مع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان: الزراعة بين الخسائر والتحديات
تسببت الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان بتداعيات كارثية في مختلف القطاعات، وكان قطاع الزراعة في قلب هذه الأزمة، خاصةً موسم الزيتون الذي يُعَدّ من أبرز عناصر التراث الزراعي اللبناني. في الجنوب، حيث تمثل شجرة الزيتون رمزًا للصمود والهوية، أتى تهديد العدو بمنع السكان من العودة إلى حقولهم ليكون ضربة قاسية ليس فقط على الاقتصاد المحلي، بل على العلاقة التاريخية التي تربط الجنوبيين بأرضهم. تهديد الاحتلال يهدد مصدر رزق تاريخي ورثته الأجيال، حيث تنتظر العائلات موسم الزيتون كونه فرصة لتعويض ما فاتها وتجديد الأمل بعودة الحياة إلى طبيعتها.
الأضرار لم تقتصر على بساتين الزيتون وحدها؛ فقد طالت أيضًا حركة الصادرات الزراعية اللبنانية. ضربات الاحتلال استهدفت معبر المصنع الحدودي، وهو شريان أساسي لتصدير المنتجات الزراعية، بما في ذلك الزيتون والخضروات. إغلاق هذا المعبر بفعل الغارات الإسرائيلية عزل لبنان عن محيطه العربي، ما زاد من صعوبة التصدير، وعمّق الأزمة الاقتصادية. هذا الحصار البري يزيد من خطر تفاقم أزمة الأمن الغذائي في البلاد، حيث يعتمد لبنان بشكل كبير على صادراته الزراعية للحفاظ على استقراره الاقتصادي وتوفير الغذاء لسكانه.
خسائر انتاجية جسيمة
تعد هذه الحرب تهديدًا خطيرًا للأمن الغذائي في لبنان، وهو بلد يعتمد بشدة على زراعته المحلية وصادراته الخارجية. وقد صرّح وزير الزراعة الدكتور عباس الحاج حسن، في حديث لـ"النشرة"، أن الاعتداءات الإسرائيلية منذ بداية شهر أكتوبر 2023 تسببت بخسائر فادحة في الأراضي الزراعية، خاصة في سهل البقاع الذي يمثل نحو 40% من مساحة لبنان، وكذلك في المناطق الساحلية الجنوبية. وأضاف أن التحضير للمواسم الزراعية الشتوية توقف، فيما التوقعات تشير إلى أن مساحات واسعة من الأراضي الزراعية قد احترقت بالكامل.
وأشار الحاج حسن إلى أن خسائر القطاع الزراعي لا يمكن تحديدها حاليًا بدقة، ولكن ما لا يقل عن عشرات الآلاف من المزارعين اضطروا إلى ترك مزارعهم وقراهم بحثًا عن الأمان، وهو ما أثر بشكل مباشر في الإنتاج الزراعي المحلي، النباتي والحيواني، وأيضًا في المواسم الزراعية القادمة.
انعكاسات انقطاع التصدير
يشكّل معبر المصنع الحدودي نقطة حيوية لتصدير المنتجات اللبنانية، وإغلاقه بسبب العدوان الإسرائيلي أثر بشكل كبير في حركة التجارة. وأوضح الحاج حسن أن هذا الإغلاق يُعد حصارًا بريًا يمنع الشحنات الإنسانية والتجارية من الوصول إلى لبنان، ما يضرّ بالأمن الغذائي في البلاد. وأكد الوزير أن لبنان قدّم شكوى بهذا الخصوص إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
الموسم المتضرر… والتعويض
أما في ما يتعلق بموسم الزيتون في الجنوب والبقاع الغربي، فقد أُحرقت مساحات شاسعة من بساتين الزيتون، ما أثّر بشدة على الإنتاج. ومع ذلك، أشار الحاج حسن إلى أن هناك مناطق لبنانية أخرى لم تتضرر، ويجري العمل على استثمار كل حبة زيتون لضمان تلبية احتياجات السوق المحلية، بالإضافة إلى تصدير الفائض.
وفي ختام حديثه، أكد وزير الزراعة أن الوزارة قد وضعت خطة شاملة للتعويض عن المزارعين المتضررين بعد انتهاء الحرب. كما شدد على ضرورة إجراء فحوصات دقيقة للأراضي التي تعرضت للقصف بالفوسفور الأبيض، وهو مادة محظورة دوليًا، لضمان سلامة الإنتاج الزراعي والتربة، مشيرًا إلى أن هذا يتطلب تعاونًا مع الهيئات الدولية.
الزراعة في خطر
مع استمرار الحرب وتوسع دائرة الدمار، تواجه الزراعة اللبنانية مستقبلًا غامضًا. التأثيرات المباشرة على القطاع الزراعي تتجاوز الخسائر المادية لتصل إلى تهديد الأمن الغذائي والمعيشي لآلاف الأسر. ومع فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وتعطيل طرق التصدير، يبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة اللبنانية والمزارعين هو الحفاظ على ما تبقى من هذا القطاع الحيوي، والتخطيط للمرحلة القادمة في ظل المخاطر المستمرة.