عملية جنين"المُركّبة":المقاومة تطور أساليبها بمواجهة الاجتياح الاسرائيلي
جاءت عملية جنين المُركّبة، والتي تمثّلت بتفجير مقاومين عبوة ناسفة بمدرعة إسرائيلية، ثم تفجير أخرى بقوات حاولت إنقاذ جنود مصابين في التفجير الأول، لتؤكد مسألتين: الأولى أن ميدان الضفة الغربية، وخاصة شمالها، يتصاعد دراماتيكياً رغم اقتحامات الاحتلال المكثفة، واغتيالاته جواً وبراً، واعتقالاته للفلسطينيين بالجُملة.
وأما المسألة الثانية، فهي أن المقاومة تواظب على تطوير أساليب المواجهة طردياً مع تصعيد الاحتلال أدوات قمعه.
أدوات متطورة
وأكدت مصادر محلية من جنين ل"المدن"، أن "كتيبة جنين" بالرغم من تلقيها ضربات إسرائيلية متلاحقة، إلا أنها تبنّت نهجاً منذ اللحظة الأولى، يقوم على تطوير أدوات المواجهة باستمرار، في مقابل تصعيد الاحتلال هجماته على جنين.
وجاءت عملية التفجير وسط تصعيد الاحتلال تدمير البنى التحتية بالمدينة ومخيمها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، بما يشمل تجريف الشوارع والأزقة، بحجة "تطهيرها" من العبوات الناسفة "المخفية"، وجعلها "آمنة" أمام المركبات العسكرية المُقتحِمة.
لكن المفاجأة بالنسبة للاحتلال، وفق ما أقرت به دوائره العسكرية، تمثلت في أن مقاتلي الكتيبة عملوا على تطوير أسلوب العبوات الناسفة، عبر صنعها بحجم أكبر، وزرعها بشكل أعمق أسفل الطرقات؛ لعدم كشفها من جهة، وجعلها أكثر قوة في تحقيق النتيجة المطلوبة من جهة ثانية.
وقال المراسل العسكري لتلفزيون"مكان"إيال عاليما إن ما حصل أكد أن"كتيبة جنين" تراقب جيداً أساليب عمل القوات الإسرائيلية، وأنها "نجحت في ابتكار طرق للتحايل على الجيش".
ووفق إفادات محلية ل"المدن"، فإن أصوات العبوات التي استخدمتها المقاومة في ليلة الاقتحام كانت أعلى من المعتاد، لدرجة سماع دوي انفجاراتها في بلدات بعيدة عن المدينة، وهو ما شكل مؤشراً على "تطوير الألغام".
وأضافت المصادر ذاتها أن الواقعة دلت على أن مَن زرع العبوات بهذه الطريقة، انتظر طويلاً القوات الإسرائيلية المقتحمة، وكان قريباً من المكان في سياق الرصد، وانتظار ساعة الصفر لتشغيل العبوات.
العبوات.. "معضلة متفاقمة"
واللافت أن العبوات باتت تشكل في الآونة الأخيرة تحدياً كبيراً للقوات الإسرائيلية المُقتحِمة لمناطق شمالي الضفة، وقد رصدت "المدن" إفادات مراسلين عسكريين إسرائيليين منذ أسابيع، تحدثت عن قلق إسرائيلي متنامٍ من تطور العبوات الناسفة في مدن الضفة ومخيماتها، لدرجة إقرار جيش الاحتلال بأن اقتحاماته باتت "محفوفة بالمخاطر" مقارنة بسنوات سابقة.
وتبرز العبوات كسلاح "مؤثر" في الميدان في السنتين الأخيرتين، بالنسبة ل"كتيبة جنين"، ومجموعات ناشطة في مناطق أخرى بالضفة، لكونه "أكثر نجاعة" في معركة غير متكافئة مع احتلال يمتلك قدرات عسكرية وتكنولوجية هائلة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بواقع معقد متمثّل بالضفة الغربية، نظراً لصعوبة اقتناء السلاح، واقتصاره على أسلحة رشاشة بسيطة بالحد الأقصى.
وظهر أن العبوات حلّت بديلا ل"الكوع" في المواجهة الحالية بالضفة الغربية، وهو عبارة عن عبوة محلية الصنع، تُلقى يدوياً، لكن تأثيرها ضعيف على المدرعات والمركبات العسكرية المصفّحة، وقد دأبت فصائل فلسطينية على استخدام "الكوع" خلال الانتفاضة الثانية قبل سنوات.
"جز العشب".. دليل أزمة
وفي السياق، ادعت وسائل إعلام عبرية أن الجيش الإسرائيلي اعتقل فلسطينيين من مناطق وسط الضفة وجنوبها خلال الأشهر الماضية، اتُّهموا بزرع عبوات ناسفة في أماكن متعددة، وهو أمر أدرجه محللون عسكريون في سياق "جهود عملياتية إسرائيلية" لمنع "انتشار عدوى العبوّات" إلى مزيد من محافظات الضفة.
وبينما يسعى الاحتلال من عملياته في جنين، تحديداً، إلى محاصرة نهجها المقاوِم، وعدم تمدده لمدن وبلدات جديدة بالضفة، فإنه سُجل استخدام عبوات فلسطينية بالاقتحامات الأخيرة مرات متعددة، ولو بوتيرة متفاوتة، وخاصة في طوباس ومخيم بلاطة بنابلس، لكن "عبوات جنين" بدت سلاحاً مُغايِراً، أسلوباً وتأثيراً، ما يجعلها مؤرقة أكثر للقوات الإسرائيلية.
وحاول الاحتلال تسويق دعايته بشأن تلقي كتيبة جنين "مالاً وخبرات عابرة للحدود"؛ لتمكينها من "صنع ألغام قوية"، ووصل الأمر به إلى تبرير اقتحاماته بأنها تأتي في سياق سياسة "جز العشب"؛ بدعوى ضرب المسلحين الفلسطينيين "كلما رفعوا رأسهم.. بغية منعهم من امتلاك خبرات وأدوات تؤهلهم لصنع قذائف صاروخية في غضون عام، وإطلاقها تجاه العمق الإسرائيلي"، بحسب مزاعم الاحتلال.
ويبدو أن ما سبق تروجه إسرائيل كدعاية موجهة للعالَم؛ لتسويغ استخدام أدوات قمع "أشد" ضد جنين وعموم الضفة بالأيام القادمة.
"كتيبة جنين".. متمددة؟
رغم هذا، تبدو "كتيبة جنين" وكأنها تتبنى نهجاً خاصاً في طريقة العمل في إطار المواجهة المتصاعدة، بل متمدداً حتى داخل المحافظة نفسها، فظهرت أيضاً كتائب لقرى وبلدات فيها، مثل "كتيبة كفر دان"، و"كتيبة قباطية"، و"كتيبة جبع".
وتباينت القراءات بشأن عدد أفراد "كتيبة جنين" في المدينة ومخيمها، إذ قدر البعض عددهم بالعشرات، وآخرون قدروه ب"مئات".. بيد أن ما ظهر محسوماً بمنظور مصادر "المدن"، هو أن استمرارية نشاط الكتيبة رغم الضربات الإسرائيلية، تعود إلى ثلاثة عوامل: أولاً اعتمادها عضوياً على هيكلية تضمن تعويض قادتها وعناصرها الذين يُغتالون أو يُعتقلون، وثانياً تطوير أدوات المواجهة على نحو دائم، وثالثاً تطوير قدراتها الأمنية بشكل يعيق المعرفة المسبقة للاستخبارات الإسرائيلية، بتكتيكات "الكتيبة" المستجدة.
ولعلّ واقعة تفجير "اللغمين بجنين" تؤشر إلى "حرب عقول" تجري بين "كتيبة جنين" والاحتلال، إذ أن الأخير اعترف بجهله طريقة عمل العبوتين، وما إذا كان ذلك عن بُعد، أو آلية أخرى.
وفي حال كان التشغيل عن بُعد، يبذل الاحتلال جهوده للإجابة على سؤال آخر، وهو: "إذا كان التحكم بالعبوتين جرى عن بُعد، فأين تمت عملية التشغيل؟".