بين حادثة مجدل شمس ومجزرة التابعين: الحماية الدولية تدفع نتانياهو إلى التمادي
منذ إغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" السابق إسماعيل هنية والقيادي العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر، قررت الولايات المتحدة أن تقود عمليات الترهيب والترغيب، بإتجاه طهران والحزب، لدفعهما إلى عدم القيام بأي رد يقود إلى جر المنطقة إلى الحرب الشاملة، متجاهلة أن السبب في توتير الأجواء هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي كان قد عاد قبل أيام من زيارة إلى واشنطن، حيث تم فتح أبواب الكونغرس له، لكي يعرض إدعاءات كاذبة ويدعو أميركا إلى قيادة مواجهة مع إيران.
في هذا الإطار، برز عمل الولايات المتحدة على جبهتين: الأولى هي حشد قوتها العسكرية، بالتعاون مع بعض حلفائها، من أجل تأمين الحماية لإسرائيل، خوفاً من تداعيات الردود على ما أقدمت عليه، بالتزامن مع تهديدات توجه إلى الجانب الآخر، أما الثانية فهي رسائل الترغيب بـ"جوائز" ترضية"، في حال عدم الذهاب إلى أي رد كبير على تل أبيب، منها السعي إلى إنجاز إتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ما تقدم، يمكن أن تضاف إليه العديد من المواقف الصادرة عن بعض الدول الغربية، أبرزها البيان الصادر عن زعماء فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، بعد نقاش تم مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذين أعربوا عن دعمهم إسرائيل في مواجهة أي تهديد إيراني، الأمر الذي يدفع مصادر سياسية متابعة إلى السؤال، عبر "النشرة"، عن الأسباب التي منعت تلك الدول عن إصدار مواقف مشابهة، قبل أن يبادر نتانياهو إلى إشعال فتيل التوتر في المنطقة برمتها، وهو ما كان سيقود حتماً إلى منع إنزلاق الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم.
بالنسبة إلى هذه المصادر، سلوك بعض الدول في التعامل مع هذه الأزمة، منذ بداية العدوان على غزة وجنوب لبنان حتى اليوم، ساهم في توسعها، حيث شعر نتانياهو بأنه الإبن المدلل الذي يستطيع أن يفعل ما يشاء، طالما هو خارج دائرة المحاسبة، لا بل هناك من هو مستعد لتبرير كل ما يقوم به، وصولاً إلى تقديم مختلف أنواع الدعم، العسكري والدبلوماسي والقانوني له، بدل الضغط عليه للتوقف عن إرتكاب المجازر بحق المدنيين، وكأن المطلوب من الآخرين ضبط النفس أو تحمل ما يقوم به من دون أي ردة فعل منهم.
وترى المصادر نفسها أن ربع الضغط الذي يمارس اليوم على أركان محور المقاومة، لدفعها إلى عدم الرد على عمليات الإغتيال أو إختيار أهداف رمزية، كان من الممكن أن يقود إلى وقف الحرب، فيما لو مورس، من الناحية العملية، على رئيس الوزراء الإسرائيلي، على الأقل من خلال مواقف تدين بشكل واضح لا يقبل اللبس ما أقدم عليه، بدل تقديم التبريرات له وتبني الروايات الكاذبة التي يدعيها.
في هذا السياق، تعطي المصادر السياسية المتابعة مثالاً واضحاً على هذا الواقع، يتعلق بكيفية تعامل الولايات المتحدة مع حادثة مجدل شمس، التي كانت الحجة التي إستعملت لتنفيذ عملية الإغتيال في الضاحية الجنوبية، في مقارنة مع كيفية تعاملها مع المجزرة التي إرتكبت فجر يوم السبت الماضي، عندما أقدم الجيش الإسرائيلي على قصف مدرسة "التابعين" التي تأوي نازحين في حي الدرج شرق مدينة غزة، ما أدى إلى سقوط العشرات بين قتيل وجريح.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه في الحادثة الأولى، سارعت الولايات المتحدة خلال ساعات، على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، إلى تبني الرواية الإسرائيلية حول مسؤولية "حزب الله" عما حصل، مؤكدة أنه حق لتلّ أبيب في الدفاع عن نفسها، بينما في مجزرة "التابعين" أعربت، بعد نحو يومين، عن قلقها، معلنة أنها على إتصال مع المسؤولين الإسرائيليين، من أجل الحصول على المزيد من التفاصيل، على قاعدة أن هؤلاء سيسارعون إلى كشف الحقائق، أو أنها ستبادر إلى القيام بأي خطوة فيما لو أقدموا على ذلك.
في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن ما تقدم جزء من سلوك عام، قائم منذ سنوات طويلة، حيث تتولى العديد من الدول الفاعلة، على رأسها الولايات المتحدة، تبرير جميع الأفعال الإسرائيلية، بالإضافة إلى تقديم مختلف أشكال الدعم لها، بشكل حول إسرائيل المعتدية إلى قوة خارج المحاسبة الدولية، بحيث تستطيع أن تقوم بكل ما تريد من دون أي تحرك من قبل ما يسمى "المجتمع الدولي"، في حين أن مجرد شبهات، أقل من ذلك بكثير، كان من الممكن أن تشكل تحالفا دوليا لـ"محاربة الإرهاب" أو "حماية الأمن والسلم الدوليين".