بين الضغط العسكري والهراء السياسي: جبهة مضبوطة ورئاسة مفقودة
تعيش الساحة اللبنانية على وقع القلق من تطورين أساسيين: الأول هو إستمرار العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية، على وقع تهديدات إسرائيلية لا تتوقف بالذهاب إلى المواجهة الشاملة، أما الثاني فهو إستمرار حال المراوحة على المستوى السياسي، حيث بات من الواضح أن غالبية الأفرقاء المؤثّرين ليسوا في وارد الذهاب إلى تقديم أي تنازلات، تقود إلى إنتخاب الرئيس المقبل.
على الرغم من ذلك، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن المعطيات الراهنة تصبّ في إطار أنّ الأوضاع على الجبهة الجنوبيّة ستبقى مضبوطة، نظراً إلى عدم توفر أي رغبة حقيقية عند الجانبين، أي إسرائيل و"حزب الله"، في الذهاب إلى ما هو أبعد من المواجهات الحالية، بالرغم من أن تل أبيب تسعى إلى فرض أمر واقع جديد، يقوم على أساس التصعيد في عمليات الإغتيال التي تستهدف قيادات في الحزب، وهو ما سيتطلب رداً ردعياً من جانب الأخير.
بالنسبة إلى هذه المصادر المعادلة لا تزال على حالها، لناحية عدم توفر الغطاء الأميركي لذهاب تل أبيب إلى مواجهة مفتوحة، بالإضافة إلى قلقها من القدرات العسكرية المتوفرة لدى "حزب الله"، من دون تجاهل أهمية التهديدات الإيرانية، التي برزت في الأيام الماضية، لناحية التشديد على أنّ الحزب لن يترك وحيداً، فيما لو بادرت إسرائيل إلى خطوة من هذا النوع، وهو ما تأخذه واشنطن، على الأقل، بعين الإعتبار، وتدرك جيداً حجم التداعيات التي قد تترتب على ذلك.
بناء على ما تقدم، ترى المصادر نفسها أنّ الإتصالات الدبلوماسيّة، التي تتولى القيام بها كل من أميركا وفرنسا وقطر والّتي دخلت على خطها ألمانيا، ستساهم في إبقاء الأوضاع على هذه الجبهة مضبوطة، مشيرة إلى أن الذهاب إلى إتفاق بين إسرائيل وحركة "حماس"، حتى ولو لم يتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار، سيؤدي إلى تراجع حدة المواجهات جنوباً، الأمر الذي يعزز مسار الضبط، وهو ما كانت قد عبّرت عنه بعض الأوساط عن حصر المواجهات في رقعة جغرافيّة محدّدة، فيما لو لم يكن هناك من إمكانيّة لوقفها.
في هذا الإطار، توافق مصادر نيابيّة ناشطة على خط الإستحقاق الرئاسي، عبر "النشرة"، على هذه المقاربة للأوضاع العسكريّة، لكنها تشير إلى أنّ التداعيات الكارثية هي على الإنتخابات الرئاسيّة، حيث تغيب أيّ طروحات جدية على هذا الصعيد، خصوصاً أن الأفرقاء المحليين غير مهتمّين بالوصول إلى أيّ حل، بل على العكس من ذلك كل منهم لا يزال على مواقفه المتشددة، الأمر الذي يصعب من مهمة الوسطاء.
وتلفت هذه المصادر إلى أن من الناحية العملية، ليس هناك من وساطات فعلية في الوقت الراهن، حيث التركيز الدولي ينصب على منع خروج الأمور العسكريّة عن السيطرة، وهو ما بات العنوان الوحيد لكل الإتصالات التي تحصل، وتوضح أن القلق يكمن بأنه حتى ولو عاد الهدوء إلى الجبهات، فإن الجهات الخارجية الفاعلة منشغلة بملفات أكثر أهمية بالنسبة لها، وتضيف: "واشنطن عملياً دخلت مرحلة الإنتخابات الرئاسية، بينما باريس لا أحد يعرف الواقع الذي ستكون عليه، بعد الجولة الثانية من إنتخاباتها التشريعية".
في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ اللبنانيين أضاعوا فرصة الوصول إلى تسوية، على مدى الأشهر الماضية، ولا يمكن إنكار أنّ الحرب زادت من تعقيدات المشهد السياسي، لا سيما أنّ القوى المؤثّرة لم تدرك الحاجة إلى إنهاء الشغور الرئاسي، وتعتبر أنه ما لم تحصل مفاجأة كبرى، فإنّ هذا الإستحقاق من المستحيل أن ينجز في وقت قريب.