السؤال الأبرز.. ماذا بعد مفاجأة "أسترازينيكا" بشأن "لقاحها" الخاص بـ"كورونا"؟
أقرت شركة أسترازينيكا البريطانية، أخيراً بمفاجأة أثارت لغطاً ومخاوف على نطاق واسع، مرتبطة بأن اللقاح الخاص بها "يُمكن أن يكون سبباً لمجموعة من الآثار الجانبية، التي قد تصل إلى التسبب في الوفاة بسبب تجلط الدم".
هذا الاعتراف "النادر من نوعه" جاء في سياق ردها على دعاوى قضائية جماعية تم تحريكها من قبل عشرات الأسر التي تطالب بتعويضات (بملايين الجنيهات الاسترلينية) في بريطانيا.
وزعم محركو تلك الدعاوى القضائية بأنهم أو أي من ذويهم أصيبوا بأعراض جانبية، تمثلت في تشوهات أو تعرضوا للموت بسبب اللقاح الذي أنتجته الشركة، والخاص بفيروس كورونا.
وقدمت الشركة البريطانية وثيقة للمحكمة العليا، ذكرت فيها أن اللقاح الخاص بها يمكن أن يسبب متلازمة تجلط الدم مع نقص الصفائح الدموية، لكنها ذكرت في الوقت نفسه أن ذلك "يحدث في حالات نادرة".
ورغم محدودية تلك الحالات، إلا أن صدى اعتراف الشركة وجد انتشارا واسعاً وأثار جملة من المخاوف، وعزز من الدعاوى القضائية التي تم تحريكها.
ومع تصاعد الجدل حيال تلك الأزمة التي ترتبط بواحدة من أكبر شركات الأدوية، والتي لعبت دوراً بارزاً في الحد من إصابات جائحة كورونا وأنقذت حياة الملايين، فإن عديداً من الأسئلة تطرح نفسها بشأن مدى تأثير تلك الأزمة على أسهم الشركة وإيراداتها القادمة وحضورها في عديد من الأسواق وحصتها السوقية؟
ما التأثيرات المالية المحتملة؟
بدوره، قال رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية المصرية، الدكتور علي عوف، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": المتعارف عليه علمياً أن أي علاج جديد يظل تحت البحث والاختبار لمدة طويلة؛ للتأكد من ما قد يسببه من آثار جانبية، وهو ما لم يحدث مع لقاحات كورونا بالقدر الكافي؛ نظراً لخطورة الفيروس وضرورة سرعة تلقي اللقاح، وهو ما أدى لظهور مثل تلك الأعراض الجانبية في وقت لاحق من التطعيم ضد فيروس كورونا".
وأردف: "هذه الأنباء المرتبطة بشركة استرازينيكا - ومقرها كامبريدج - من شأنها أن تؤثر على الشركة من الناحية الاقتصادية على المدى القريب (القصير) فقط، وسيكون التأثير على الأرباح الخاصة بالشركة محدوداً. وللإشارة، فإنّ ذلك
أعداد الأشخاص الذين عانوا من أعراض جانبية خطيرة بعد تلقيهم لقاح أسترازينيكا ليست بالكبيرة".
ونوه بأنه مع الدعاوى القضائية من المتضررين أو أسرهم على الشركة فإن القضاء قد يضع بعين الاعتبار أن "الشركة صنعت اللقاح في وقت ضيق وتحت ظروف قهرية لحماية الملايين من خطر الموت بسبب فيروس كورونا"، كما استفاد الأغلبية ممن تلقوا اللقاحات المختلفة في القضاء على الفيروس، وفي حالة الإصابة به -بعد تلقي اللقاح- فإن الأعراض تكون من بسيطة إلى متوسطة، ويمكن تلقي العلاج دون الذهب للمستشفى، بعكس ما حدث وقت الجائحة.
وهناك نحو 51 قضية تنظرها المحكمة العليا في بريطانيا، يطالب أصحابها بتعويضات، وذلك بموجب قانون حماية المستهلك للعام 1987 متمسكين بوصف اللقاح بأنه كان مُنتجاً معيباً.
وأكد عوف أن شركة "أسترازينيكا" من الشركات الكبيرة والرائدة في صناعة الأدوية ولها فكر وأبحاث متطورة، معتقداً بأنها "لن تتأثر كاسم عالمي قوي في هذا القطاع بسبب الضجة التي حدثت أخيراً بعد التأثيرات الجانبية للقاح
كانت الشركة أعلنت قبل أيام عن نتائج أعمال الربع الأول من العام الجاري، والتي كشفت عن تحقيق قفزة بالإيرادات بنسبة 19 بالمئة، وصولاً إلى 10 مليارات جنيه استرليني.
وأوضح رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية المصرية، أن اعتراف الشركة بوجود ما أدى إلى إصابة البعض بأعراض جانبية خطيرة "يخفف من العواقب التي قد تتعرض لها من قِبل المحكمة حال تصاعد الأمر"، منوهاً في الوقت نفسه بأن الشركة كانت أمام خيارين وقت تصنيع اللقاح؛ إما أن تنتظر عشر سنوات لحين الانتهاء من كافة الاختبارات لضمان عدم وجود هذه الأعراض ووقتها كان سيفتك فيروس كورونا ويقتل 90 بالمئة من البشر، أو أنها تخرج اللقاح مع التحذير من احتمالية وجود أعراض جانبية غير متوقعة، وهو ما حدث بالفعل وأقرته الجهات المانحة لها مثل هيئة الدواء الأوروبية.
ولفت في السياق نفسه إلى حادثة شهيرة مشابهة بعض الشيء حدثت في الستينات، عندما استخدمت إحدى الشركات الأميركية علاجاً للنساء الحوامل والذي تسبب في تشوه عدد كبير جداً من الأطفال المواليد، وهو ما دفع هؤلاء النساء إلى مقاضاة الشركة، ما تسبب في إفلاسها في ذلك الحين، مؤكداً أنه منذ هذه الواقعة تغيرت صناعة الدواء بشكل كبير، حيث أصبح المُصنعون ينوهون في النشرات الطبية الخاصة بكل نوع دواء كافة الأعراض الجانبية الصغيرة والكبيرة.
وتشير التقديرات إلى تعويضات قد تصل قيمتها إلى 20 مليون جنيه استرليني في بعض القضايا المرفوعة على الشركة في هذا السياق، بحسب ما ذكره محامو الادعاء.
ملابسات الموافقة على اللقاح
ويتفق سكرتير عام شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية المصرية، الدكتور حاتم البدوي، مع عوف، في إشارته إلى حصول "أسترازينيكا" على موافقة هيئة الغذاء والدواء، وهي الموافقة التي من المعروف أنها كانت متعجلة للظرف الطارئ وقتها بسبب جائحة فيروس كورونا، وقتما العالم أجمع كان في انتظار خروج اللقاح على وجه السرعة لحماية البشرية.
ويلفت إلى أن بعض دول العالم كان يقوم المواطن فيها بالتوقيع على الموافقة بالمسؤولية الشخصية قبل تلقي اللقاح، وكان من ضمن البنود الموقع عليها هو احتمالية حدوث مضاعفات، موضحاً أن الأثر الجانبي الخاص بالتجلط الدموي الذي أثار الأزمة أخيراً يحدث بنسبة ضئيلة بنحو ثلاثة لكل مليون شخص.
ويتوقع أن هذه الأزمة "لن يكون لها تأثير اقتصادي قوي بالسلب على شركة أسترازينيكا"، كما أن ما يثار بشأن الدعاوى القضائية على الشركة أمر لن يكون له أي جدوى، ولن يستطيع أي شخص اتخاذ أي إجراء ضد الشركة في ظل الملابسات والمعطيات المذكورة، في تقديره.
وبحسب صحيفة التليغراف البريطانية، فإن حكومة المملكة المتحدة "عوضت أسترازينيكا ضد أي إجراء قانوني"، بينما رفضت حتى اللحظة التدخل في هذه القضية الحالية.
وكانت الدراسات التي أجريت بشأن اللقاح في وقت سابق قد أثبتت فعاليته بشكل واسع، وأسهم في إنقاذ حياة ما يصل إلى ستة ملايين شخص على مستوى العالم في السنة الأولى لطرحه.
ويشار إلى أن هنالك خطة تعويضات حكومية في بريطانيا منذ السبعينات مرتبطة بأضرار اللقاحات (تتضمن تقديم 120 ألف جنيه استرليني لعائلات المتوفين أو المصابين بإعاقات شديدة بنسبة 60 بالمئة)، لكنّ أصحاب الدعاوى يرون أن تلك التعويضات غير كافية، وبالتالي يتجهون لمقاضاة الشركة بحثاً عن تعويضات أعلى.
اعترافات مقلقة.. ولا تأثير كبير على الشركة
وإلى ذلك، يقول المستشار السابق لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور وائل صفوت، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن تلك التصريحات (اعترافات استرازينيكا بشأن اللقاح) مقلقة بشكل كبير، وينصرف ذلك القلق إلى كافة أنواع اللقاحات بشكل عام ولقاح "استرازينيكا" بشكل خاص، لافتاً إلى أن الوقوف على التفاصيل يحتاج الرجوع لكل حالة بحسب التاريخ المرضي وما تعاني منه كل حالة على حدة مثل السن؛ لأن الآثار الجانبية للقاح مختلفة من شخص لآخر.
وعن حجم الخسائر المتوقعة بالنسبة للشركة، يقول: "لا أعتقد بأن يؤثر هذا الأمر على مبيعات أسترازينيكا؛ لأنها كيان كبير وتنتج أنواعاً مختلفة وكبيرة من الأدوية، وبفرض وجود تأثير سيكون تأثيراً ضعيفاً جداً"، في تصوره.
ويضيف: تعامل الأفراد مع هذه الأنباء سيكون مختلفاً؛ ذلك أن البعض سيستجيب لها بالابتعاد عن منتجات الشركة، وهناك من سينتظر موقفاً قاطعاً من الشركة، خاصة وأن اللقاح في وقت جائحة كورونا كان إلزامياً من الدول دون أن يكون على المسؤولية الشخصية للأفراد، ولكن الجهات المختصة بالتلقيح يقع على عاتقها جزء من المسؤولية".
كذلك، يشير إلى أنه في حال ثبوت تضرر واسع الطيف للأشخاص متلقي لقاح فيروس كورونا الخاص بـ" أسترازينيكا" فسيتم تعويضهم.