كارثة المطعم في بيروت: كيف انفجر وماذا كشفت التحقيقات
يمكن اختصار حادثة انفجار مطعم الوجبات السريعة في منطقة بشارة الخوري، والتي نجم عنها مقتل تسعة أشخاص، بكلمة واحدة فقط: "الإهمال". حيث أنه وبعد توسع التحقيقات القضائية ومعاينة مكان الانفجار، بدأت المعطيات تتضح أمام القضاء المختص، ليتبين أن معايير السلامة لم تكن مطبقة في هذا المطعم.
مطاعم غير مرخصة!
وحسب المعلومات القضائية التي حصلت عليها "المدن"، فإن مطعم "pizza secret"، لم يكن مرخصًا، بل اكتفى صاحبه بتسجيله كمؤسسة تجارية، لذلك قرر المحامي العام الاستئنافي، القاضي زاهر حمادة، توقيف صاحب المحل (و.م)، ومدير المطعم (م.ل) (وهو من التابعية السورية الذي تبين لاحقًا أنه يحمل إقامة غير مجددة أيضًا). ووفقًا للمعلومات، فقد صرّح صاحب المطعم بأنه سبق وأن تقدم بطلب للحصول على رخصة للمحل، إلا أن المعطيات تؤكد بأن المطعم ليس مرخصًا.
وبعد وقوع الانفجار واندلاع الحريق داخل المطعم، وتضرر المباني المجاورة، توجه القاضي زاهر حمادة للكشف على المطعم، وباشر بالتحقيقات القضائية الموسعة، للتأكد من توفر جميع معايير السلامة العامة، وللإطلاع على الرخص الرسمية التي تبيح لأصحاب المطعم استعمال المطعم والفرن. وحسب المعطيات القضائية الأولى، فلا وجود لمخرج للطوارئ داخل المطعم، ولم تتوفر أي إجراءات وقائية أو تدابير للوقاية من الحرائق، ولا وجود لأدوات إطفاء الحرائق في حال اندلاعه داخل المطعم، ولا أجهزة إنذار من الحرائق.
الموت اختناقًا
ومع انتشار الكثير من المعلومات حول الأسباب التي أدت إلى انفجار المطعم، تؤكد المصادر القضائية الرفيعة لـ"المدن" أن القضاء اللبناني استمع لخبير متخصص بالحرائق، وهو بانتظار التقرير النهائي الذي سيسلم للقاضي حمادة. إذ تبين بأن هناك شركة خاصة لبيع قارورات الغاز كانت متواجدة داخل المحل، وتسربت مادة الغاز فجأة واندلع الحريق داخل المطبخ، فهرب جميع الموظفين إلى الطابق السفلي (وهو عبارة عن مستودع صغير وغرفة) للإختباء بداخل الغرفة الصغيرة، وأغلقوا الباب عليهم خوفًا من وصول النار إليهم، لأنهم لم يتمكنوا من الخروج من الباب الرئيسي، فاختنقوا داخل الغرفة وماتوا.
ووفقًا لمعلومات "المدن"، فإن تسعة موظفين ومن بينهم بعض الموظفين التابعين لشركة الغاز الخاصة، ماتوا اختناقًا داخل الغرفة ووجدت جثثهم مطروحة على الأرض بعد إطفاء الحريق. وهناك 3 جرحى فقط، من بينهم أحد عناصر فوج الإطفاء الذي اختنق خلال محاولته إطفاء الحريق، ونُقل إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم. وهو بحالة صحية مستقرة. كما أن أحد المارة في الشارع أصيب من الانفجار وهو بحالة مستقرة أيضًا. وموظفة تابعة للمطعم اختنقت، ولكنها أُنقذت في اللحظات الأخيرة، لأنها لم تكن متواجدة داخل المطبخ.
وللتوسع بالتحقيقات، فقد جرى استدعاء صاحب شركة الغاز الخاصة للتحقيق معه، وللكشف على بوليصة التأمين الخاصة بالشركة.
أما بما يتعلق بالضحايا، فأكدت المصادر القضائية أن العدد النهائي هو تسعة قتلى (ثلاثة موظفين من التابعية السورية، موظف مصري، وخمسة موظفين يحملون الجنسية اللبنانية). كما تبين أيضًا أن المحل فُتح منذ أشهر وبجانبه مطعم "pasta secret"، وهو تابع لأصحاب المطعم أيضًا، وجرى إقفاله بإشارة قضائية للتأكد من رخصته ومن توفر معايير السلامة. وحسب معلومات "المدن"، فالمطعم الثاني أيضًا ليس مرخصًا.
مخالفة قانونيّة
هذا وعلمت "المدن" عن تواجد 4 قوارير كبيرة للغاز داخل المطعم. وهو ما يشكل مخالفة قانونية، حيث أنه من المفترض أن يتوفر بداخل كل مطعم قارورة غاز كبيرة واحدة، لذلك يجرى التحقيق للتأكد من أسباب تواجد هذه القوارير، خصوصًا بعدما تبين خلال الكشف على المطعم أن ثلاث قوارير كانت فارغة بشكل كامل من مادة الغاز (ما يعني احتمال أن تكون مادة الغاز قد تسربت من جميع القوارير وأدت إلى هذا الانفجار الضخم). أما القارورة الرابعة فجرى إخراجها من المطعم من قبل عناصر فوج الإطفاء بعدما تبين أنها لم تكن فارغة بشكل كامل، وأن مادة الغاز تتسرب منها أيضًا.
مسؤولية الدولة اللبنانية!
وواقع الحال، فإن التحقيقات ستتوسع خلال الساعات المقبلة. وسيلاحق كل من تسبب بقتل الموظفين. ويبقى التعويل الأساسي على تطبيق القوانين على جميع المطاعم، والتأكد من إلتزامها بمعايير السلامة كي لا تتكرر هذه الحادثة مرة أخرى. أما التساؤل الأهم الذي يطرح اليوم، فيتمحور حول مسؤولية الدولة اللبنانية التي سمحت لصاحب هذا المطعم بمزاولة المهنة منذ أكثر من 3 أشهر من دون ترخيص؟ وعن دور الأجهزة الأمنية ومحافظ بيروت القاضي مروان عبود بمراقبة المطاعم المتواجدة في قلب العاصمة بيروت، والكشف عليها، والتأكد من تطبيقها لمعايير السلامة. خصوصًا بعد تصريح القاضي عبود مساء أمس معلقًا على الحادثة "هذا المطعم ليس مرخصًا، وتفاجأت بوجوده بالمنطقة"، علمًا أن المسؤولية تقع أيضًا على وزارة السياحة التي يتوجب عليها متابعة المطاعم، والتأكد من عرضها للشهادات الصحية وللوائح الأسعار على واجهة المطعم.