الطروحات البرلمانيّة والحكوميّة حول اللاجئين: ماذا تريد السّلطات اللّبنانيّة؟
لبنان مرةً أخرى في خدمة النظام السّوريّ؟ هل تسعى الدبلوماسيّة اللّبنانيّة ومعها السّلطة التنفيذيّة بإشرافٍ ومباركة السّلطة التشريعيّة، لتحقيق مآرب الأسد وإعادة تعويمه سياسيًّا ودبلوماسيًّا وأمنيًّا في دمشق، أم تنحسر غاياتها على استجلاب المزيد من العطاءات الماليّة من الاتحاد الأوروبيّ والمانحين، في محاولة متعثرة لابتزازهما، وحسب؟ في السّياسة الدوليّة، أين يقف لبنان اليوم؟ وما هو حلّه العمليّ -المقبول دوليًّا وإنسانيًّا- لأزمة "اللجوء السّوريّ"؟ وماذا بعد مؤتمر بروكسيل الثامن؟
أسئلةٌ وغيرها الكثير، هي المطروحة حاليًّا على ساحة النقاش اللّبنانيّة، جلّها ينضوي تحت التساؤل الأبرز والمرتبط بالمستقبل المقترح لملف اللاجئين السّوريّين في لبنان، وتحديدًا في ظلّ التباس الرؤى الداخليّة والنقمة الشعبيّة المدفوعة بالاستنفار الرسميّ والتواصل والتعاون الفعليّ مع نظام الأسد من جهة، وواقع انسحاب ملف اللجوء إلى دوامةٍ مغلقة من التجاذبات والضغوط السّياسيّة "الغربيّة" وخصوصًا بتذبذب أوروبا (دول الاتحاد- أوروبا الشرقيّة) بين قطبين متعاكسين: إما الإحجام المُطلق عن التطبيع المجانيّ مع الأسد (ومنع لبنان عن ذلك، بتهديده بالعقوبات أو تقليص المساعدات)، أو الضغط على دول الاتحاد للتنسيق الأمنيّ على الأقلّ لتصنيف بعض المناطق السّوريّة بالآمنة وإعادة اللاجئين في أوروبا ولبنان والأردن إليها (بصرف النظر عن قرار الحلّ السّياسيّ الشامل 2254)، من جهةٍ أخرى..
الرؤية اللّبنانيّة
وإزاء كل هذا، يبدو مُلحًّا اليوم، الوقوف عند الرؤية اللّبنانيّة الرسميّة على وجه التحديد، وتفكيك المواقف الصادرة عنها والطروحات المُعقدّة تارةً والتبسيطيّة طورًا للمعضلة الحاليّة لأرشفتها وتفنيدها، ومساءلة أصحاب القرار والمعنيين وضمنًا أعضاء المجلس النيابيّ، الذين دخلوا مؤخرًا على خطّ المباحثات. وكذلك الطروحات قبيل الجلسة الوزاريّة للمؤتمر المنتظر، الأسبوع المقبل. علمًا أن "المدن" نشرت سابقًا، عدداً من التقارير الّتي أشارت فيها إلى شوائب الخطة الحكوميّة الداخليّة الموضوعة اندفاعًا وتهورًا، والأخرى المُعتزم نقلها إلى مؤتمر بروكسيل الثامن والّتي تتضمن طرح إعادة تقييم الوضع الأمنيّ في سوريا -هذا الطرح الذي تعاونت مع السّلطات القبرصيّة قائدة الحراك الأوروبيّ حاليًّا في بلورته- وتحويل المساعدات الأمميّة لدعم مشاريع "التعافي المُبكر Early Recovery" وتأهيل البنى التحتيّة (الخطة الّتي اعتمدها الأسد لابتزاز المجتمع الدوليّ في مشاريع إعادة الإعمار وتحقيق طموحاته بـ"سوريا المفيدة").
وعليه، تواصلت "المدن" مع مجموعة واسعة من النواب من مختلف الكتل النيابيّة، ما بعد الجلسة النيابيّة الشهيرة والّتي خلصت لقبول الهبة الأوروبيّة واستئناف الإجراءات الحكوميّة (وضمنًا تشريع التعاون مع الأسد)، لمساءلتهم عن كل ما ذُكر آنفًا، وعن دورهم في وقت هم عاجزون عن الإتيان بـ"حلٍّ برلمانيّ" نظرًا لحالة الانعقاد الدائمة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، وانتفاء دستوريّة أي تشريع مرتبط بشأنٍ آخر. وعن الرؤى المعتمدة وآرائهم بالطروحات الحكوميّة والنيابيّة، وتحديدًا طرح "لبنان القويّ" لترحيل اللاجئين، وعن طروحاتهم، وعن نظرتهم للقضيّة السّوريّة، والمصلحة اللّبنانيّة والسّوريّة في تنظيم ملف اللاجئين، وعن مدى انفتاحهم لمحاورة نظام الأسد، فضلًا عن المسار الأوروبيّ الحاليّ.
وجاءت المواقف كالتاليّ:
النائب إبراهيم منيمنة:
اعتبر منيمنة أن الواجب في هذا الوقت تحديدًا هو توخي الشفافيّة في التعاطي مع هذا الملف، وخصوصًا أمام الرأي العام اللّبنانيّ، وإن كان لبنان يستطيع التعامل مع بعض الزوايا بسلطته، لا يُمكن إنكار أن الزاوية الأهم والأكبر منوطة بنظام الأسد الذي لا يرغب بالمرتبة الأولى باستقبال اللاجئين، ويسعى إلى استثمارهم في عملية المقايضة الدوليّة. وقال منيمنة في حديثه إلى "المدن": "دورنا اليوم، هو تنفيذ استراتيجيّة معينة لتنظيم الوجود السوريّ من جهة المقيمين ومن جهة اللاجئين المحميين بموجب القانون الدوليّ، والشعبين اللبنانيّ والسوريّ ضحايا، وواجب لبنان أن يُنظم اللجوء. أما الطروحات والمزايدات فهي طروحات لاإنسانيّة وشعبويّة".
أما بما يتعلق بالانفتاح أو التواصل اللّبنانيّ- السّوريّ، فيشير منيمنة: "اليوم، بإمكان الحكومة الحديث مع كل السفارات، وأساسًا هناك وزارء من الطرفين اللبناني والسوري، يقومون بزيارة بعضهم البعض، وهناك علاقات بالفعل، فلماذا لا يتمّ النقاش بشكل جديّ وواضح؟ إلا إذا كان هناك بعض الأفرقاء اللّبنانيين، يحاولون استعمال هذا الملف لرفع العقوبات عن النظام السّوريّ وقالوها صراحة، ولسنا في موضعٍ يستدعي الدفاع عن أي نظام. الآن نحن ملزمون بالسكّان والمواطنين، ولسنا مسؤولين عن عقوبات غيرنا".
وعلّق منيمة على الحملة الشعبيّة والأمنيّة: "نحن نتفهم غضب الناس، وإحساسهم بالتهديد. ولا شك أن هناك ضغطًا كبيرًا على لبنان، وأن عبء اللاجئين ضاغط جدًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا وديمغرافيًّا. لكن لا يمكن تناسي التحريض الشعبويّ الذي قد يؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها. ويبقى السؤال، كيف يتمّ التعامل مع هذا الملف؟ بالشعبويّة أو بمقاربته بصورةٍ علميّة وعمليّة؟ ونحن نعلم أن الدول الأوروبيّة تعمل بمصلحتها، لكن واجبنا تعلم كيف نستثمر هذه المقاربة الأوروبيّة بما يصب بمصالحنا الوطنيّة، ونحاجج بشروطنا ونفرض الحصول على المساعدات الّتي هي من واجب المجتمع الدوليّ. لكن الاكتفاء بالمزايدة، وعدم الالتزام بالمعايير الدوليّة ولا نضبط الحدود، ونحاجج من دون وضع خطة.. فهذا ليس بحلّ". أما بالقضية السّوريّة، فاعتبر منيمنة أن لا جديد يُذكر والأمور لا تزال على حالها، ولا يزال النظام يتعاطى بالأسلوب نفسه من دون إعادة النظر في المرحلة السّابقة.
وفي سياقٍ متصل أكدّت النائبة بولا يعقوبيان لـ"المدن" على مواقفها السّابقة الّتي طرحتها في الجلسة النيابيّة.
النائب بلال عبدالله عن كتلة اللقاء الديمقراطيّ (الحزب التقدميّ الاشتراكيّ):
أما عن الرؤية الّتي طرحها اللقاء الديمقراطيّ، لمعالجة الملف، فتمثلت بالورقة الّتي تمّت مناقشتها مع رئيس الحكومة ومجلس النواب، فعاد وأكدّ عليها النائب بلال عبدالله، مشيرًا لكون المعالجة تبدأ بتصنيف جميع السّوريّين المتواجدين على الأراضي اللّبنانيّة، وتكثيف المفاوضات مع المجتمع الدوليّ والمفوضيّة الأوروبيّة لإعادة اللاجئين، وإن كان هناك من الضرورة للتواصل مع الجانب السّوريّ لهذه الغاية.
وحسب عبدالله، فإن التوصية الّتي خرج بها المجلس النيابيّ جاءت بعد نقاشات مطولة وموسعة في هذا الشأن، مع كافة الكتل النيابيّة، وتمّ النقاش بكل الطروحات، قائلًا: "كانت واضحة المسؤولية الكبرى على الحكومة بهذا الملف، لكن أعتقد أنه يجب على كل القوى السّياسيّة أن تُسلح الحكومة بموقف وطنيّ موحد، وهذا جوهر النقاش، بعيدًا عن المزايدات الشعبويّة والمنحى العنصريّ الذي سلكه الملف. هناك عبء في وجود اللاجئين، ويجب مقاربته إنسانيًّا لا شوفينيًّا على قاعدة "المصحلة الوطنية الوجوديّة تفرض إعادة هؤلاء إلى بلادهم".
أما عن الطرح "لبنان القويّ" وتعليقه عليه، فاعتبر عبدالله أن لا حاجة لقوانين جديدة، وهناك قوانين مرعية الإجراء، وهناك مرسوم يرعى هذه المسائل، ولبنان ليس بلد لجوء ولا نزوح بل هو بلد عبور: "أعتقد أن لبنان ليس بحاجة لمزيد من القوانين بل بحاجة إلى إرادة سياسيّة جامعة تقتضي البدء بوضع خريطة طريق لإعادة المقيمين غير الشرعيين إلى بلادهم وفصل من هو عامل ومن هو لاجئ سياسيّ وأمنيّ..، وإعادة الأخيرين منوطة بالتزام النظام السّوريّ بحماية أمن هؤلاء، وليس لدينا مانع في عودة اللاجئين إلى مناطق خارج نفوذ النظام".
أما عن انفتاحهم على التواصل مع نظام الأسد فقال عبدالله: "المسألة ليست مسألة انفتاح، رأينا أن النظام السّوريّ يعتمد ورقة اللجوء السّوريّ كورقة ضغط على المجتمع الدوليّ، لتأمين شرعيته بعد ما أخذ جزء من الشرعيّة العربيّة، ويطالب بشرعيّة دوليّة وأموال لإعادة الإعمار". مضيفًا: "وللتواصل كلفنا الحكومة اللّبنانيّة، وهناك في لبنان انقسام على الموقف من النظام، وهناك حلفاء للنظام. وهذا يُرتب عليهم مسؤوليّة إضافيّة لمؤازرة الحكومة، أما الجانب الذي يُخاصم الجانب السوريّ ونحن ضمنه، فرفعنا تحفظنا عن تواصل الحكومة بشكل مسؤول ومباشر بما يصب بالمصلحة اللّبنانيّة". أما الحديث عن المليار يورو، فاعتبرها أنها ليست برشوة بل هي دعم، واعتبر أن الحكومة يجب أن تطالب بأموال أكثر للبيئة الحاضنة، وتعويض لهؤلاء السّوريّين لإعادة بناء منازلهم في سوريا وتسهيل عودتهم.
النائب ياسين ياسين:
هذا واعتبر النائب ياسين ياسين أن الدور الأساسيّ في لبنان هو: "الضغط على المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه هذه المعضلة. كما يجب علينا التعامل مع هذا الملف بموضوعية وبموقف وطني لبناني وليس من باب الموقف مما يجري في سوريا، العمل بشكل جدي على إعادة اللاجئين غير الشرعيين إلى سوريا"، واستطرد: "مع الأسف لغاية الآن ومنذ بداية هذه الأزمة لم تتعامل الحكومات المتعاقبة بجدية تجاه هذه القضية، حيث كانت تقاربها وفق الرؤى السياسية لكتلها النيابية وما يخدم مصالحها وليس المصلحة الوطنية، نرجو أن نصل اليوم إلى رؤية وطنية صحيحة تعالج هذه المشكلة، من منطلق وطني انساني يخدم المجتمع اللبناني أولاً، ويضع حلاً لهذه الأزمة وانهاء مشكلة الوجود السوري وبشكل آمن".
وتعليقًا على طروحات "لبنان القوي" وغيره، قال ياسين: "كتلة لبنان القوي تتناغم مع بعض الكتل وفق ما يخدم موقفها وأهدافها وما يخدم بيئتها. موضوع الوجود السوري يهم كل اللبنانيين ونتمنى أن يصاغ قانون موضوعي ليس خاصاً فقط بالوجود السوري، وانما يؤكد على أن لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء، وبذلك نكون لسنا بحاجة لقانون خاص لترحيل السوريون فقط، إنما ترحيل أي شخص وجوده غير شرعي في لبنان". معتبرًا أنه مع العودة الآمنة للاجئين.
وعن الانفتاح اللّبنانيّ على نظام الأسد أشار النائب، أنّ التواصل الرسميّ خجول جدًا، ولكن "ما نسمعه الآن أن هناك لقاء على مستوى عالٍ بين الجانبين على هامش القمة العربية، ونتمنى أن يكون محور هذا اللقاء هو بداية الحل لمشكلة الوجود السوري في لبنان". وتعليقًا على الهبة الأوروبيّة قال النائب: "الاتحاد الأوروبيّ يسعى إلى تقييد الهجرة غير الشرعية عبر تقديم مليار يورو للبنان، مما يهدف إلى تخفيف الضغط عن الأراضي الأوروبية، ولا يهتم بالأضرار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والديمغرافية والوجودية التي يتكبدها لبنان نتيجة لهذه الهجرة. حيث تناولت جريدة Le Monde أيضًا الأهداف السياسية لهذه المساعدة في الانتخابات المقبلة في أوروبا، كتكلفة لدعم لبنان في استضافة النازحين. فهل يعرف أحد كيف تم تقديرها أو احتسابها مقارنة بالدول المجاورة لسوريا التي تتلقى مبالغ أعلى بكثير؟"
تأكيد مواقف وتحفظ
والجدير بالذكر، أن "المدن" تواصلت مع مختلف الكتل النيابيّة وقلّة هي الّتي تفاعلت مع أسئلتها، أما أخرى ففضلت التحفظ مع التأكيد على مواقفها كالقوات والتيار الوطنيّ الحرّ، أما نواب الثنائيّ وخصوصًا حزب الله الذي كان مشاركًا في حرب البيانات والمزايدات والتهديدات، فلم يقوموا بالردّ على هذه الاستفسارات.
بعثة الاتحاد الأوروبيّ
وفي وقتٍ يرى فيه المراقبون أن الطروحات والإجراءات (الترحيل القسريّ) الرسميّة اللبنانيّة تلتف حول المعضلة الأساسيّة، وهي أن نظام الأسد لم يُبدِ حتّى اللحظة أي استعداد لاستقبال اللاجئين. بل كل النقاش الرسميّ يتفادى الخوض في عمق المسألة، وهي أن الأسد وحلفاءه في لبنان يستثمرون بالحراك السّياسيّ لإعادة تعويمه في الساحة الدوليّة.
ولمعرفة موقف بعثة الاتحاد الأوروبيّ في لبنان إزاء الجدال الحاصل، تواصلت "المدن" مع البعثة التّي أكدّت أنها "ترى من الأهمية بمكانٍ ما أن تتبع العودة الطوعية الإجراءات القانونية الواجبة، وهذا يشمل مشاركة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ونرحب بالتزام الحكومة اللبنانية المستمر بمبدأ عدم الإعادة القسرية"، أما عن موقفها من التواصل مع الأسد فشدّدت على أن "السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي يتمّ تحديدها بين الدول الأعضاء الـ27 ، على أساس توافق الآراء. لم يتغير موقف الاتحاد الأوروبي من التطبيع مع النظام السوري. وإلى أن ينخرط النظام بشكل هادف في حل سياسي للصراع بما يتماشى مع القرار 2254، لن يمضي الاتحاد الأوروبي قدما في التطبيع". وفضلت البعثة عدم التعليق على سؤال "المدن" بما يتعلق بحالة "الفورة الشعبيّة والسياسية التي يشهدها لبنان إزاء اللاجئين"، وقالت:" هناك عدد لامتناهٍ من وجهات النظر المختلفة حول هذا الموضوع، ولا دور لنا في التكلم باسم الشعب اللبناني".