الجبهة الجنوبية: بين الإستعجال الفرنسي وقلق قوى المعارضة من التسوية
في الأيام الماضية، إرتفعت حدة المواجهات على الجبهة الجنوبية، بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله"، على نحو صعّد من وتيرة القلق من إحتمال تدهور الأمور نحو الحرب الشاملة، وهو ما يبرر التحركات الأميركية والفرنسيّة على هذا الصعيد. في حين كانت بعض قوى المعارضة تجتمع، في معراب، للتقدم بطرح، كان الهدف منه مهاجمة الحزب، الأمر الذي قُرأ من قبل البعض بأنه محاولة لإستدراج العروض الخارجية، عبر إبداء الإستعداد لتولي المواجهة معه داخلياً.
في هذا السياق، تشير مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، إلى أن البحث في الأوضاع على هذه الجبهة، من المفترض أن ينطلق من معادلة أن التحركات الفرنسية والأميركيّة تصب في إطار عدم الرغبة في خروج المواجهات عن السيطرة، وهو ما يستنتج من خلال الزيارة التي قام بها مستشار الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين إلى تل أبيب، قبل أيام من تلك التي قام بها وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه إلى بيروت.
وتوضح هذه المصادر أنه، بغض النظر حول ما إذا كان التحرك الفرنسي منسق مع الجانب الأميركي أم لا، فإن ما يجمعهما هو عدم الرغبة في التصعيد على هذه الجبهة، بسبب التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك، لكنها تشير إلى أنّ واشنطن، في الوقت الراهن، تعتبر أن البحث الجدّي في الحلول ينتظر الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزّة، بينما باريس ترى أنّه من الممكن الوصول إلى تفاهم، أو على الأقل تمهيد الأرضيّة قبل ذلك.
من وجهة نظر المصادر نفسها، هناك ما يمكن وصفه بـ"الإستعجال الفرنسي"، على قاعدة أن الجميع بات يدرك عدم القدرة على الفصل بين الجبهات، في ظل الموقف الحاسم من قبل "حزب الله"، في حين أن غالبية الأفرقاء المحليين المعنيين يعتبرون أن مفتاح الحل هو بيد الولايات المتحدة، التي تملك القدرة على تولي المفاوضات بعد إنتهاء الحرب، كما حصل في ملف الحدود البحرية، بينما أقصى ما يمكن أن تقوم به باريس هو المساعدة لا أكثر، وهو ما يرتبط بشكل أساسي بسعيها إلى حجز موقع لها في الصورة المقبلة لمنطقة الشرق الأوسط.
بالتزامن مع هذا المشهد الدبلوماسي، كان لافتاً اللقاء الذي عقد في معراب، يوم السبت الماضي، لبعض قوى المعارضة، حيث كان من الواضح أن هذه القوى تريد التأكيد أنها حاضرة في المشهد، في ظل حصر المناقشات التي تتناول الملف الحدودي بـ"حزب الله"، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
في هذا الإطار، تشير أوساط سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن هذا اللقاء لم يكن موفقاً في التوقيت أو المضمون، خصوصاً أنه أظهر المشاركين في موقع الباحث عن دور أو عن تقديم عرض لبعض الجهات الخارجية المعادية لـ"حزب الله"، في حين أن هذه الجهات نفسها لم تعد تولي إهتماماً لهذه القوى، بسبب إدراكها أنها عاجزة عن القيام بأي خطوة تعلن عنها، خصوصاً لناحية إعلان رغبتها في خوض مواجهة مفتوحة مع الحزب.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، ليس هناك في الخارج، على الأقل حتى الآن، من هو في وارد دعم هكذا مواجهة على الساحة اللبنانية، بل على العكس من ذلك هناك تأكيدات بضرورة منع خروج الأمور عن السيطرة، سواء كان ذلك على الحدود الجنوبية أو في الداخل اللبناني، وبالتالي طالما أن القرار الخارجي غير موجود فإن كل الحراك الداخلي لن يقود إلى أي نتيجة، والهدف منه هو حجز موقع على طاولة المفاوضات عندما يحين موعدها، في ظلّ القلق المستمر من حصول تسوية تكون تداعياتها الداخلية، من الناحية السياسية، لصالح "حزب الله".
في المحصّلة، ترى هذه الأوساط أن ما يمكن التأكيد عليه اليوم أن الوقت لم يحن لحصول تسوية لملف الحدود الجنوبية أو الملف الرئاسي في لبنان، لكن هناك رغبة واضحة بعدم الذهاب للمزيد من التوتير، وبالتالي ليس هناك من مصلحة بالذهاب إلى إشعال مواجهة داخلية، إلا إذا كان هدف البعض منها، لاحقاً، الدخول في مساومة من موقع أفضل له.