أهالي الضاحية يستغلّون "الهدوء الغامض": نخرج أغراضنا ونترك روحنا هنا!
لا يعرف أبناء الضاحية الجنوبية سبب الهدوء الذي يخيّم على الضاحية منذ أيام، فيما تواصل آلة القتل والتدمير الإسرائيلية «عملها» المعتاد في الجنوب والبقاع، وتصل إلى مناطق للمرة الأولى، كالشوف والكورة وزغرتا فضلاً عن أحياء بيروتية. تتباين التفسيرات والتأويلات بين من يعتقد بانتهاء بنك أهداف العدو، ومن يرى في الهدوء تثبيتاً لمعادلة حيفا مقابل الضاحية، ومن يخشى من هدوء ما قبل العاصفة. لكن، أياً يكن الأمر، فقد أتاح «الهدوء الغامض» لبعض أبناء الضاحية تفقد أحيائهم ومنازلهم وسحب بعض مقتنياتهم أو حتى «لنأخذ روحاً»، على حدّ تعبير أم علي، فقد «خرجنا وتركنا أرواحنا هنا».
عادت حركة السير وإن خفيفة، فيما زاد عدد الدرّاجات النارية التي تجوب الشوارع بشكل ملحوظ. علامات الدهشة تعلو وجوه المتجوّلين في إشارة إلى أنّها الزيارة الأولى لهم بعدما عبثت غارات العدو بضاحيتهم. يتوقفون عند الأبنية التي سُويّت أرضاً ولفظت أثاث منازلها وأغراض قاطنيها. الدخان لا يزال يتصاعد من تحت ركام أبنية قُصفت منذ أكثر من أسبوع. أوراق ودفاتر وصور تتناثر على جانب الطريق المحاذي للأبنية المهدّمة في محلّة الرويس، فيما «قضمت» الغارات أجزاء من مبان أخرى من دون أن تسقطها، وطلى السواد بقية الأبنية.
«زوار» الضاحية النهاريون يتفقّدون الأضرار التي لحقت بمنازلهم واغتنام الفرصة لإخراج بعض الأمتعة والألبسة الشتوية وما يمكن إخراجه «لأن الحرب يبدو مطوّلة، وقد لا نتمكن من العودة مجدداً». أما من دُمّرت منازلهم بالكامل فيحاولون انتشال ما أمكن من أغراض وذكريات من بين الركام. أصحاب المحال التجارية وأطباء أحضروا شاحنات صغيرة لإفراغ محالّهم وعياداتهم. في كلّ زيارة إلى الضاحية ترفض زينب أن تحمل معها الكثير من الأغراض «حتّى لا أشعر بهجران منزلي في برج البراجنة، وليبقى المنزل الجديد مؤقتاً»، لكن، «كلما طالت فترة النزوح وجدتُ نفسي مضطرة لأخذ مزيد من الأغراض».
ليست كلّ الزيارات إلى الضاحية خاطفة، يشعر البعض بالأمان لتمضية نهارهم والمغادرة ليلاً، ذلك أنّ «النوم أثناء القصف بينما تمرّ الصواريخ فوق رؤوسنا كان مستحيلاً»، تقول فاطمة، لذلك استأجرت غرفة في سكن طالبي في الأونيسكو للنوم فقط وتحضر يومياً إلى منزلها في الجناح. ولأنّ النازحين انقسموا بين مراكز الإيواء والمنازل التي غالباً ما تضم أكثر من عائلة، وفي الحالتين لا تتوفّر المياه بالكميات المطلوبة، يفضّل بعض من نزحوا إلى أماكن قريبة الاستحمام في منازلهم وغسل ملابسهم وأحياناً تحضير الطعام ما دام الهدوء يخيّم على الضاحية.