تكلفة بناء المنازل: 120 متراً تساوي راتب 7 سنوات
خلال 66 يوماً، هزت الغارات الإسرائيلية مئات القرى اللبنانية، مستهدفة البنى التحتية، وتحديداً المنازل والمساكن، والأبنية التي تهاوت في دقائق معدودة.
حجم الدمار، ورغم غياب الإحصاءات الدقيقة، طال أكثر من 200 ألف وحدة سكنية، فيما يقدر على سبيل المثال، مختبر المدن - بيروت التابع للجامعة الأميركية أن ما يقارب 99 ألف وحدة سكنية في الضاحية الجنوبية قد تم استهدافها وتضررها إما كلياً أو جزئياً.
هذه الأرقام والإحصاءات تطرح علامات استفهام عديدة، حول غياب أو تغطية لإعادة الإعمار حتى اللحظة، فيما التكلفة الأولية لإعادة إصلاح، تجديد، أو حتى إعمار منزل لإيواء عائلة تبدو باهظة جداً بالمقارنة مع قدرة اللبنانيين المعيشية. فكم تبلغ تكلفة بناء منزل بالحد الأدنى من المساحة والمواصفات؟
كارثة حقيقية
في منطقة الضاحية الجنوبية، تقف مجموعة من النساء أمام مبنى آيل للسقوط في حارة حريك. تعرّض المبنى وفق إحدى السيدات لصدمات مباشرة نتيجة استهداف الحي الذي تسكن فيه. تقول لـ"المدن": المبنى غير آمن للسكن، وقد نحتاج إلى هدمه وإعادة تشيده من جديد.
تظهر علامات الخوف لدى النساء، حول مستقبل مجهول ينتظر عائلاتهن. تسأل إحداهن عن كيفية تأمين مسكن بديل، والوقت المستغرق لإعادة الإعمار، والتكاليف المادية لإعادة إعمار الوحدة السكنية.
بحسب الدراسات الأولية، قد تتكبد العائلات مبالغ تبدأ من 30 ألف دولار -في حال لم يكن هناك أي جهة تساعد في إعادة الإعمار- لاستعادة مسكنها. تقول المهندسة نور غصن لـ"المدن": تسببت الحرب بكارثة كبيرة، وهو ما له تأثير مباشر على أسعار البناء، وعمليات الإعمار. وتضيف غصن: من أجل بناء منزل بمساحة 120 متراً مربع في القرى اللبنانية، وبمواصفات عادية جداً، فإن الأسعار تبدأ من 30 إلى 36 ألف دولار، على اعتبار أن سعر المتر، يتراوح بين 250 إلى 300 دولار. وبحسب غصن، فإن السعر يتضمن سعر البناء فقط، من دون احتساب ما يتطلبه المنزل من أدوات أساسية وأثاث حتى يصبح صالحاً للعيش.
أما بالنسبة لتكلفة بناء شقة داخل مبنى سكني، تقول غصن "أن سعر البناء يختلف، على اعتبار أن التكلفة قد تكون أقل قليلاً مقارنة مع بناء منزل مستقبل، بسبب تقاسم التكاليف مع الشقق الأخرى، حيث يتراوح سعر المتر المربع بين 150 إلى 200 دولار أميركي مما يجعل التكلفة الإجمالية تتراوح بين 18000 إلى 24000 دولار. بالمجمل، فإن تكاليف إعادة بناء منزل بمساحة 120 متراً مربعاً، سواء أكان مستقلاً أو داخل مبنى سكني، يتطلب ما لا يقل عن 40 إلى 50 ألف دولار مع احتساب التجهيزات الأساسية وتركيب الألومنيوم، والزجاج، بالإضافة إلى تركيب الأدوات الصحية، ومرافق المياه وغيرها من الأساسيات.
معادلة مختلفة
ووفق غصن، فإن هذه التكلفة ليست نهائية، بل تتأثر التكلفة بعوامل متعددة مثل الموقع، نوع المواد المستخدمة، ومستوى التشطيب المطلوب. على سبيل المثال، المواد المستوردة قد تكون أكثر تكلفة بسبب ارتفاع أسعار الشحن والضرائب، بينما يمكن أن تكون المواد المحلية أقل تكلفة. كما تلعب اليد العاملة دوراً في رفع الأسعار، إذ ارتفعت أجور العمالة بشكل ملحوظ بسبب ارتفاع الطلب، ولم يعد العامل يرضى بأقل من 50 دولاراً في اليوم الواحد.
وفق هذه الأرقام، يحتاج الموظف اللبناني الذي يتقاضى 400 دولار، وهو معدل الأجور المعمول به في لبنان راهناً، إلى نحو 90 شهراً، أي نحو 7 سنوات ونصف تقريباً، حتى يتمكن من إعادة إعمار منزل بمساحة 120 متراً مربعاً بتكلفة تصل إلى 36 ألف دولار، من دون احتساب التكاليف الإضافية ليصبح المنزل صالحاً للسكن.
ماذا عن أسعار مواد البناء؟
قفزت أسعار مواد البناء بشكل كبير منذ إعلان وقف إطلاق النار، ففي منطقة زبدين -النبطية، يقول علي عياش أحد تجار مواد البناء، بأن سعر تسليم البضائع بالجملة ارتفع مقارنة مع أشهر الصيف بنحو الضعف تقريباً. بحسب عياش "لم يكن سعر برميل الدهان يتخطى 18 دولاراً، فيما وصل السعر اليوم إلى 24 دولاراً، ووصل سعر الكيلوغرام من المعجونة نوعية ممتازة إلى نحو 20 دولاراً. أضف إلى ذلك، وبحسب عياش، فهناك أيضاً تأخير في تسليم البضائع بسبب ارتفاع الطلب، وهو ما يزيد من ارتفاع الأسعار.
لا تقف مأساة الدمار في لبنان على الأبنية وحسب، إذ تتكبد المئات من العائلات في مناطق جنوب لبنان، أموالاً طائلة، من أجل القيام ببعض الإصلاحات الضرورية كإعادة مدّ شبكة للمياه، أو مدّ ألواح للطاقة الشمسية.
تقول بتول غلموش من منطقة رومين الجنوبية، بأنها أنفقت ما لا يقل عن 3000 دولار تقريباً منذ أسبوع، حتى تمكنت من العودة إلى منزلها. بحسب غملوش، فقد تضررت الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى شبكة المياه والكهرباء، ناهيك عن بعض التصليحات في الأبواب الأمامية للمنزل.
لا شك أن للحرب تأثيرات تتخطى هدم المنازل والأبنية السكنية، فقد تأثرت شريحة كبيرة من اللبنانيين بشكل غير مباشر، وهي اليوم تسدّد فاتورة باهظة جداً خصوصاً بالنسبة للذين لا يتقاضون أكثر من الحد الأدنى للأجور.