"الخماسية" للبنانيين: انتخاب رئيس ضروري والكرة في ملعبكم!
قد يكون البيان الذي أصدرته السفارة الأميركية في عوكر، عن مضمون الاجتماع الذي عقده سفراء المجموعة الخماسية، أي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ودولة قطر وجمهورية مصر، في مقرّ السفارة في عوكر، أكثر من "حيوي" على خطّ الجهود التي بذلها السفراء في الآونة الأخيرة، ولا سيما أنّه يشكّل في مكانٍ ما، "خلاصة" اللقاءات التي عقدوها مع الكتل السياسية اللبنانية الكبرى.
صحيح أنّ ما ورد في البيان في غالبه الأعمّ، "يؤكّد المؤكّد"، إن جاز التعبير، لجهة التشديد على أهمية انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن، للكثير من الأسباب والاعتبارات، وعلى رأسها أنّ لبنان "يحتاج ويستحق رئيساً يوحد البلد ويعطي الأولوية لرفاهية مواطنيه"، وفق ما جاء في البيان، لكنّ الصحيح أيضًا أنّه يكرّر رمي الكرة في ملعب القوى السياسية اللبنانية، المتّفقة بحسب البيان على "الحاجة الملحّة" إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
لا يكتفي بيان السفارة الأميركية بذلك، بل يتحدّث عن "استعداد" هذه الكتل، بنتيجة الاتصالات التي جرت معها، للمشاركة في أيّ جهد متصل لتحقيق هذه النتيجة، ويتحدّث صراحةً في هذا السياق عن "مشاورات محدودة النطاق والمدّة"، ويسمّي مبادرة "كتلة الاعتدال" في الاسم، في معرض الحديث عن الجهود المستمرّة، فكيف يُقرَأ هذا البيان في السياسة، وهل يفتح الطريق أمام الانفراج أم التعقيد، وقبل هذا وذاك، كيف يمكن أن يتلقّفه مختلف الأطراف؟
شقّان أساسيّان
في إطار قراءة البيان الصادر عن سفراء "الخماسية"، يتحدّث العارفون عن "شقّين أساسيَّين" يمكن الوقوف عندهما، أولهما حرص السفراء على إعطاء انطباع "إيجابي" عن الاجتماعات التي عقدوها على مدى الشهر الماضي مع الكتل السياسية الكبرى، بدليل تلميحهم إلى وجود "اتفاق ضمني" بين مختلف الأفرقاء على وجوب إنجاز الاستحقاق في أقرب وقت ممكن، وهو ما أقرنوه بإبداء "الاستعداد" للانتقال إلى خطوات ملموسة، تترجم النوايا الحسنة.
أما الشقّ الثاني الذي برز واضحًا في بيان السفارة الأميركية عن اجتماع السفراء، فيكمن في تفصيله الدوافع التي يفترض أن تعجّل بانتخاب الرئيس، من دون أيّ غموض أو التباس، ومن بينها ما يتكرّر منذ فترة على ألسنة الكثير من المسؤولين الغربيين، عن أنّ انتخاب الرئيس أساسيّ "لضمان وجود لبنان بفعاليّة في موقعه على طاولة المناقشات الإقليمية، وكذلك لإبرام اتفاق دبلوماسي مستقبلي بشأن حدود لبنان الجنوبية".
وبين "الإيجابية" في التعاطي مع الأفرقاء باختلاف توجّهاتهم، و"الحزم" الذي يؤكد أنّ انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد أضحى ضرورة داخلية وخارجية، يتضمّن البيان أيضًا ما يمكن اعتباره "خريطة طريق" إنجاز الاستحقاق، وإن كانت بمجملها "تجميعًا لأفكار سابقة"، من بينها الذهاب إلى مشاورات "محدودة" للاتفاق على مرشح متّفق عليه أو قائمة قصيرة من المرشحين، يذهب النواب بموجبها إلى جلسة انتخابية "مفتوحة" مع جولات متعدّدة، حتى انتخاب رئيس.
هل تتحقّق المشاورات؟
في المبدأ، قد لا يكون ما يطرحه سفراء "الخماسية" في بيان السفارة الأميركية جديدًا، فهو ما قامت عليه العديد من المبادرات التي طُرِحت سابقًا، بدءًا من المبادرة الحوارية الشهيرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري التي اصطدمت بتحفّظات واعتراضات، وصولاً إلى النسخة "المحدّثة" عنها، التي حملت اسم كتلة "الاعتدال الوطني"، والتي جُمّدت بدورها، على وقع تفسيراتها المتناقضة، بعدما حاول كلّ طرف "تفصيلها على قياسه"، إن جاز التعبير.
مع ذلك، ثمّة "جديد" يمكن اعتباره "نوعيًا" في مقاربة مجموعة "الخماسية"، بحسب ما يَشي بيانها، يتمثّل في الإشارة المبطنة في ختام البيان إلى استعداد "لتشهد أو تيسّر" المشاورات السياسية المقترحة، وفي ذلك رسالة "ضمنية" للمتحفّظين على الحوار أو التشاور، بذريعة أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، المفترض أن يدير الحوار، هو "طرف" وليس "محايدًا"، ما قد يشكّل محاولة من جانب "الخماسية" لتذليل هذه "العقبة"، إن كانت النوايا الصادقة.
ولعلّ الأهمّ من هذه النقطة تحديدًا، يكمن في أنّ حديث "الخماسية" عن المشاورات، وبالتالي دعم مبادرة "الاعتدال" تحديدًا، أو غيرها من الوساطات التي تندرج في الخانة نفسها، يمثّل بحدّ ذاته "تبنّيًا" لهذا المنطق من جانب الدول الخمس، بعدما قيل سابقًا إنّ جزءًا من هذه الدول يرفض فكرة الحوار من أساسها، وبالتالي فإنّ هذه الدول تظهر بموجب هذا البيان، في موقف "موحّد" يحثّ اللبنانيين على المضيّ إلى الأمام في هذا المسار، حتى النهاية.
الأساس في بيان "الخماسية" أنّه بمعزل عن كلّ التفاصيل التي أحاط بها، يؤكد على "الثابتة" التي لا غنى عنها، وهي أنّ الكرة في ملعب اللبنانيين أنفسهم، وأنّ عليهم المبادرة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل فوات الأوان. وإذا كان صحيحًا أنّ الأفكار التي يحملها البيان "مكرّرة" بشكل أو بآخر، فإنّ الصحيح أيضًا أنّ رسالة المجتمع الدولي للبنانيين واضحة ولا تحتمل اللبس، ليبقى السؤال: هل يتلقّفها الأطراف المتخاصمون، ورافضو الحوار؟!