"يديعوت أحرونوت": عندما يقول السنوار نعم
نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية مقالاً لناحوم برنياع، وهو معلّق سياسي إسرائيلي بارز، تحدّث فيه عن أزمة "إسرائيل" في الخروج من المعركة في ظل عدم وجود خطّة لذلك منذ بداية الحرب. ورأى في مقاله أنّ رد يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في غزة، على المقترح الأخير يضلل "إسرائيل" ويضعها في جولة أخرى من المناقشات الداخلية المنهكة للأعصاب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
ربما يضللنا السنوار، فهو يعلم أنّ الحكومة الحالية لا يمكنها الموافقة على الاقتراح الذي صاغه. ومن أجل إرضاء الأميركيين، قد ترسل "إسرائيل" وفداً تقنياً إلى القاهرة، وهذا مهم أيضاً لنتنياهو في الجبهة الداخلية، إذ إنّه في الوضع الناشئ، لا يمكنه تحمّل أن ينظر إليه على أنه ينسف اتفاقاً ويتخلّى عن المخطوفين، ولا يمكنه تحمّل أن يُنظر إليه على أنه شخص مستعد للاتفاق ويخون شركاءه من اليمين.
السنوار ليس غبياً، فالاقتراح المضاد الذي صاغه يُدخل "إسرائيل" في جولة أخرى من المناقشات الداخلية المنهكة للأعصاب، مع أسرى يتعفنون في الأسر، وعائلات في حيرة، وحكومة مذعورة ومنقسمة غارقة إلى رقبتها في شكوك متبادلة، وقيادة أمنية محطمة وضعيفة. يبدو أنّ السنوار معني بالوصول إلى المحطة النهائية، أي إلى اتفاق، لكن لا يقل عن ذلك استمتاعه بما يفعله بنا على طول الطريق.
وقالت الإسرائيلية يوخكا ليفشيتس في الليلة التي أطلق فيها سراحها من الأسر في غزة إنّ "السنوار لقننا درساً.. ولا يزال يلقننا درساً بنجاح كبير".
بالأمس، تحدث بايدن ونتنياهو هاتفياً. ليس من الصعب تخمين ما تحدثا عنه. وعد نتنياهو بأنّ العملية في رفح ستكون هامشية ومحدودة، "رفح لايت"، واقترح بايدن أن يكتفي بـ"رفح زيرو".
يمكن للمرء أن يفهم لماذا يدعم الكثيرون في "إسرائيل" العملية العسكرية في رفح، إذ إنّ تفكيك الكتائب الأربع المتبقية سيمنحها شعوراً بأنّ المهمة أنجزت: كانت هناك 28 كتيبة، وتم تفكيكها جميعاً، لكن هذا وهم وكذب.
لكن كما تعلمنا في جميع حروب "إسرائيل"، وبزخمٍ أكبر في حرب غزة، فإنّ ما يخطط له "الجيش" الإسرائيلي وما يحدث على الأرض هما قصتان منفصلتان، والدخول البري إلى خان يونس هو مثال مفيد من الماضي القريب، إذ كانت الخطة هي مهاجمة الغلاف، وخصوصاً الأحياء الشرقية، والاكتفاء بذلك، لكن عندما يتعرض الجنود الذين يدخلون المنطقة للهجوم، يجب إرسال قوات للقضاء على مصادر النيران، وإلا فإنّ وجودهم هناك سيكون غير آمن.
هكذا، من حي إلى آخر، دخلت القوات الإسرائيلية المدينة ومحيطها. كان الثمن قتلى وإصابات من جانبنا، والمراوحة المستمرة على الأرض، وأضراراً شديدة للسكان المدنيين، وهزيمة في الصراع من أجل الرأي العام في الغرب. واليوم، تعود حماس إلى الأماكن التي استولى عليها "الجيش" الإسرائيلي بدمائه في خان يونس، تماماً كما تعود إلى شمال قطاع غزة ومخيمات الوسط.
منذ الأسبوع الأول من الحرب، حذّر عسكريون سابقون وحاليون من أنّ نتنياهو ليست لديه استراتيجية خروج من الحرب. لنفترض أنّنا نجحنا في الاستيلاء على محور فيلادلفيا بثمنٍ دموي منخفض نسبياً. ماذا سيحدث بعدها؟ لمن نترك ما قمنا باحتلاله؟ باستثناء عدة "سموتريتشيين"، لا يريد أحد في "إسرائيل" أن يخدم وأولاده في حكم عسكري في غزة. إذاً ماذا؟ إنّ إرسال مقاتلين إلى المعركة من دون خطة لليوم التالي للمعركة هو تسيّب يجب عدم التسليم به.
ولنفترض أنّ السنوار يضللنا، فهو يعلم أنّ الحكومة الحالية لا يمكنها الموافقة على الاقتراح الذي صاغه. ومن أجل إرضاء الأميركيين، قد ترسل "إسرائيل" وفداً فنياً إلى القاهرة، وهذا مهم أيضاً لنتنياهو في الجبهة الداخلية: في الوضع الناشئ، لا يمكنه تحمل أن ينظر إليه على أنّه ينسف اتفاقاً ويتخلى عن المخطوفين، ولا يمكنه تحمّل أن ينظر إليه على أنه شخص مستعد للتوصل إلى اتفاق ويخون شركاءه في اليمين.
إنها ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الجناح الخلاصي في الحكومة ووسائل الإعلام الإدارة الأميركية بكل مشكلاتنا. بالفعل، أميركا تضغط. البيت الأبيض أوضح بهدوء لنتنياهو أنه إذا أمر بعملية واسعة النطاق في رفح فسوف يُفرض حظر على شحنات الأسلحة إلى "إسرائيل". في بداية الحرب، وعد بايدن بأنه سيقف إلى جانبنا في الحرب ضد حماس. والآن، يعدهم من وراء ظهرنا.
ينتحب متحدثو اليمين، وينسون أنّ هذا العقد موقع من طرفين. لقد وفى الأميركيون بجميع التزاماتهم، بما في ذلك 14 مليار دولار من المساعدات العسكرية والدفاع عن "إسرائيل" ضد الصواريخ الإيرانية والاحتجاجات في الجامعات، لكن في المقابل لم تفِ "إسرائيل" بالتزاماتها: بعد 7 أشهر، أصبحت عالقة في غزة، وفي لبنان أيضاً. هذه ليست "إسرائيل" التي تجنّد بايدن لمساعدتها.
أمس، في أحد احتفالات يوم ذكرى "المحرقة"، قارن نتنياهو عدد الذين لقوا حتفهم في "المحرقة" بعدد القتلى في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقال: "المذبحة في المحرقة تعادل 5000 مرة مذبحة 7 تشرين الأول/أكتوبر". ما الذي يريد نتنياهو أن يقوله لنا؟ إنّ مسؤوليته عن كوارث الشعب اليهودي أقل من مسؤولية هتلر؟ ألا يخجل؟ كلا، إنّه لا يخجل.