بعد كورونا... هل يمكن أن يتحول جدري القردة لجائحة أيضًا؟طب
دفعت الزيادة الأخيرة في حالات الإصابة بفايروس جدري القردة في إفريقيا، وخاصة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، منظمة الصحة العالمية إلى إعلان أن المرض يمثل حالة طوارئ صحية عالمية وهو أعلى مستوى تحذير يمكن أن تطلقه الهيئة.
وأعلنت منظمة الصحة أن تفشي المرض في إفريقيا هو حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا، بعد انتشاره من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى دول مجاورة كبوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا.
وجرى تسجيل 27 ألف إصابة وأكثر من 1100 وفاة، معظمها بين الأطفال، في الكونغو منذ بدء تفشي المرض في كانون الأول 2023.
والجمعة، أكدت وزارة الصحة الباكستانية إصابة واحدة على الأقل بالفيروس لشخص عائد من دولة خليجية.
وأفادت وكالة الصحة العامة في السويد، الخميس، بأنها سجلت إصابة بالسلالة الفرعية لسلالة "1بي"، وهي السلالة الجديدة نفسها التي انتشرت في جمهورية الكونغو الديموقراطية في أيلول 2023، وأول إصابة من نوعها خارج القارة الإفريقية، بحسب الوكالة.
واكتُشف الفيروس عام 1958 في الدنمارك لدى قردة استخدموا في الأبحاث. واكتُشف أول مرة لدى البشر عام 1970 في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
وهناك نوعان فرعيان للفيروس، السلالة 1 الأكثر فتكا والمنتشرة في حوض الكونغو في وسط إفريقيا والسلالة 2 المتفشية في غرب إفريقيا.
فيروس كورونا وفيروس جدري القردة مختلفان تماما، فالأول يصنف ضمن الفيروسات التاجية والثاني من فئة الفيروسات المغلفة وهذا يجعل كوفيد 19 أكثر قدرة على الانتشار وإنشاء المتحورات، وفقا للجمعية الأميركية لعلم الأحياء الدقيقة، أكبر وأقدم منظمة متخصصة في علم الفيروسات والبكتيريا والفطريات.
يعتبر فيروس كورونا فيروسا تنفسيا، حيث ينتشر عندما يتنفس الشخص المصاب قطرات صغيرة محملة بالفيروس.
إذا استنشق شخص آخر هذه القطرات، أو سقطت على عينيه أو أنفه أو فمه، فقد يصاب الشخص المعرض بالعدوى.
ونظرا لأن كوفيد-19 ينتشر بكفاءة عبر الهواء، فمن الصعب السيطرة عليه، لأن شخصا واحدا يمكنه أن يتسبب بإصابة العديد من الأشخاص الآخرين بمجرد التنفس.
وعلاوة على ذلك، يمكن للمصابين أن ينشروا الفيروس، حتى لو لم تظهر عليهم أعراض.
بالمقابل يمكن أن ينتقل جدري القردة عن طريق إفرازات الجهاز التنفسي، إلا أنه ليس فيروسا تنفسيا، مما يجعله أقل قابلية للانتقال.
ينتشر جدري القردة في المقام الأول من خلال الاتصال المباشر (عادة لفترة طويلة) مع شخص مصاب وخاصة عند لمس الطفح الجلدي الذي يسببه الفيروس أو سوائل الجسم.
ويمكن أيضا أن ينتشر عن طريق لمس الأشياء والأسطح التي استخدمها شخص مصاب ولامست لفترة طويلة تقرحات الجلد.
كذلك يعد الاتصال الجنسي إحدى الطرق الرئيسية لانتقال الفيروس، ويمكن أيضا للنساء الحوامل المصابات أن ينقلن الفيروس إلى الجنين أثناء الحمل أو إلى المولود الجديد عند الولادة.
تظهر أعراض كوفيد-19 عادة بعد يومين إلى 14 يوما من التعرض للفيروس، ويمكن أن تشمل الحمى والقشعريرة والصداع والتهاب الحلق وفقدان حاسة التذوق أو الشم.
وعادة ما يشعر الأشخاص بالتحسن بعد بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، على الرغم من أن بعض الأشخاص يعانون من أعراض طويلة الأمد تستمر لأكثر من 3 أشهر وهو ما يعرف باسم "كوفيد طويل الأمد".
يعتمد خطر الإصابة بكوفيد-19 الشديد على عدة عوامل، منها نوع المتغير المسبب للعدوى والتطعيم والعمر، وما إذا كان الشخص يعاني من أمراض مزمنة أو مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).
أما في حالة جدري القردة فقد يستغرق ظهور الأعراض ما يصل إلى 3 أسابيع بعد التعرض للفيروس.
وعلى الرغم من أن الأمر يختلف من حالة إلى أخرى، إلا أن الأعراض قد تكون مشابهة لأعراض كوفيد-19 خلال المراحل المبكرة من العدوى مثل الحمى والصداع والقشعريرة وآلام العضلات والظهر والخمول.
لكن من الناحية السريرية، يختلف جدري القردة عن كوفيد-19 لكونه يتضمن ظهور بثور مليئة بالصديد وطفح جلدي، يمكن أن يكون مؤلما ويثير الحكة، ويميل إلى الانتشار على الوجه والأطراف والأعضاء التناسلية.
يتعافى معظم الأشخاص من جدري القردة بعد مرور ما بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع.
ويمكن أن يكون المرض شديدا، وحتى مميتا، في حالات معينة، مثل الإصابة بالأمراض المزمنة، لكن معدل الوفيات ليس قريبة من معدل الوفيات الناجمة عن كوفيد-19.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فقد أدى تفشي المرض حول العالم مطلع العام 2022 عندما انتشرت السلالة الفرعية لسلالة "2بي" إلى وفاة حوالى 140 شخصا من بين نحو 90 ألف إصابة.
يحذر خبراء الصحة من أنه إذا لم يتم احتواؤه، فقد ينتشر الفيروس مرة أخرى في جميع أنحاء العالم.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنه حتى الآن هذا العام، تم الإبلاغ عن أكثر من 15600 حالة إصابة و537 حالة وفاة في الكونغو، وهو ما يتجاوز إجمالي الحالات المكتشفة العام الماضي.
وتنقل صحيفة "نيويورك تايمز" عن إخصائية الأمراض المعدية في جامعة تكساس الدكتورة تريش بيرل القول: "لا أعتقد أن الخطر في الوقت الحالي مرتفع على الإطلاق، ولكن مع ذلك يجب أن نكون يقظين".
وبحسب الجمعية الأميركية لعلم الأحياء الدقيقة هناك اختلافات كثيرة بالمقارنة مع ما حصل مع جائحة كورونا.
على سبيل المثال، كان كوفيد-19 فيروسا جديدا عندما ظهر في أواخر عام 2019، ونتيجة لذلك، لم يكن لدى العالم لقاحات أو مناعة ضد الفيروس، مما تسبب في انتشاره بشكل سريع.
كذلك لعب ظهور متغيرات جديدة من كوفيد-19، إلى جانب قدرة الفيروس على الانتقال بكفاءة من شخص لآخر عبر الهواء، دورا أساسيا في تحوله لجائحة عالمية.
بالمقابل فإن جدري القردة ليس مرضا جديدا، حيث جرى اكتشافه منذ عدة عقود والعلماء على معرفة شبه تامة به عكس كوفيد-19.
والأهم من ذلك، ونظرا لأن فيروس جدري القردة ينتشر بشكل أساسي من خلال الاتصال الوثيق، فهذا يجعله أقل كفاءة في الانتشار بين البشر.
بالإضافة لذلك هناك لقاحات متاحة للحد من تأثير المرض على الرغم من وجود تحديات فيما يتعلق بتوفرها لدى المجتمعات المعرضة للخطر بشكل كبير، وخاصة في أفريقيا.