400 يوم من الإبادة: الغزيون يبتدعون مهناً جديدة
دفعت الحرب على قطاع غزة، والتي زاد عمرها على 400 يوم، كثيرين في مدينة غزة إلى ابتداع مهن جديدة، بعدما فقدوا كل شيء بفعل حرب الإبادة المستمرة منذ ما يزيد على عام. ففي سوق الشيخ رضوان، يقف أحمد أبو سمعان، الموظّف سابقاً في مؤسسة خاصة، خلف طاولة، وقد وضع عليها جهاز حاسوب، ولافتة صغيرة مكتوباً عليها: «أفلام ومسلسلات وألعاب إلكترونية للصغار والكبار». ويقول، في حديث إلى «الأخبار»: «نتيجة انقطاع الكهرباء والإنترنت، أصبح الناس بحاجة إلى ما يخفّف عنهم مآسي الحرب، لا سيما الأطفال والشباب؛ فكانت فكرة بيع أفلام ومسلسلات للترفيه عنهم بشواكل معدودة، وفي الوقت نفسه توفير مصدر دخل لأتمكن من إعالة أسرتي وتأمين ما يلزم بالحدّ الأدنى».
وفي محاذاة مستشفى «الأهلي العربي» في ميدان فلسطين، يجلس شاب عشريني، وأمامه جهاز حاسوب يسجّل عليه بيانات المواطنين الذين يبحثون عن المساعدات الإنسانية التي تقدّمها المؤسسات الإغاثية، عبر روابط رسمية، في مقابل ثلاثة شواكل للتسجيل الواحد. ويقول الشاب، لـ«الأخبار»، إنه كان يتقاضى سابقاً نحو 100 شيكل من بيع الملابس، فيما بالكاد يستطيع اليوم تأمين نصف هذا المبلغ. وعلى بعد أمتار قليلة منه، يعمل محمد عيد على تعبئة «الولاعات» بالغاز، لإعادة استخدامها في إشعال النار بعد انقطاعها من مدينة غزة. وعن ذلك، يوضح أنه امتهن هذا العمل بعدما فقد مصدر رزقه في مصنع لخياطة الملابس. ويضيف في حديثه إلى «الأخبار»: «قضت الحرب على المصنع الذي كنت أعمل فيه وأعتاش وأسرتي من ورائه، لأجد نفسي بحاجة إلى عمل يحقّق لي دخلاً ولو بسيطاً يوفّر مصاريف أسرتي».
وفي سوق الصحابة المستحدث، يتجوّل شاب على عربة عليها ثلاجة صغيرة لحفظ المياه المثلج، ويصدح: «مية متلجة تبرد العطشان». وعن مهنته الجديدة، يقول العشريني يوسف حجازي، الذي كان يعمل محاسباً في محال والده لتجارة السجاد والموكيت: «دمَّرها الاحتلال الإسرائيلي، هي وكل ما نملك من مبانٍ سكنية ومخازن ومحال تجارية». ويوضح، في حديث إلى «الأخبار»، أنه لجأ إلى هذه المهنة بعد نفاد السيولة التي كانت بحوزة عائلته المؤلفة من ثمانية أفراد. ويقوم الشاب بتجهيز أكياس المياه، ويثلّجها عند أحد الجيران الذي تتوافر لديه ألواح طاقة شمسية، ويتجوّل بها في السوق صباح اليوم التالي، «فلا يمكن انتظار انتهاء الحرب وضياع الوقت، وفي استطاعتي فعل أيّ شيء تحيا به عائلتي».
وفي سوق المغربي الذي أنشئ حديثاً أيضاً، تتراص شرائح وأرصدة جوال على طاولة يجلس خلفها لؤي السموني (25 عاماً) من حي الزيتون جنوب مدينة غزة. ويقول السموني، لـ«الأخبار»، إنه كان يعمل في مهنة تأسيس وبناء المنازل (الطوبار) بدخل ممتاز، ولكن هذه المهنة توقّفت في ظلّ العدوان، ما اضطرّه إلى امتهان بيع الشرائح والأرصدة، لأن «أفواه عائلتي المكونة من 17 شخصاً تنتظر ما أحصل عليه من مال كي أسدّ رمقها بما أحضره لها من السوق». ويعبر لؤي عن أمله في انتهاء الحرب «التي أتت على الأخضر واليابس»، وأن يعيش حياة كريمة، «فنحن شعب يستحقّ الحياة كما الآخرين، وما نواجهه من آلام ومعاناة، لأنّنا ندافع عن حقنا في أرضنا».
وعلى الرصيف المقابل للؤي، يقف شقيقه محمد الذي يبيع الشاي والقهوة والخبز المقلي بنكهات مختلفة، والذي يشتريه الناس كبديل من المقرمشات التي لم يتذوقوا طعمها منذ عام. ويقول، لـ«الأخبار»، إنه بالكاد يحصّل 20 شيكلاً يومياً، لا تكفي لشراء ربع كيس حليب. وتوقفت الحياة العملية في قطاع غزة، مع بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، حيث تعطّلت جلّ جوانبها بسبب استهداف المحال التجارية، إما بالحرق أو التدمير، فضلاً عن إغلاق المعابر. كذلك، أقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي على هدم المصانع التي تعمل على إنتاج البضائع المحلية، ما أفقد عدداً من المواطنين أشغالهم، فيما توقّفت الوظائف الحكومية والخاصة، ما حرم الشباب التقدّم إلى وظائف جديدة.