سجال الدولة والمفوضية: داتا اللاجئين حلّ لبنان لأزمة اللجوء؟
في آخر تصريحٍ له، أشار مدير عام أمن العام بالإنابة، اللواء الياس البيسري، لكون الخطط الجديدة لتنظيم الوجود السّوريّ في لبنان، تكمن في "تنظيم فئات النازحين السوريين وتطبيق القوانين اللّبنانيّة عليهم"، قائلًا: "لذلك، ما نقوم به حاليًا هو جمع داتا النازحين وتصنيفها لمعالجتها ولوضع استراتيجية وطنية موحدة بالتكافل والتضامن مع كل وزارات الدولة وإدارتها والمسؤولين فيها". ومعتبرًا أن المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين "أخذت دورًا كبيرًا يتجاوز صلاحياتها منذ بداية الأزمة في سوريا. والسبب برأيه، يعود إلى كونها كانت لوحدها في السّاحة تتعامل مع ملف النزوح. فكانت لديها حصرية التسجيل، لأن الدولة تقاعست عن دورها في ضبط النزوح، والسبب عدم وجود قرارٍ سياسيّ مُوّحد. وتحولت قضية النزوح إلى أزمةٍ سياسيّة تمّ إدخالها في الصراعات السّياسيّة الداخليّة".
وأضاف: "أما اليوم، فنحن أمام أمرٍ واقع نتعامل معه من باب المعالجة الحقيقية، كون "داتا" النازحين يجب منذ البداية أن تكون مطلبًا وطنيًّا وفعالًا لمعالجة أزمة النزوح، وأي معالجة لأزمة النزوح السّوريّ من دون "داتا" هو هراء وهرطقة، والمفوضية حصرت "الداتا" في يدها وأصرّت على عدم تسليمها على الرغم من الطلبات الرسميّة المتكرّرة بتسليمها، ليتبين وجود ضغط دوليّ لعدم تسليمنا الداتا مقرونًا بتهديدات مبطنة بوقف المساعدات، في وقت يعاني لبنان من وضع اقتصادي صعب ومن عبء النزوح الثقيل جدًا، الذي كانت ولا تزال تكلفته كبيرة جدًا وأكثر مما نتصور وأكبر من مساهمات المفوضية والدول المانحة على المعالجة".
مطلب الحصول على "داتا اللاجئين"
في حلقةٍ مُفرغة من "الحلّول المستحيلة" لإيجاد مخرج لمأزق اللجوء السّوريّ، وبحيزٍ يتضاءل تدريجيًّا، حشرت السّلطات اللّبنانيّة نفسها، من دون أن يكون لها أي مقدرة على الخروج من هذا التيه الذي تدحرجت نحوه. فكل مرة تُدرك فيها أن حلولها المتمثلة غالبًا بانتهاك قوانينها والقوانين الدوليّة، ترقيعيّة وبلا جدوى فعلية، تعمد إلى الخروج إلى الرأي العام، بتصريحاتٍ تصبّ في الصيغة المُكرّرة نفسها، لتقول أنها تعرضت لـ"غبنٍ" و"خذلانٍ" دوليّين، وأنها تحاول جاهدةً الصمود أمام المؤامرات السّاعية لتغيير صورة لبنان وديموغرافيته، وإزاحة العبء البشريّ الذي ينوء بحمله.
وفي جديد الحلّول هذه، الطلب مُجدّدًا من المفوضية تسليم بيانات اللاجئين، أو كما اُصطلح على تسميتها بـ"داتا اللاجئين". هذه البيانات الّتي سبق وسلمتها المفوضيّة وفقًا للمعايير الدوليّة لحماية البيانات والخصوصيّة، أي زودت السّلطات بالبيانات الأساسيّة والعامّة حول اللاجئين، العام الماضي. أما المفارقة، فإن السّلطات تعتزم الآن الطلب من المفوضية الحصول على داتا اللاجئين الشخصيّة، أي توقيت دخول هؤلاء، البلدات الّتي يتحدرون منها في سوريا وغيرها من البيانات الحساسة والتفصيليّة حول حياتهم، مثل أسباب لجوئهم وظروفهم أثناء اللجوء. كما وقد تشمل هذه البيانات معلومات حول وضعهم الأمنيّ والسّياسيّ في سوريا. والّتي قامت المفوضيّة بتسجيلها منذ تدفق اللاجئين أواخر العام 2011 ومطلع العام 2012 وصولًا للعام 2015 (أي عند صدور القرار الحكوميّ بوقف التسجيل).
وبرّرت المديريّة العامّة للأمن العام، في تصريح لها لـ"المدن" أن "طلب معلومات إضافية ومكمّلة لـ"الداتا" الّتي استلمناها هو لمعرفة من دخل إلى لبنان قبل العام 2015 ومن دخل بعد هذا التاريخ، لذلك نحتاج إلى تاريخ التسجيل في المفوضية. مع الإشارة إلى أن الحكومة اللّبنانيّة كانت قد طلبت في أواخر العام 2014 من المفوضية وقف التسجيل، لكن المفوضية لم تلتزم".
وتابعت المديريّة: "رفضت المفوضية إعطاء الداتا المكمّلة الّتي تجعلها قابلة للاستثمار، وقد تذرّعت بأن لديها مخاوف من استعمالها لترحيل السّوريين إلى بلادهم، كما تتذرّع بالوضع الاجتماعيّ والانسانيّ للنازحين وليس فقط بالوضع الأمنيّ أو السّياسيّ. هذا الأمر يجعل من ملف النازحين موضوعًا ثقيلًا وضاغطًا على كاهل اللبنانيين الذين ليس لديهم القدرة على تحمّل أعبائه، مع الإشارة إلى أن المديرية العامة للأمن العام كانت قد التزمت بعدم مشاركة البيانات الموجودة في الداتا مع أي طرفٍ ثالث استنادًا إلى القوانين الدوليّة المعمول بها".
أما عن طريقة استخدام هذه الداتا من قبل الأمن العامّ في حال الحصول عليها، فأشارت المديريّة لكون "هذه الداتا ستحدد من هو النازح الذي بحاجة فعليًّا إلى حماية "لأسبابٍ سياسيّة وأمنيّة" وبين النازح الذي يتذرّع بهما بينما في الحقيقة هو نازح "لأسباب اقتصادية"، وبالتالي يجب على النازح الاقتصاديّ الالتزام بالقوانين اللبنانية لجهة تشريع اقامته في لبنان أو العودة إلى بلاده".
طلب موارب؟
ويأتي هذا الطلب الحكوميّ والرسميّ، في ظلّ ازدياد المخاوف الإنسانيّة والحقوقيّة والدوليّة، بشأن عزم السّلطات اللّبنانيّة على إيجاد معبر مخاتل باستثمار مثل هذه البيانات، لحلّ أزمتها واستغلالها لهذه الداتا بما يصب بمصالحها وبطموحات الأسد، للعودة إلى السّاحة الدوليّة، كرئيسٍ شرعيّ لا مُجرم حرب، وإعادة تعويمه في دمشق (وهي تسعى لذلك فعليًّا وعلانيّةً). عوضًا عن الحلول والأحكام الرشيدة – المتمثلة باعتماد عملية تصنيف (Segmentation) دقيقة ومراعية للقوانين الدوليّة وللوضع الإنسانيّ للاجئين، فضلًا عن مسارٍ تشريعيّ وتنفيذيّ لإنجاح مثل هذه العملية المُعقدة أساسًا، مع الأخذ بالاعتبار أن الدولة لا تملك صلاحية إعطاء صفّة اللاجئ أو إسقاطها عن الأفراد، بل الأمر منوط بالقانون الدوليّ والعرف الإنسانيّ، حتّى لو كان الجانب اللّبنانيّ لم يوقع على اتفاقيّة اللجوء عام 1951. وقد أشارت "المدن" في عددٍ من التقارير والتحقيقات السّابقة، أسباب هذا التعقيد (الذي تتحمل السلطات مسؤوليته)، وناقشت الحلول المنطقية والعملية.. حيث يُصبح بانتظار العائدين إلى سوريا و/أو اللاجئين المُرحلين (ضمن الخطة المسماة بالترحيل الآمن)، مجموعة من قوائم الأسماء المُعدة سلفًا، من المطلوبين عند النظام، من نشطاء سياسيين ومعارضين، فضلاً عن المطلوبين لأداء الخدمة العسكريّة الإلزامية. وفي كلا الحالتين، لا تُحقق شروط العودة الآمنة، لجهة احتمال تعرض الشطر الأول لخطر التعذيب والاعتقال، والثاني لخطر العودة إلى الانخراط بالمقتلة السّوريّة.
وتقف المفوضيّة إزاء هذا المطلب، بموقف حرج، فالحال أنها قانونيًّا لا تستطيع تقديم مثل هذه البيانات الشخصيّة والتفصيليّة، إذ أنها بذلك تُخلّ بكل التزاماتها الإنسانيّة وبالقوانين الدوليّة الّتي تحمي هذه البيانات، خصوصًا أن الكشف عنها قد يُعرض آلافاً إن لم نقل مئات الآلاف من اللاجئين لخطر الانتهاكات الحقوقيّة، وتصبح كل دولة ممتعضة من لاجئيها قادرة على رفع المطلب نفسه.