الهدنة تهتز ولا تسقط... ميقاتي: لمنع الخروقات الأمنية وانسحاب العدو
بدا اتفاق وقف النار مهدداً للمرة الأولى جدياً بالانهيار في الساعات الأخيرة، الأمر الذي دفع لبنان الرسمي إلى الاندفاع في حملة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة إستباقاً لنشر الجيش على كامل الخط الحدودي جنوباً، فشرع في إطلاق حملة ضغوط ومطالب كثيفة لا سيما من الدولتين الراعيتين للاتفاق، الولايات المتحدة وفرنسا، لحمل إسرائيل على التزام تعهداتها من الاتفاق.
والتقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للمرة الأولى الرئيس المشارك لآلية تنفيذ ومراقبة وقف الأعمال العدائية الجنرال جاسبر جيفرز في حضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون. وأكد رئيس الحكومة "ضرورة الالتزام الكامل بوقف اطلاق النار ومنع الخروقات الأمنية وانسحاب العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة".
وكتبت" النهار": اكدت مصادر معنية بالاتصالات التي يجريها الجانب اللبناني الرسمي أن الخشية من انهيار وقف النار بلغت اصداؤها الدول المعنية خصوصاً وأن تبادل العمليات الحربية تجدّد للمرة الأولى بعد وقف النار عندما قصف "حزب الله" مساء أمس مواقع إسرائيلية في تلال كفرشوبا وردّت إسرائيل بغارات جديدة. وقد صعدت فرنسا ضغوطها واتصالاتها لا سيما مع إسرائيل للجم أي تفلت تصعيدي من شأنه أن يدفع الهدنة الهشة إلى الانهيار، علماً أن هذه الاتصالات كانت أفضت قبل تدهور الوضع مساءً إلى انطباعات تستبعد اشتعال الحرب مجدداً ولو أن إسرائيل تذهب بعيداً في "قراءتها" الخاصة لاتفاق وقف النار لجهة توظيف المرحلة الانتقالية في مزيد من المطاردات لـ"حزب الله".
وتوقعت المصادر استناداً إلى ما تبلغه كل من رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي ومجلس النواب نبيه بري من قائد الجيش العماد جوزف عون كما من الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز أن تبدأ لجنة مراقبة اتفاق وقف النار عملها في الساعات المقبلة إيذاناً بتنفيذ بند أساسي لبسط الرقابة على الإجراءات الآيلة إلى إعادة تثبيت وقف النار، كما أن الجيش سيكمل استعداداته لنشر ستة الاف جندي دفعة واحدة على امتداد الحدود بين لبنان وإسرائيل.
المناخ الضاغط لمنع انهيار وقف النار برز مع إبلاغ وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر بضرورة التزام كل الأطراف اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وفق ما أعلنت أمس وزارة الخارجية الفرنسية. وأوضحت أن بارو أكد لساعر في اتصال هاتفي "الحاجة ليحترم كل الأطراف اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان".
ولكن واشنطن قللت خطورة الانتهاكات إذ اعتبر البيت الابيض أن آلية مراقبة وقف النار في لبنان تؤدي مهماتها رغم وجود ضربات.
وكتبت" الاخبار": قبل اكتمال عقد لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية وتفعيل آلية الرقابة في الجنوب، نفّذ حزب الله «رداً دفاعياً أولياً تحذيرياً على الخروقات المتكررة التي يُبادر إليها العدو الإسرائيلي»، بعد إخفاق المراجعات للجهات المعنية في وقف هذه الخروقات، كما أعلن الحزب في بيان أمس.
وفي وقت تحاول فيه تل أبيب فرض معادلتها التي اختصرها وزير المال في حكومة العدو بتسلئيل سموتريش بعبارة «لن ننتظر أي آلية وسنواصل العمل لإحباط أي تهديد أو محاولة من حزب الله لاستعادة قدراته»، جاء ردّ المقاومة لتأكيد أنها قادرة على فرض معادلاتها ولن تقِف مكتوفة اليدين أمام الخروقات ولن تسمح للعدو الإسرائيلي برسم أي خطوط حمر جنوباً والاحتفاظ بهامش مناورة هجومي بناءً على اتفاق جانبي مع واشنطن. ووصفت المقاومة الرد بأنه «أولي وتحذيري» لتأكيد أنها أعطت ولا تزال الفرصة للجيش اللبناني ولجنة الإشراف للقيام بالدور المطلوب منهما بتنظيم الوضع في الجنوب وفقَ ما نصّ عليه الاتفاق. ولكن، بما أن إسرائيل تريد استغلال مهلة الـ 60 يوماً لتكريس معادلات أمر واقع وإعاقة خطة انتشار الجيش، فإنها على استعداد للتدخل مجدداً وفق ما نصّ عليه القرار بحق الطرفين في الدفاع عن النفس في حال التعرّض لاعتداء.
وقالت مصادر بارزة إن «هدف العملية هو لجم الجيش الإسرائيلي عن مواصلة خروقاته، لذلك نفّذتها المقاومة في مزارع شبعا». واعتبرت المصادر أن ««حزب الله أراد إيصال رسالة إلى الوسطاء المعنيين، الأميركيين والفرنسيين، بضرورة تعجيل تفعيل عمل لجنة الرقابة والبدء بتنفيذ الآلية جنوباً تفادياً لسقوط الهدنة، ولعدم تفسير صمت الحزب في غير إطاره الصحيح أو باعتباره عجزاً وضعفاً».
وعقب العملية، عاش الجنوب «بروفا» استئناف العدوان الإسرائيلي. وبخلاف الأيام الماضية، تصاعدت الانتهاكات الإسرائيلية جواً بغارات متنقلة من الطيران والمُسيّرات من الجنوب وصولاً إلى الهرمل. وبلغت ذروتها ليلاً بعد إعلان جيش العدو البدء بـ«تنفيذ هجمات ضد أهداف»، وشنّ سلسلة غارات.
وكانت الخروقات الإسرائيلية عزّزت مخاوف جهات داخلية وخارجية من سقوط «الهدنة» ما استدعى في اليومين الماضييْن اتصالات مكثّفة تولاها الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون مع الفرنسيين والأميركيين واليونيفل. وكانَ هذا الموضوع محور لقاء بري وعون في عين التينة أمس، إذ «شرح عون الواقع في الجنوب وصعوبة البدء بتنفيذ خطة الانتشار بسبب الخروقات الإسرائيلية، خصوصاً أن العدو لم يعط فرصة لتراجع حزب الله إلى شمال الليطاني ولا يسمح في الوقت نفسه للجيش بالقيام بدوره». وبحسب مصادر مطّلعة «أطلع عون بري على التعديلات التي طاولت خطة انتشار الجيش وأسباب عدم الإفصاح عنها أمام الوزراء كي لا يجري تسريبها»، كما تناول «الاجتماع الذي عُقِد بينه وبين الممثل الأميركي في اللجنة الجنرال جاسبر جيفرز وتعهد الأخير بالتواصل مع الإسرائيليين لمعالجة الخروقات»، وطلب عون «تكثيف الاتصالات مع الجهات الفاعلة لضبط الوضع». وتواصل «عون مع الأميركيين ومع السفير الفرنسي في بيروت وحمّله رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يؤكد فيها أن إسرائيل تسعى إلى تفجير الوضع مشدداً على ضرورة الضغط عليها كي يبدأ الجيش بممارسة دوره». فيما استغربت مصادر مطّلعة «عدم وصول العضو الفرنسي في اللجنة حتى الآن»، علماً أن معلومات تحدثت عن وصوله إلى بيروت غداً.
واكد مصدر أمني لـ»نداء الوطن» أن الوضع في الجنوب «ضبابي جداً وخطير، وكل شيء يحصل يدعو إلى القلق. ولا يملك أحد جواباً ما إذا كانت ستُجدد الحرب».
ولفت المصدر إلى «حركة النزوح الكثيفة الحاصلة جنوباً والتي لم تقتصر على منطقة جنوب الليطاني ما يذكّر بالأيام الأولى لاشتعال الجبهة، وهذه الحركة شملت معظم مناطق الجنوب، فالجنوبيون متخوفون جداً من اشتداد المعارك».
وأوضحت المصادر «أن ما يحصل يعطل خطط انتشار الجيش، حيث لم يفسح له المجال بعد لتطبيق الاتفاق، وبالتالي الوضع قد يتدحرج بسرعة ما لم يتم احترام ما تم الاتفاق عليه».
وأوضح الرئيس نبيه بري الذي اطلع من العماد جوزف عون على استعدادات الجيش للانتشار في الجنوب "أن ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من أعمال عدوانية لجهة تجريف المنازل في القرى اللبنانية الحدودية مع فلسطين المحتلة، يضاف إليها إستمرار الطلعات الجوية وتنفيذ غارات إستهدفت أكثر من مرة عمق المناطق اللبنانية وسقط خلالها شهداء وجرحى وآخرها ما حصل اليوم (أمس) في حوش السيد علي في الهرمل وجديدة مرجعيون، كل هذه الاعمال تمثل خرقاً فاضحاً لبنود إتفاق وقف إطلاق النار". وأضاف: "نسأل اللجنة الفنية التي أُلفت لمراقبة تنفيذ هذا الاتفاق أين هي من هذه الخروقات والانتهاكات المتواصلة والتي تجاوزت 54 خرقاً فيما لبنان والمقاومة ملتزمون بشكل تام بما تعهدوا به".
وردت إسرائيل بلسان وزير الخارجية جدعون ساعر، فقال: "نسمع ادّعاءات أن إسرائيل تنتهك اتفاق وقف النار مع لبنان والعكس هو صحيح"، مؤكداً "أننا نعمل على تطبيق اتفاق وقف إطلاق عبر الرد الفوري على انتهاكات حزب الله". وأضاف، "ان على عناصر حزب الله عدم الوجود في جنوب الليطاني وعليهم الانتقال شمالاً على الفور".
كما أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري التزام اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، معتبراً "أنّ مهلة الـ60 يوماً هي مرحلة تدريجية للتأكد من زوال تهديد "حزب الله". وقال: "على الشعب اللبناني التأكد من خلو المناطق الحدودية مع إسرائيل من السلاح الذي يهدّد أمن إسرائيل". وليلاً أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "أن اطلاق "حزب الله" الصواريخ على جبل الروس خرق خطير لوقف النار وإسرائيل سترد على ذلك بقوة".