معركة استنزاف طويلة... هذا ما ينتظر المنطقة
تنشط الاتصالات الدبلوماسية الغربية مع لبنان؛ بهدف فرض ميزان جديد للتصعيد القائم يجنب المنطقة الانزلاق إلى حرب موسعة، من غير أن تلغي الهواجس من موجة من الردود والردود المقابلة التي تتوقف عند حجم الرد الإيراني على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في طهران، ورد «حزب الله» المرتقب على اغتيال القيادي العسكري في الحزب فؤاد شكر بضاحية بيروت الجنوبية.
وتنذر الردود، وما يمكن أن يقابلها من ردود إسرائيلية، بإدخال المنطقة في موجة من التوتر المتواصل، وإدخال القوى المتصارعة في معركة استنزاف طويلة الأمد، فضلاً عن المخاوف من الانزلاق إلى حرب واسعة. ولهذه الغاية، نشطت الحركة الدبلوماسية الغربي الساعية إلى «إنهاء موجة التوتر الأخيرة، وإعادة الستاتيكو إلى ما كان عليه قبل الاغتيالين الإسرائيليين في الضاحية وطهران»، حسبما تقول مصادر لبنانية مواكبة للاتصالات الجارية لـ«الشرق الأوسط»، وذلك «تمهيداً لمنح الدبلوماسية الدولية فرصة لإنهاء الحرب في غزة، وتالياً إنهاء الحرب في جنوب لبنان والبحر الأحمر». وتشير إلى أن الاستنفار لتطويق التوتر «يهدف إلى إخماد فرص تمدد الحرب، ومنع إنشاء بؤرة توتر خطيرة تهدد بإشعال المنطقة».
ودفع «حزب الله» برسائل تهدئة، بالحديث عن «عقلانية» في «الرد القوي والمؤثر»، استُتبعت برسائل إعلامية أخرى تتحدث عن عدم إهمال الحزب لمصالح لبنان واللبنانيين، جراء الرد الذي ينفذه، فيما ساهم التأخير الإيراني في رده، بدفع رسائل تصب في الخانة نفسها، بالتزامن مع مؤشرات أميركية جدية حول التدخل، تتمثل في التحشيد العسكري في المنطقة، والتنسيق بين واشنطن وتل أبيب، وليس آخرها زيارة قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي (سنتكوم) مايكل كوريلا، إلى تل أبيب، الخميس.
تراجع حدة الاستقطاب
وبدا أن الاتصالات الدبلوماسية والحشود العسكرية نجحت إلى حد ما في تطويق التصعيد، وذلك «لرغبة أميركية بعدم الانزلاق إلى الحرب، ورغبة إيرانية بعدم منح رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فرصة توريط واشنطن في معركة تحاول الإدارة الأميركية منذ 10 أشهر تجنبها قبل الانتخابات الرئاسية»، حسبما يقول رئيس مركز «الشرق الأوسط للدراسات» الدكتور هشام جابر، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم يمر، يتراجع التوتر، وتسلك قنبلة الرد طريق التنفيس»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن الحسم بطبيعة الرد الإيراني إذا حصل، لكن التقديرات تشير إلى أنه سيكون رداً محدوداً جداً، ومحاولة لتجنب رد إسرائيلي قد يكون خارجاً عن المألوف».
ويعرب جابر عن اعتقاده بأن المساعي الدبلوماسية تسعى لتفويت الفرصة على نتنياهو لجر المنطقة إلى حرب «لا تريدها طهران ولا واشنطن ولا الدول الأوروبية، بالنظر إلى أن جميع الأطراف لا تحتمل حرباً إقليمية في هذا الوقت»، مستنداً إلى أن «الحرب على لبنان تختلف عن الحرب على غزة، فأي تدهور في لبنان يمكن أن يجر إلى مواجهات في الإقليم». وعليه، يرى أن كل الأمور «تتوقف على طبيعة الرد، وأنا على قناعة بأن رد إيران و(حزب الله) سيكون محدوداً».
رد تحت سقف الضوابط
وفيما ينظر جابر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، إلى الحشود الأميركية في المنطقة على أنها «عرض قوة ورسالة ردع وتأكيد على الاستعدادات للتعامل مع أي طارئ»، يشير إلى أن الردود تحت سقف الضوابط «من شأنها أن تجنب المنطقة موجة من الردود المتبادلة»، ويشرح: «من تداعيات الردود المتبادلة أنها تزيد حدة التوتر والاستقطاب، وتقرب المسافات نحو التدهور، وتدخل المنطقة في معركة تسجيل نقاط»، وتالياً «تمدد فترة التوتر، وتستنزف الجميع من كل النواحي»، ويرى أن الحل الوحيد لتجنب هذه المرحلة «يتمثل في أن تكون الردود مدروسة».
ردّ هزيل... أو لا ردّ
وبينما يؤكد «حزب الله» وإيران حتمية «الرد القوي»، لا يرى النائب السابق بالبرلمان اللبناني والعميد المتقاعد وهبة قاطيشا، أن المنطقة ستذهب إلى موجة ردود متقابلة، لأن أصل الرد الإيراني، في حال حدوثه، «لن يستدرج ردوداً مقابلة». ويوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «احتمالات الرد الإيراني على اغتيال هنية ضعيفة، فإذا ردت دون أن توجع إسرائيل، فستفقد مصداقيتها، وإذا أوجعت إسرائيل، فإنها ستستدرج رداً إسرائيلياً كبيراً سيقضي على إنجازات النظام، خصوصاً أن تل أبيب تتحين فرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية ومصانع السلاح»، لذلك، يرى قاطيشا أن إيران «تستجلب الدبلوماسية لحل المشكلة» في إشارة إلى التصريحات المؤيدة لإنهاء الحرب في غزة.
وكان «الحرس الثوري» الإيراني قد أعلن قبل يومين عن مناورة عسكرية بعد نحو أسبوع على اغتيال هنية، وينظر قاطيشا إلى هذه المناورة بوصفها «محاولة لاستدراج الأميركيين للقيام بجهد دبلوماسي، ولمخاطبة الداخل الإيراني»، مستنداً إلى أنه «في العلوم العسكرية، لا يمكن إجراء مناورة في زمن الحرب»، وعليه يعرب عن اعتقاده بأن طهران «لن تقوم بالرد، وإذا نفذته، فإنه سيكون رداً هزيلاً».
احتفاظ بحق الرد
وينسحب هذا التقدير على رد «حزب الله» المتوقع، ويشير قاطيشا إلى أن «ما فُهم من خطاب أمينه العام حسن نصرالله الأخير، أن الحزب يحتفظ بحق الرد، بعد اغتيال شكر»، مضيفاً أن عدم الرد «يستند إلى تجربة الحزب في حرب تموز 2006، حيث ذهبت إسرائيل إلى تدميرٍ دفع نصرالله للقول إنه لم كان يعلم ردة الفعل تلك، لما شن الحرب»، مضيفاً: «بعد اغتيال القيادي عماد مغنية، تحدث عن بداية نهاية إسرائيل، أما الآن، فإنه تحدث عن رد مدروس، ما يعني أنه يدرك حجم الرد الإسرائيلي على رده، لذلك لن يقوم بردّ متناسب مع حجم الاستهداف».
ويتوقع قاطيشا الرد بعشرات الصواريخ التي «لن توجع إسرائيل، وتحفظ ماء الوجه أمام بيئته، بطريقة تشبه الرد على اغتيال القيادي بـ(حماس) صالح العاروري في الضاحية الجنوبية؛ وذلك لأن إسرائيل أوصلت رسائل ميدانية متعددة مثل جدارات الصوت فوق الضاحية، والاغتيالات التي تنفذها منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول)، مما يكشف حجم الهوة العسكرية والتكنولوجية بين الطرفين». أما عن تداعي الغرب لتطويق أي ردود فعل، فيقول قاطيشا إن «الغرب يكره الحروب لذلك يتحرك».
ويذهب قاطيشا إلى التأويل السياسي للتطورات القائمة، ويقول إن «إيران لا تريد محاربة إسرائيل، بل تسعى لأن تناور للسيطرة على الشرق الأوسط والتحول إلى دولة نووية عبر حمل شعار القضية الفلسطينية، فيما تضحي بأذرعها وتقطف هي النتائج السياسية»، متهماً «حزب الله» في لبنان «بالمضي في نفس الخط للسيطرة على لبنان وتغيير وجهه». وعليه، يرى أن المخاوف من حرب واسعة «هي مجرد تهويل لأن الرد لن يتعدى حفظ ماء الوجه، بدليل أن إسرائيل تستفزهم لردود، بينما هم يتحاشون الحرب».