محاولات تسوية تعويضات نهاية الخدمة وحملة تفتيش تطال شركات متحايلة
لعّل أكثر ما قساه اللبنانيون جرّاء الأزمة المالية والإقتصادية، تمثّل في خسارة الموظّفين في القطاعين العام والخاص تعويضات نهاية الخدمة، بحيث تضاءلت قيمة التعويضات وفقدت أكثر من 95% من قيمتها الفعليّة بفعل انهيار الليرة.على سبيل المثال التعويض الذي كان يبلغ 150 مليون ليرة، أي ما يوازي 100 ألف دولار قبل الأزمة، تناقص إلى حوالي 1675 دولارًا. لم يصطلح الحال رغم مرور خمس سنوات على الأزمة، والفئة الأكثر تضررًا، هي فئة العمال والمستخدمين الذين بلغوا السنّ القانوني وأحيلوا على التقاعد خلال سنوات الأزمة، هؤلاء أضحوا بلا عمل وبلا تعويض مادي يقيهم العوز والحاجة في سن الشيخوخة، بعد سنوات طويلة من العمل، لا تقل عن عشرين عامًا. أمّا بقيّة الموظّفين الذين لا يزالون في الخدمة الفعليّة أو العمل فحالهم ليس أفضل، باستثناء الفرصة التي لا زالت متاحة أمامهم لإمكان تصحيح الرواتب وتعويضات نهاية الخدمة، في المدّة الفاصلة عن تقاعدهم.
معظم الشركات تخفي الرواتب الحقيقية
كثيرة هي الأسباب التي حالت لغاية اليوم دون تصويب الخلل الكبير في تعويضات نهاية الخدمة. عودة الضمان إلى سابق عهده، يتطلب أن تدفع الشركات للضمان الإجتماعي اشتراكات الموظفين لديها، والمعضلة أنّ أرباب العمل يدفعون أقل من 10% من هذه الاشتراكات، وفق المدير العام للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي محمد كركي، وهناك 90% من الشركات تصرّح برواتب غير صحيحة، كي لا تدفع الإشتراكات الفعليّة للضمان، الأمر الذي ينعكس سلبًا على قيمة تعويضات نهاية الخدمة.
تفاوت التعويض بين القطاعين العام والخاص
المدير المالي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي شوقي أبو ناصيف يلفت في اتصال مع "لبنان 24" إلى شقّين في تعويضات نهاية الخدمة "الشق المتعلّق بالقطاع العام، ويحتاج إلى معالجة في تعديل صلب الراتب، كون الزيادات التي يتقاضاها الموظّفون من سبعة إلى تسعة رواتب، أو بدل المثابرة، هي زيادات لا تُحتسب في تعويض نهاية الخدمة، وهناك نصّ واضح في قانون الموازنة بذلك. أمّا في القطاع الخاص فالوضع مختلف، ويمكن القول إنّ الأمور عادت إلى ما كانت عليه، وتبقى مسألة ضبط التصاريح المغلوطة إلى الضمان عن قيمة الرواتب". وعن كيفية احتساب تعويض نهاية الخدمة للعاملين في القطاع الخاص، وفق أيّ سعر صرف، يلفت أبو ناصيف إلى أنّ من يتقاضى راتبه بالدولار، يفترض على صاحب العمل أن يحتسب الدولار وفق 89 ألف ليرة، ويحوّله إلى الليرة، ويصرح عنه إلى الضمان الاجتماعي وفق قيمته الحقيقية، وعلى أساس آخر راتب يُحتسب التعويض "وفي حال وجد الأجير عند سحب تعويضه أنّ رب العمل لم يصرح عن كامل أجره، يحقّ له تقديم شكوى، وعندها نتحرك بهذا الاتجاه".
حملة تفتيش
الحدّ الأدنى في الضمان الاجتماعي يوازي 200 دولار، ويُمنع على أيّ شركة أو مؤسسة أن تصرّح عن رواتب موظفيها ما دون 18 مليون ليرة، يؤكّد أبو ناصيف "المؤسسات التي تحترم نفسها تصرّح بالأجور الحقيقية، ونحن في الضمان بصدد القيام بحملة تفتيش لمعرفة المؤسسات التي تصرّح بالأجور الفعليّة وتلك التي تصرّح بأجور أقل من التي تدفعها، لاسيما وأنّه خلال سنوات الأزمة ضاعت الطاسة، ولجأت مؤسسات إلى إدراج الزيادات تحت مسمّيات المساعدات الاجتماعية، أو وفق سعر صرف الدولار على 15 ألف ليرة. اليوم لم يعد هذا الوضع قائمًا، وصار بالإمكان معرفة نسبة الأجور في المؤسسات والشركات، من هنا سنبدأ عملية رقابة بهدف إلزام المؤسسات بالتصريح بالأجور الفعليّة".
حماية التعويضات في القوانين
تشريعيًّا، أّقر قانون التقاعد والحماية الإجتماعية نهاية عام 2023، ولكن وضعه موضع التنفيذ يحتاج إلى مراسيم تطبيقيّة. والإيجابية في القانون أنّه يحوّل التعويض إلى راتب تقاعدي مدى الحياة، "والراتب التقاعدي هو أفضل من تعويض نهاية الخدمة، وتختلف طريقة احتسابه عن تعويض نهاية الخدمة،وعلى المدى الزمني الطويل يصبّ في مصلحة المتقاعد".
اقتراح كرامي لانصاف المتقاعدين خلال سنوات الأزمة.
تعويض نهاية الخدمة يًعادل أجر شهر عن كل سنة خدمة، وفق المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي لعام 1963. وبقصد إنصاف الموظّفين الذين انتهت عقود عملهم خلال فترة الأزمة وقبل إجراء أيّ تصحيح على الأجور، تقدّم النائب فيصل كرامي باقتراح قانون "التسوية العادلة لتعويضات نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي" يقترح تعديل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي استثنائيًّا، بشكل يخفّض إلى حوالي النصف قيمة التعويض كما كانت تحتسب قبل العام 2019 بالنسبة إلى السنوات السابقة، وعلى أن يتحمّل صاحب العمل نسبة 44% والدولة نسبة 56% من مبلغ التسوية المستحق للمضمون. الاقتراح يُدرس في اللجان النيابية، بالتزامن لاقى اعتراض جهات عدّة، منها اتحاد النقابات العمالية للمؤسسات العامة والمصالح المستقلة، الذي أعرب عن رفضه تعديل قانون الضمان أو تعديل أسس احتساب تعويض نهاية الخدمة، لأنّه سيؤدي إلى تخفيض قيمة تعويضات نهاية الخدمة مستقبلًا للمضمونين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. كذلك رفضت اللجنة الفنية في الضمان الاجتماعي أيّ مسّ بقوانين الضمان الاجتماعي لناحية تعديل المادة 51، بما يهدّد الاستدامة الماليّة لنظام التقاعد المستقبلي، وطالبت بإقرار قانون استثنائي لإنصاف المتضررين الذين فقدت تعويضاتهم قيمتها،بشرط تحديد المستفيدين وتصنيفهم استناداً إلى معايير علميّة عادلة، وتسديد هذه التعويضات الاستثنائيّة من صندوق خاص، مع تحديد مصادر التمويل.
على طاولة اللجان النيابية اقتراحات مماثلة لتسوية معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة للعاملين في القطاع العام. ويبقى الأساس في تشريع يبحت عن التمويل ويجده، كي لا تبقى القوانين نصوصًا غير قابلة للتطبيق.