باصات مدرسيّة قاتلة... نسرين ليست رقماً
شهدت مدينة طرابلس على مأساة حقيقية، تمثّلت بوفاة التلميذة نسرين عز الدين، ابنة الـ١٣ عاماً إثر سقوطها من فجوة داخل باص المدرسة الذي كانت بداخله أثناء عودتها إلى منزلها.
هذه الحادثة ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة إذا ما استمر الإهمال الرسمي وغياب الخطط الواضحة والفعّالة للسلامة المرورية في لبنان، لا سيما على مستوى النقل المدرسي. وبإمكان أي شخص أن يلاحظ الأوضاع المزرية للباصات المدرسية المتنقّلة بين المناطق وبعضها لا يصلح أصلاً للسير، فكيف الحال إذا ما كانت مخصصة للمدارس؟
اعتبر مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل ابراهيم أنه "منذ الأزمة الأخيرة بعد العام ٢٠٢٠ حصل تراجع كبير جداً على مستوى السلامة المرورية وخصوصاً على مستوى النقل المدرسي"، لافتاً إلى أن "الأقساط المدرسية أصبحت مرتفعة جداً ما يدفع بالأهل للبحث عن الأرخص، ولكن الأخطر بين وسائل النقل الى المدارس. ولهذا السبب نجد مثلاً بعض التلاميذ يستقلّون "التوك توك" أو الباصات الصغيرة، لا سيما في المناطق الشعبية كطرابلس والبقاع الأوسط وغيرها".
وقال ابراهيم، في حديث لموقع mtv: "الباص المدرسي هو الأغلى تكلفة في العام الدراسي وربما أغلى من القسط في بعض الحالات، نظراً لتكاليف البنزين والصيانة وغيرها، هذا إذا كانت تملكه المدرسة، التي يجب على إداراتها تعيين مراقبٍ لكل باص، كما تنص المادة الأولى من القانون الرقم 551/96، يراقب التلاميذ ويساعدهم في الصعود والنزول". وأضاف "أما المشكلة الأكبر فهي بالباصات الخاصة، التي لا تملكها المدرسة، أي "أوتوكار الحي" أو المنطقة، والذي يكون عادة أرخص ويقوم بنقل التلاميذ "كيف ما كان" من دون وجود أي مراقب. وهذه الباصات قد تكون غير مسجّلة وبلا تأمين وبلا الميكانيك المتوقف أصلاً".
"للأسف يلجأ الأهالي في المناطق الفقيرة الى هذه الباصات الرخيصة بغض النظر عن كل شروط السلامة المفقودة"، يقول ابراهيم، وهنا يأتي دور الرقابة لقوى الأمن وللبلديات المطلوب منها التدخل كما تقوم بدورها في ملف النازحين وسواه.
وهنا يستحضر ابراهيم التجربة التي قامت بها في السابق بلدية جبيل، التي منعت اي باص مدرسي من المرور في المدينة اذا كان غير مسجّل وغير مستوفٍ لرسوم الميكانيك وسائقه لا يملك الرخصة المناسبة، مشددة على أن يقلّ العدد المناسب من التلاميذ.
الأمور اختلفت، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي عززت التفلّت وأصبح كل شيء مباح في ظل الفوضى القائمة، كما يقول ابراهيم، لا سيما على مستوى النقل المدرسي في مختلف المناطق، وعدم وجود الرقابة. وهنا يكمن دور القوى الأمنية والسلطة المحلية، وهذه أيضاً من نتائج توقّف المعاينة الميكانيكية. كما يشير إلى مسؤولية سائقي الباصات، معتبراً أن محاسبة السائقين ضرورية كي يتعلّم الآخرون ويلتزموا بالقوانين لحماية الأطفال الذين يجب أن يكونوا أمانة لديهم.
ولكن ماذا عن الحلول؟
يقترح ابراهيم وجوب وضع خطة وطنية واضحة، وتطبيق القوانين التي تحمي التلامذة، وهذا دور مطلوب من وزارتي التربية والداخلية الغائبتين عن موضوع النقل المدرسي. ويحذّر قائلاً: "واقع التلاميذ في لبنان بخطر، ويجب تدارك هذا الموضوع خلال الصيف وعدم انتظار العام الدراسي المقبل ووقوع مأساة جديدة. وللأسف المخاطر ستكبر مع استمرار غياب المعاينة الميكانيكية للباصات كما المعاينة الذاتية وغياب تطبيق القوانين على النقل المدرسي".
الواقع المأساوي هذا لا يجوز أن يستمر، وعلى المعنيين ان يتحرّكوا على خط المعالجة، قبل وقوع ضحية جديدة، وكي لا تكون نسرين مجرّد رقم بين شهداء حوادث الطرقات في لبنان.