هذه الحرب لم تترك شيئًا... لبنان على أعتاب "أزمة ضخمة"!
في ظل هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان نتيجة العدوان الإسرائيلي، أصبحت آلاف المباني مهددة بالدمار الكلي أو الجزئي، مما يعرض حياة المواطنين للخطر. وقد طال الخراب جميع جوانب الحياة، وخاصة البنية التحتية التي دُمرت العديد من معالمها، فماذا تكشف الإحصاءات عن حجم الأضرار التي تلحق بالمباني؟
في هذا السياق، ترجّح رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، المحامية أنديرا الزهيري، في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت"، أن "عدد المباني المدمرة، سوال بشكل كلي أو جزئي أو تلك التي لم تعد صالحة للسكن، قد يتجاوز 200 ألف مبنى، مشيرة إلى أن هذه التقديرات يتم تداولها في الوكالات الدولية والمحلية، وهي تقترب من الواقع، بل إنها في تزايد مستمر، لكن حتى الآن لا توجد أرقام أو إحصاءات رسمية".
وترى الزهيري أن "الدولة والبلديات لم يكلفا نفسيهما، في أيام السلم، إجراء مسح جدي للمباني التي خضعت سابقًا لحروب أهلية أو تأثرت بعوامل الزمن والإيجارات القديمة، وذلك لتحديد مدى قابليتها للسكن أو ما إذا كانت تشكل خطرًا على السلامة العامة، فكيف في ظل الوضع الحالي، حيث فاق الدمار كل التوقعات؟ يشمل هذا الدمار مناطق جغرافية محددة، أبرزها في القسم الجنوبي، والبقاع، وضاحية بيروت الجنوبية، بالإضافة إلى أهداف متفرقة في مختلف الأراضي اللبنانية".
وتُشير إلى أن "عمليات تدمير المباني شهدت تصعيدًا غير مسبوق منذ بداية العدوان، محذرة من أن هناك كارثة إيواء سكانية ممنهجة في لبنان، حتى ضمن المناطق الآمنة نوعًا ما. بما في ذلك مراكز الإيواء، كلها تتأثر بنوعية السلاح المستخدم، إضافة إلى قدم عهدها وتضررها بسبب العوامل الطبيعية وتأثير نوعية الأسلحة المدمرة على متانتها، مع تأكيدنا أن المباني المرتبطة بالإيجارات القديمة ما زالت تشكل خطرًا كبيرًا"، لافتة إلى أن "بعض المباني، حتى في المناطق التي تعتبر آمنة نسبيًا، هي عرضة للانهيار والتصدع، مما يزيد من خطورة الوضع مع ارتفاع الكثافة السكانية".
وتوضح أن "تقديرات سابقة كانت تشير إلى أن هناك حوالي 16 ألف مبنى مهدد بالسقوط قبل انفجار مرفأ بيروت، وتوزعت هذه المباني بين محافظة بيروت، ومحافظة الشمال وطرابلس، ومحافظة جبل لبنان (برج حمود والشياح)، بالإضافة إلى مناطق متفرقة في الجنوب وبعلبك، وبعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، تم إجراء مسح ميداني لأول مرة لتحديد حجم الأضرار، وقد تبين أن حوالي 85.744 وحدة سكنية وتجارية وتعليمية وتراثية وصحية قد تضررت بشكل متفاوت".
كما تذكّر الزهيري بـ"الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط 2023، الذي كان له انعكاسات على الأبنية والمنشآت في محافظة الشمال وطرابلس، حيث قدرت بلدية طرابلس أن نحو 4.000 مبنى مهدد بالسقوط في المدينة".
وتؤكّد أن "التركيز الآن يجب أن يكون على ما تبقى من الوطن، لا سيما أن انهيار الوطن أصبح أمرًا محتملاً إذا فقدنا مقوماته الأساسية مثل الأرض والشعب والدولة، وإذا فقدنا كل هذه المقومات، فما الأساس الذي سنطالب عليه بالوطن؟".
ومن هذا المنطلق، تدعو الزهيري إلى "ضرورة وقف هذه الحرب التي لم تترك شيئًا دون تدمير، سواء البشر أو الحجر أو الشجر أو التراث، حيث من الضروري إعادة تقييم معايير السلامة العامة وحق الإنسان في الاستقرار والأمن والحياة، بدءًا من المسكن اللائق والبنى التحتية السليمة التي تتواكب مع التغيرات المناخية"، مشددة في هذا الإطار على "أهمية إزالة التعديات والمخالفات، وتصحيح تصاريح البناء دون محسوبيات، وإنشاء مبانٍ مقاومة للزلازل والحرائق، تكون صحية وصديقة للبيئة".
وتقول: "أعلم ما أقوله قد يبدو كحلم، فإن الدمار الهائل الذي لحق بالبلاد يستدعي القيام بمسح جدي ودقيق، وخصوصًا للمناطق التي اختفت معالمها بالكامل. لكن هناك ضرورة لإجراء مسح جوي للمناطق المدمرة"، لافتة إلى أن "لبنان ليس فقط بحاجة إلى إعادة إعمار، بل إلى إعادة تحديد الحدود القانونية والرسمية لكل منطقة عقارية ومبانيها".
وفي الختام، تؤكّد الزهيري، أن "هذه العملية تتطلب جهدًا كبيرًا ودعمًا خارجيًا، لأنها تتجاوز قدرة الدولة اللبنانية والمجتمع الأهلي والمدني والجمعيات، مع ضرورة مراقبة كيفية صرف الأموال المخصصة لإعادة الإعمار، خاصة وأن الأرقام المالية المعلنة تتجاوز التوقعات بسبب حجم الدمار".