بعد 38 عاماً... عاد من سجن صيدنايا فاقداً للذاكرة
في لحظة غير عادية، شهدت الحدود الأردنية فجر اليوم الثلاثاء عودةً غير متوقعة لمواطن أردني يدعى أسامة البطاينة، الذي اختفى عن الأنظار منذ 38 عامًا. البطاينة، الذي كان يبلغ من العمر 18 عامًا حين غادر الأردن في عام 1986 بحثًا عن تعليم جامعي في سوريا، عاد اليوم فاقدًا للذاكرة بعد سنوات طويلة قضاها في المعتقلات السورية، وتحديدًا في سجن صيدنايا سيئ السمعة، الذي يُعد واحدًا من أكثر السجون رعبًا في العالم.
رحلة أسامة البطاينة من المجهول إلى الحقيقة ليست فريدة من نوعها، بل تمثل حالة من آلاف الحالات التي لا تزال تتوالى من داخل سجون النظام السوري.
فقد غادر أسامة الأردن في عام 1986، لكن أخبارَه انقطعت فجأة بعد وصوله إلى سوريا، حيث بدأ رحلة من المجهول في أقبية التعذيب والاعتقال، لتظل عائلته تجهل مصيره طوال هذه السنوات. وقد تابعت السفارة الأردنية في دمشق قضيته منذ اختفائه، ولكن السلطات السورية كانت تُنكر طوال العقود الماضية وجوده في أي من المعتقلات السورية.
وفي مفاجأة كبرى، تم العثور على أسامة البطاينة فاقدًا للوعي والذاكرة في دمشق، ليتم نقله إلى مركز حدود جابر في الأردن. وقد انتظر أفراد عائلته وأبناء عشيرته من محافظة إربد شمال الأردن على أحر من الجمر، ليقوموا باستقباله في مشهد مؤثر مليء بالمشاعر المتناقضة بين الفرح والحزن.
ومع غياب الذاكرة، كان أسامة يكاد لا يتذكر من هو أو من أين جاء. وعندما سُئل عن موطنه، أجاب بصوت ضعيف: "إربد". هذا الجواب البسيط كان كافيًا لرفع الشكوك التي تراود أفراد العائلة، ليتأكدوا من هوية ابنهم المفقود.
أسامة البطاينة ليس الحالة الوحيدة التي تعرضت للاختفاء القسري في سوريا، حيث يظل سجن صيدنايا أحد أكبر الرموز للفظائع التي ارتكبها النظام السوري في حق المعتقلين السياسيين والمعارضين. يقال إن سجن صيدنايا، الذي يمتد على مساحة شاسعة شمال دمشق، يضم الآلاف من المعتقلين الذين اختفوا في أقبية النظام السوري، الكثير منهم لم يتمكن من الخروج بعد سنوات من التعذيب والقمع.
تُفيد التقارير أن العديد من المعتقلين، بمن فيهم بعض الأجانب مثل أسامة، كانوا يحتجزون في ظروف قاسية، حيث يُمارس ضدهم أساليب تعذيب فظيعة بهدف إجبارهم على الاعتراف بتهم غير حقيقية أو لإسكات معارضي النظام. ويعتقد أن بعض هؤلاء المعتقلين لم يتمكنوا من الخروج بعد أن دمرت الهياكل الأمنية في سوريا خلال الأشهر الأخيرة من حكم الأسد، الأمر الذي أدى إلى اختفاء أثر العديد منهم إلى الأبد.
منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011، كان اعتقال الأفراد دون محاكمة، والإخفاء القسري، والتعذيب، جزءًا من السياسة القمعية التي اعتمدها النظام السوري. وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن أكثر من 157 ألف شخص قد تم اعتقالهم أو اختفوا قسرًا منذ بداية النزاع، بمن فيهم أطفال ونساء وكبار السن.
وقد عبّر السفير سفيان القضاة، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية، عن ارتياحه لاستعادة أسامة، مشيرًا إلى الجهود التي بذلتها السفارة الأردنية في دمشق خلال السنوات الماضية في محاولة للكشف عن مصير المفقودين. وأكد أن السلطات السورية كانت تنكر وجوده طوال هذه الفترة، ما يعكس حجم المعاناة التي مر بها أسامة والعديد من المعتقلين الآخرين.
وقال القضاة: "نحن سعيدون بعودة أسامة البطاينة، ولكنه يمثل للأسف جزءًا من قصة معاناة أكبر لأسر المفقودين في سوريا، والذين لا يزال الكثير منهم يجهلون مصير أبنائهم". وأشار إلى أن القضية لا تتعلق فقط بأسامة، بل بحقيقة أن المئات من المواطنين الأردنيين لا يزالون في عداد المفقودين في سوريا، بينما تستمر عائلاتهم في البحث عن أي أثر لهم.
رغم عودة أسامة البطاينة إلى وطنه، إلا أن قصته تفتح الباب على مصراعيه لتسليط الضوء على معاناة آلاف الأسر التي فقدت أحبائها داخل السجون السورية. ولعل ما يُثير القلق هو أن العديد من هؤلاء المفقودين لا يزالون رهن الاعتقال في ظروف غير إنسانية، وسط صمت دولي مستمر.