محاكمة سلامة.. تعيد أموال المودعين؟
سبق اللبنانيون قضاءهم، وعدله المتأخّر، في إدانة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، فعملة بلدهم انهارت في ظلّ ولايته الأخيرة، وودائعهم طارت في عهده، ولو أنّ المسؤولية تقع على ثلاثية المركزي والدولة والمصارف، إلّا أنّه الحاكم المالي المشهور بعبارته المطمئنة المزلزلة "الليرة بخير" وبصلاحياته شبه المطلقة على مدى ثلاثة عقود، تربّع خلالها على عرش السلطة النقديّة في البلد، منذ العام 1993لغاية 2023، ليصبح واحدًا من أطول حكّام المصارف المركزية خدمةً في العالم.
بصرف النظر عن توقيت تحرّك القضاء اللبناني المفاجىء، وما حمله من تكهّنات من هنا وتشكيك من هناك، إعاد توقيف سلامة ملفَ الودائع إلى الواجهة، فراح اللبنانيون على منصّات التواصل الاجتماعي يسألون عن انعكاس التوقيف على ودائعهم المحجوزة في المصارف أو المتبخّرة في سندات الخزينة، بعضهم ينظر بإيجابيّة إلى الخطوة القضائيّة، ويأمل أن يقود توقيف سلامة إلى استرداد أموال منهوبة تُوظّف في إعادة ودائعهم، والبعض الآخر لا يجرؤ على التفاؤل خوفًا من نكسة متوقعّة. فهل من علاقة بين ملف سلامة وأموال المودعين؟وهل وصول المسار القضائي إلى إدانة سلامة يساهم في تحرير الودائع المصرفيّة؟
انعكاس غير مباشر على الودائع
الأستاذ في القانون المصرفي المحامي إيلي الحشاش يلفت في اتصال مع "لبنان 24" إلى عدم وجود علاقة مباشرة بين توقيف سلامة وإعادة الودائع "لكن هناك ارتباط غير مباشر، على اعتبار أنّ توقيف سلامة متّصل بمخالفاته ضمن سياسات المصرف المركزي، ولو أنّ مسألة الودائع لا تنحصر فقط بمسؤولية مصرف لبنان، لكن توقيفه قد يؤثّر إيجابًا، لجهة ما يمثّله من رأس جبل الجليد، إذ أنّ ملاحقته بكافة الملفات وسؤاله عن المسؤوليّة المهنيّة المنوطة به على رأس الحاكمية، في ملف تهريب الأموال وفي مجمل السياسات النقدية، من شأنه أن يثبت مسؤوليّة البنك المركزي والمصارف التجاريّة في كلّ الارتكابات التي حصلت، وسوف ينعكس ملف سلامة القضائي إيجابًا على أموال المودعين، ولكن بطريقة غير مباشرة". في الشق الإيجابي الموازي، لا يمكن لأموال المودعين أن تعود إلى أصحابها إلّا عن طريقة المحاسبة والمساءلة، وبدء هذه المحاسبة من رأس هرم النظام المالي والمصرفي، لا بدّ أن تصبّ في مصلحة المودعين، ولكنّ المسار طويل.
الأموال المختلسة..إلى الخزينة
كثيرة هي الملفات التي تلاحق سلامة في عدد من الدول الأوروبية بتهم الفساد والاستيلاء على أموال عامة وغسل الأموال، وفي فرنسا صدرت مذكرة اعتقال بحقّه في إطار تحقيق حول اختلاس أموال عامة، بالإضافة إلى نشرة حمراء من الإنتربول للقبض عليه. أمّا الخطوة القضائيّة الأخيرة في لبنان فرافقها التكتّم في بداية التوقيف حول طبيعة الجرم، إلى أنّ صدر عن النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم توضيح بالادعاء على سلامة بجرائم الاختلاس، وسرقة أموال عامة، والتزوير، والإثراء غير المشروع "هذه الدعوى بموقعها القانوني السليم، وقد تَبيّن من اتّباع التحاويل والأموال المدفوعة والمقبوضة، أنّها صبّت عند الحاكم، وفي ذلك إثراءٌ غير مشروع، كما أنّه استفاد من موقعه وهذا جرم" أوضح الحشاش "باعتقادي إذا سلك ملف سلامة مساره القضائي وصولًا إلى النهاية، سيصدر حكمٌ بردّ هذه الأموال،في حال أنفقها سلامة سيصار إلى سجنه، وإذا كانت الأموال المختلسة لا زالت موجودة كموجودات عقاريّة أو أموال مهرّبة خارج لبنان، فهو ملزم بردّها، وفي هذه الحالة، إمّا تجيّرها الدولة إلى الخزينة العامة، أمّا يعتبرونها من أموال المودعين ويوظّفونها في ردّ الودائع، وهكذا يستفيد المودع بطريقة غير مباشرة. ولكن تبيّن أنّ الأمور ذاهبة نحو الخيار الأول، إذ ادّعت هيئة القضايا في وزارة العدل، على المدّعى عليه سلامة وكل مَن يظهره التحقيق، وذلك تِبعًا لادعاء النيابة العامة المالية. بالتالي استرداد الأموال المختلسة سيذهب للخزينة، على ضوء ادّعاء هيئة القضايا".
استرداد الأموال من الخارج ممكنة
إذا ثبت أنّ سلامة قد اختلس أموالًا عامة، سيكون قد احتاط لذلك وأودعها ليس باسمه، بل باسم شركات أو أفراد "ولكن ذلك لا يمنع من القيام بامكانية تتبّعها واستردادها تحت أيّ اسم كانت، في حال ثبوت الفساد والإثراء غير المشروع وتبيض الأموال. وهناك أمثلة تاريخية حصلت فيها عمليات استرداد أموال منهوبة، منها قضيّة الحاكم العسكري الأسبق لبنما مانويل نورييغا الذي سُجن بتهمة الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والاختلاس، وهناك تجربة الجزائر في استرجاعها مليارات الدولارات من الأموال المنهوبة المهرّبة خارج البلاد. عملية استرداد الأموال ليست سهلة ولكنها ليست مستحيلة، وتحتاج إلى عملية تتبّع لمعرفة مكانها، وقد تكون في دول ذات جنات ضريبية، ورغم ذلك يمكن استردادها".
المصارف المراسلة تعيد الأموال خوفًا من العقوبات
عن الأطر القانونية والمعاهدات الدوليّة التي تجيز استرداد أموال منهوبة في قضية سلامة و غيره، إذا ما ثبُتت تهمة الاختلاس، لفت الحشاش إلى أنّ المصرف المركزي والمصارف كانت تتقيّد بأحكام اتفاقيّة الحيطة والحذر في مكافحة تبيض الأموال، ثم صدر قانون مكافحة تبيض الأموال وتمويل الأرهاب، ومع صدور القانون وتعديلاته أضحى لبنان ملتزمًا بمكافحة تبيض الأموال وبتتبّع الأموال التي تمّ تهريبها. أمّا المصارف المراسلة التي أُودعت فيها تلك الأموال المنهوبة، فلا بدّ أن تتعاون في أيّ عملية استرداد مهما كان حجم الوديعة، كي لا تعرّض نفسها للخطر وللمساءلة القانونيّة أو لعقوبات دوليّة سواء من قبل الخزانة الأميركية أو من قبل دول أجنبيّة أوروبيّة أو نامية".
القضاء اللبناني يفتقد إلى الاختصاص المالي!
يلفت مصدر قضائي إلى افتقاد لبنان للتخصّص القضائي المالي، موضحًا أنّ ذلك ظهر في جلسات الاستجواب القضائيّة التي أجراها وفد قضائي أوروبي في بيروت، في سياق تحقيقات مالية أوروبية بقضايا اختلاس وتبييض وتهريب أموال، إذ أظهر القضاة الأوروبيون تخصّصًا وإلمامًا في القضايا الماليّة، لكن ذلك لا يمنع المسار القضائي اللبناني من السير في الاتجاه السليم وفق الحشاش "هناك قضاة لبنانيون متخصصّون في الجرائم المالية، قد لا يكونوا اليوم بموقع التحقيق مع سلامة، ولكن هذا لا يمنع مجلس القضاء الأعلى من انتدابهم لمساعدة القاضي المعني بالتحقيق، وليس لزامًا أن يكون القاضي الناظر في الملفات الماليّة متخصصًا بالجرائم المالية، إذ يمكن له أن يعيّن خبراء محاسبة ومدقّقين جنائيين، ويمكنه الاستعانة بهم داخل جلسة التحقيق، وهناك محامون متخصّصون في هذا الشأن".
تحريك ملف سلامة مؤشّر إيجابي "لكن في لبنان هناك دائمًا نظرية المؤامرة، وما حكي عن توقيفه لاعاقة استرداه من قبل القضاء في أكثر من بلد، ليس بالضرورة صحيحًا، علينا الانتظار لمعرفة مسار الأمور وما إذا كان توقيف سلامة سيصمد، علمًا أنّ إصدار مذكرة توقيف بحقّه من قبل قاضي التحقيق يعكس مسارًا قضائيًّا جدّيًا، لكن الإجراءات القضائيّة تأخذ مجراها، ونحن أمام بداية".