نقابة الصيادلة تهدّد "دكاكين الأدوية": هل تقفل صيدليات كبيرة؟
تكثر الشواهد المتعلّقة بالفساد في قطاع الصيدلة، وبرزت أكثر النماذج فظاعة، منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في العام 2019 مع ما رافقها من تجاوزات حصلت باسم دعم الدواء، ثم ما شهده القطاع في أعقاب جائحة فيروس كورونا، لا سيّما بما يتعلّق بالأدوية المستعملة لعلاج الفيروس.
ولم تنتهِ فصول الفساد في هذا القطاع مع رفع الدعم عن الأدوية وانتهاء الجائحة. فالفساد لا يتوقّف عند الممارسة، بل يمتدّ إلى جذور هذه المهنة. ووصلت المخالفات في هذا القطاع إلى حدٍّ "سيؤدّي حتماً إلى القضاء على مهنة الصيدلة وصحة المواطن"، وفق ما أكّده نقيب الصيادلة جو سلّوم، الذي أشار في حديث لـ"المدن"، إلى أنّ النقابة فتحت الملف، وستنطلق بمكافحة التجاوزات، من "منع الصيدليات التي تحمل أسماءً مستعارة، وتلك التي لديها أكثر من فرع Chain pharmacy". فهل يعني ذلك المسّ بكبار التجّار وأصحاب الصيدليات؟.
دكاكين الأدوية
تحوَّلَت الكثير من الصيدليات إلى "دكاكين أدوية" وفق توصيف سلّوم. فهي خرجت عن "الدور الإنساني والصحّي للعمل الصيدلاني". وهذا الخروج يتمثّل بنظر سلّوم بـ"فتح صيدليات تحت أسماء مستعارة وفتح أكثر من فرع، ومحاولات فتح فروع داخل المراكز التجارية. وتستعمَل تلك الصيدليات لبيع منتجات غير دوائية، مما يعرّض المهنة وصحة المواطنين للخطر".
الاستثمار في هذا القطاع ذهبَ إلى حدّ "فتح أصحاب شركات الأدوية والمستودعات، صيدلية أو أكثر بهدف البيع التجاري. ويأتي هؤلاء بصيادلة مرخّصين، ويحوّلوتهم إلى موظّفين لديهم بعد استغلال أسمائهم للحصول على ترخيص بفتح صيدلية، وهذه الصيدلية تتحوّل مع الوقت لأكثر من صيدلية بحجّة افتتاح فروع لها".
القانون يمنع
من المألوف مشاهدة أكثر من فرع لصيدليات بأسماء باتت شهيرة في لبنان، خصوصاً في العاصمة بيروت. لكن هذه الفروع، ورغم وجودها العلنيّ، تبقى مخالفة لقانون ممارسة مهنة الصيدلة في لبنان، أي القانون 367 تاريخ 1/8/1994. وإذ تنصّ المادة 9 من القانون على أنّه "لا يجوز إنشاء صيدلية إلا بترخيص من وزير الصحة العامة ولا يمنح هذا الترخيص إلا لصيدلي لبناني يحمل الإجازة بمزاولة مهنة الصيدلة في لبنان"، جاء في المادة 10 التي تحدّد شروط الحصول على الترخيص، أنه على طالب الترخيص التوقيع على تعهّد يبيِّن أن "الصيدلية هي ملكه بكاملها، وأنه يديرها لحسابه وليس اسمه مستعاراً فيها". ومن هنا تبدأ صفحة كبيرة من صفحات مخالفة القانون، إذ أنَّ كبريات الصيدليات في لبنان، لا يديرها أصحابها بشكل مباشر.
وأيضاً، نصَّت المادة 14 على أنه "يجب على كل صيدلي يبيع مباشرة من الجمهور أن يكون مالكاً للصيدلية التي يستثمرها وللمعدات والمنتجات الموجودة فيها ولا يحق إلا لصيدلي أن يبيع مباشرة من الجمهور. وكل صيدلي يدير صيدلية تكون كلها أو بعضها ملكاً لقاصر يعتبر بحكم مالكها". وتضيف هذه المادة أنّه "يخضع للموجبات القانونية ذاتها كل عمل من عقد وسواه يجري من أجل تمليك أحد الاشخاص غير الصيادلة المأذونين لمؤسسة صيدلانية بكاملها أو بجزء منها يعد باطلاً بطلاناً مطلقاً وغير ذي مفعول ويتعرض أطراف العقد وكل من اشترك بصورة مباشرة لأو غير مباشرة في معاملات تسجيل العقد أو قبوله أو تصديقه من موظفين وسماسرة ووسطاء للعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون ويعتبر الترخيص المعطى على هذا الأساس لاغياً وباطلاً".
ولمزيد من حصر النشاط الصيدلاني بحملة الشهادة وأصحاب الصيدليات، نصَّت المادة 74 من القانون على أنّه "لا يرخص بإنشاء مستودع إلا لصيدلي لبناني أو صيادلة لبنانيين أحدهم متفرّغ مرخص له بمزاولة مهنة الصيدلة في لبنان. ولا يجوز للصيدلي صاحب المستودع أن يكون صاحب صيدلية أو مختبر ولا شريكاً في أحدهما". أي مَن أراد من حملة شهادة الصيدلة فتح مستودع للأدوية، لا يجيز له القانون أن يكون صاحب صيدلية ولا شريكاً فيها. كما أكّد سلّوم أّنه "لا يجوز لأحد استئجار شهادة صيدلاني وفتح صيدلية باسمه".
يعلم سلّوم أن النقابة بفتحها هذا الملف ستصطدم بكبار أصحاب الصيدليات وتجّار الأدوية في لبنان، ومع ذلك "ستكون المواجهة مفتوحة لما فيه من خير للمريض والمواطن". ولفت سلّوم النظر إلى أنّ هذه المواجهة "ستبدأ من خلال حملات التفتيش التي يشرف عليها مجلس النقابة، وسيتمّ التأكّد من كل التراخيص المعطاة للصيادلة لمنع الاستثمار". وهذه الحملة تستلزم الدعم الذي يعوِّل سلّوم الحصول عليه من "القضاء والرأي العام والإعلام والسلطة المنبثقة حديثاً".