تحفظ لكل صاحب حقه، بشرط خضوع هؤلاء لقرارات السلطة الشرعية في كلا البلدين. وهذه ربما تشكل الفاتحة التي ينتظرها أبناء المنطقة المحايدين، لتجسيد رسالة حسن الجوار الملتمسة، سواء على المستوى السياسي أو حتى الاجتماعي.

تم نسخ الرابط