صندوق النقد يعود في أيلول.. مخاوف من "تبييض الأموال"والوعود بإعادة كامل الودائع غير واقعية
يعود وفد بعثة "صندوق النقد الدولي" برئاسة ارنستو راميريز، إلى لبنان في أيلول المقبل، بعدما أنهى جولة في الايام الماضية شملت رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري وعدداً من النواب والهيئات الاقتصادية.
عودة الوفد مجدداً مردها إجراء جولة جديدة من المشاورات وتقييم ما جرى إنجازه في الأشهر المقبلة، خاصة وأن بعثة الصندوق تشدد على استعدادها لمناقشة أي أفكار جديدة وبناءة يمكن الاستفادة منها لتطوير المقاربات المطروحة.
وبحسب مصادر مطلعة على لقاءات البعثة لـ"لبنان 24"، فقد جرى حض القوى السياسية على ضرورة إقرار التشريعات القانونية التي تتصل بالإصلاحات المالية وتحديداً قانون إعادة هيكلة المصارف وحل مشكلة الودائع، حيث اعتبرت البعثة أن الوضع ازداد سوءاً خلال الفترة الماضية على مستوى المؤشرات الاقتصادية والمالية رغم الإجراءات التي اتخدها البنك المركزي ووزارة المالية، وأنه في ظل عدم معالجة وضع القطاع المصرفي فإن لبنان آخد إلى التحول إلى ساحة لتبييض الأموال والجرائم المالية وهذا يهدد لبنان بوضعه على "اللائحة الرمادية" فإخضاع المعالجات المالية للمزايدات السياسية وتقاذف كرة المسؤولية هو الذي يعيق إقرار هذه التشريعات وأن معالجة هذا الموضوع من خلال توافق القوى على مقاربة وطنية يقطع الطريق على التملص من المسؤوليات والاتهامات المتبادلة. ونبه وفد صندوق النقد إلى ضرورة التفاهم مع صندوق النقد كمدخل لتلقف المساعدات المالية وجذب الاستثمارات الخارجية وأن على اللبنانيين مواجهة الحقائق إذ أن الوعود المتتالية بإعادة كامل الودائع أمر غير واقعي ويفتقد السبل إلى تحقيقه.
ولأن الافكار المطروحة لمعالجة مشكلة الودائع تعيد كامل الودائع للقسم الأكبر من المودعين (صغار المودعين) على قاعدة أن هؤلاء إما سيستفيدون من إعادة 100 ألف دولار وهو المبلغ المحمي من أي إجراءات إضافية، أو من مبلغ 50 ألف دولار وهو المبلغ المقرر من هيئة ضمان الودائع، فإن عدم إقرار القانون يعني عملياً عدم إعادة الودائع بأكملها، وهنا اعتبر الوفد أن لبنان بلد ينطوي على قدرات بشرية عالية وهذا يتيح له العودة بسرعة إلى حالة التعافي في ما لو أحسن المسؤولون التعاطي مع الأزمة.
ما يحمله صندوق النقد الدولي للبنان الدعم المالي المشروط في إطار تنفيذ إصلاحات اقتصادية محددة ويقدم تمويلاً طويل الأجل مع التركيز على الإصلاحات الهيكلية.كما أنه يقدم المساعدة الفنية والتدريب للدول الأعضاء لمساعدتها على تطوير سياسات اقتصادية سليمة وتعزيز مؤسساتها.
لكن، حصول لبنان على مساعدة صندوق النقد الدولي يتعين عليه، بحسب ما يؤكد المنسق العام لـ"التحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة في الصناعات الاستخراجية" مارون الخولي لـ"لبنان24" أن يظهر التزامه بتنفيذ الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي، إلا أن بعض المعنيين غير مستعجل على تنفيذ الخطة أو الاتفاق الأولي الذي عرضه على الصندوق. فالالتزمات اللبنانية ترتكز على تنفيذ إصلاحات كضبط أوضاع المالية العامة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتدابير مكافحة الفساد في الإصلاحات المالية والتركيز على خفض العجز الهائل في الميزانية من خلال خفض الإنفاق غير الضروري وتوسيع القاعدة الضريبية وزيادة الشفافية والمساءلة الحكومية في التعامل مع المالية العامة.
أما على مستوى إصلاح القطاع المصرفي فيجب الانطلاق، بحسب الخولي، من معالجة جبل القروض المتعثرة أو ما يعرف بالديون المعدومة التي تخنق المصارف اللبنانية، والعمل على إعادة رسملة النظام المصرفي لاستعادة الثقة والقدرة على الإقراض، والسعي لتنفيذ لوائح أكثر صرامة عبر تعاميم جديدة للمصرف المركزي أو عبر تعديل لقانون النقد والتسليف وتحسين الحوكمة لمنع الأزمات المستقبلية. وبالتالي يمكن اختصار إصلاح القطاع المصرفي بمعالجة القروض المعدومة وإعادة الرسملة وهما أمران أساسيان في الوقت الحاضر ويبقى في هذه الالتزمات تنفيذ تدابير تتعلق بمكافحة الفساد عبر إنشاء قضاء مستقل ومؤسسات فعالة لمكافحة الفساد والتحقيق في قضايا الفساد.
ويشدد الخولي على أن صندوق النقد الدولي لا يتسبب بشكل مباشر في الأزمة، ولكن التأخير في التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى تأخير القدرة على الحصول على التمويل الضروري والمساعدة الفنية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى بطء الانتعاش الاقتصادي، فهذا الامر حذرت منه كل الدول المانحة للبنان بحيث ربطت كل المساعدات المالية المخصصة للنهوض الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ولا يرى الخولي بأن مسالة تعديل برنامج صندوق النقد الدولي مستحيلة لا بل ممكنة بحيث أن أي برنامج ولو كان من قبل صندوق النقد الدولي هو قابل للتغيير او التعديل بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية المتغيرة، ولكن الغير قابل للتعديل هو الإصلاحات الأساسية مثل ضبط الأوضاع المالية ومعالجة الديون المعدومة والتي تبقى ضرورية.
إن اقتراب موعد استحقاق سندات اليوروبوندز في آذار 2025 يشكل قنبلة موقوتة للبنان بدون اتفاق مع صندوق النقد الدولي وستكون مفاوضات إعادة هيكلة الديون مع الدائنين أكثر صعوبة خصوصاً وأن وجود صندوق النقد الدولي كشريك دولي جدير بالثقة من شأنه أن يطمئن الدائنين وربما يسهل عملية إعادة هيكلة الديون بشكل أكثر سلاسة، وفي رأي الخولي فإن هذا التوقيت القريب سيدفع لبنان باتجاه تسريع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي خوفا من تداعيات احتكام حاملي السندات السيادية الدولارية إلى المحاكم في تقديم دعاوى للمطالبة بحقهم في فوائد هذا الدين .
إن ربط عوائد الودائع فقط بالإيرادات البطيئة المحتملة من مبيعات أصول الدولة هو أمر غير واقعي، يقول الخولي وهذا أمر سيادي على الدولة اللبنانية عدم التفريط به تحت اي حجة او سبب وبالتالي فان بيع اصول الدولة ممنوع ولكنني لا اعارض خصخصة القطاعات او ادارتها ولكن هذا الامر قد يستغرق سنوات لخصخصة الأصول وتحقيق دخل كبير.
الأكيد أن الطريق إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي والتعافي الاقتصادي في لبنان معقد ويتطلب نهجا متعدد الأوجه ويجب على الحكومة والمجلس النيابي أن يظهران التزاماً قوياً بقبول تنفيذ الإصلاحات وتفعيلها في حين تستطيع الجهات الفاعلة الدولية مثل صندوق النقد الدولي تقديم الدعم الحاسم، يقول الخولي، ويشكل تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاجتماعية العاجلة والاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل تحدياً بالغ الأهمية وبالتالي لن يتمكن لبنان من التغلب على الأزمة الحالية إلا من خلال جهد وطني موحد وقبول كامل لفكرة الاصلاحات ولمبادئ الحوكمة الرشيدة لوقف الانهيار والخروج من الأزمة ولمعالجة الأسباب الرئيسية الكامنة في تعطيل آليّات المساءلة والمحاسبة والإفلات من العقاب وغياب الحوكمة الديمقراطيّة وعدم الالتزام بالمعايير القانونية والشفافية.