إختر من الأقسام
آخر الأخبار
قصة السندويشات في الناقورة!
قصة السندويشات في الناقورة!
المصدر : عبدالله قمح - ليبانون ديبايت
تاريخ النشر : الخميس ٢٨ تشرين أول ٢٠٢٤

يخوض الجانب اللبناني تحدي المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال بطريقة ممتازة حتى الآن، وهو يسعى إلى تجاوز الاكواع الاسرائيلية والمرور عنها برشاقة. ما يثير الدهشة، ان الجهة التي يفترض أن تبدي انزعاجها من أسلوب المفاوض اللبناني، لا بد أن تكون إسرائيلية لا محليّة الصنع!

في جلسة المفاوضات الثانية وعملياً الاولى بحكم ان الجلسة الافتتاحية كانت جلسة "إعلان مبادئ"، استخرج المفاوض اللبناني مستندات وخرائط ودراسات تعود للعام ١٩٢٠ تُظهر كيفية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة تحت اشراف الانتداب الفرنسي - البريطاني حينذاك، ثم قام بوضعها على الطاولة كإثبات منه لحقوق لبنان، وبعد ذلك أبلغ المفاوض الاممي ان هذه الخرائط تمثّل بالنسبة إليه "عقيدته التفاوضية" وقاعدته الاساسية للانطلاق في تفاوض "تثبيت حدود لا ترسيم"، على اعتبار ان الحدود قد سبق لها وان رسّمت. هذا التبديل التكتيكي اعيد واستخدم في الجلسة الثالثة ومرشح أن يستمر خلال الجلسات التالية، وهو يقود إلى إفتتاح لبنان لنقاش حول استعادة كامل حقوقه التي تتجاوز الـ٨٦٠ كيلومتر مربع لتصبح ما يزيد عن ١٦٠٠ كيلومتر بعمق المنطقة الاقتصادية الخالصة.

هذا الأسلوب ولّد صدمةً لدى الاسرائيلي الذي لم يكن في وارد التفاوض ضمن هذا السقف المرتفع على إعتبار أن الراعي الأميركي انجزَ "الإطار" سابقاً تحت سقف ٨٦٠ كلم، في ظل ذلك سعى إلى إبراز ما لديه بنية إرجاع لبنان إلى الخط السابق.

على المقلب اللبناني كانت تدور معركة من نوع آخر تحت شعار "التشكيك بولاء المفاوض اللبناني" وقد استخدم من أجل ذلك "زخ وزخم إعلامي" واضح تولت مجموعة قنوات لبنانية تأديته بدقة، وقد دار خطابه حول إبداء شكوك خيال ما يُطرح على طاولة المفاوضات وفي الغرف المقفلة، إلى جانب تعمد إظهار ما يحدث في "الخيمة الخضراء" التي تستضيف المفاوضات غير المباشرة، على أنه نوع من أنواع التطبيع الذي يتجاوز "إتفاق الإطار".

ولو أردنا أن نصفي النية، لقلنا أن تلك المجموعة يحتمل أن تكون قد وقعت في التباس "تناقض المصادر" على اعتبار أن المعلومات حيال التفاوض "هشة" ولا يمكن الوصول إليها إلا بصعوبة ومن مصدر محدد. لكن ومع إستئناف المسار أعلاه وصولاً إلى إقحام قضايا وتفاصيل والزعم بحصول أمور على الطاولة، ظهر لاحقاً انها لا تمت للحقيقة بصلة، يفتح الباب لاستنتاجات كثيرة لا سيما حين يقوم العدو بالبناء على تلك "الخبريات" ويجعل منها قضايا محتملة وينثر الغبار حولها، فهنا لا تعود النيات سليمة بتاتاً.

مسألة من هذا النوع حصلت حين جرى تسريب معلومة "غير كاملة" و بقصد التشويش والتشويه واثارة التساؤلات، حول مشاركة الوفد اللبناني إلى جانب الوفد الاسرائيلي وتحت رعاية الأمم المتحدة بـ"غذاء عمل" داخل الخيمة الرئيسية التي تتوسط خيمتي الوفدين وتفصل بينهما أمتاراً معدودة، ما فتح شهية بعض الإعلام للتصويب على ما حصل من منطلق حصول "تواصل مباشر" بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي، وهو ما أثار بلبلة سواء لدى الصالونات السياسية أو مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تداول صورة قيل انها تعود للغداء.

والحقيقة، تبعاً لمصادر معنية بالملف لـ"ليبانون ديبايت"، أن ما حصل كناية عن قيام قوات اليونيفيل بتوزيع "سندويشات" محضرة مسبقاً على أعضاء الوفدين في وقت الاستراحة وحين حل موعد الغداء. حصل ذلك من دون اي احتكاك مباشر بين الوفد اللبناني والوفد الإسرائيلي ودون ان يتشارك الوفدين على طاولة واحدة، وهذا ما تبيّنه الصورة المتداولة، اذ فصلت بين الخيمة التي يظهر فيها احد الضباط اللبنانيين جالساً معطياً ظهره لمجندة اسرائيلية وخيمة العدو، خيمة اخرى منصوبة في الوسط تعود لقوات اليونيفيل حيث كانت تجلس تلك المجندة الى جانب قائد اليونيفيل العاملة في لبنان الجنرال ستيفانو دل كول.

وبحسب معلومات "ليبانون ديبايت"، قامت القوات الدولية بوضع طاولة في وسط الخيمة الكبيرة التي تشاركها مع الوفد الاميركي والتي تفصل بين خيمتي الوفدين، وقد وزّعت عليها أنواع مختلفة من السندويشات وبعض المشروبات الساخنة والمرطبات وعبوات المياه لزوم حاجة الوفدين وقت الغداء، ثم قامت بدعوتهما وبشكلٍ منفصل إلى الطاولة، فأخذ كل منهما حاجته وخرج بشكل منعزل ومنفصل عن الآخر ومن دون حصول أي إحتكاك، بهذا القدر.

وما يلفت الانتباه في هذه الحادثة، طريقة تعاطي بعض الإعلام اللبناني معها، وكأن مهمته باتت محصورة بإقتناص "أي هفوة" أو حدث وتضخيمه والبناء عليه من اجل إظهار الوفد اللبناني على أنه "وفد مطبّع" من دون الاكتراث إلى المهمة الرئيسية والطبيعية التي حضر من أجلها، وهو اسلوب إنما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الغاية منه، وأولها محاولة تجريد الوفد من الثقة التي يحتاجها في إتمام التفاوض وعملياً تبني الدعاية الاسرائيلية التي تروج عبر إعلامها لمناخ تطبيعي مع لبنان، وهو عمل لا بد ان تفرض انعكاساته على جلسات التفاوض التي من المحتمل ان يدخلها الوفد اللبناني مثقلاً.

إلى جانب ذلك، ينحو الخطاب الذي تتبناه بعض وسائل الإعلام وتعتمده كركيزة لتناول مسألة المفاوضات غير المباشرة، إلى اللغة والنهج الاسرائيليين تماماً. وتبعاً لما ينشر على وسائل الاعلام العبرية، لتل أبيب مصلحة في تعميم دائرة الشكوك حول الوفد اللبناني وتوسيعها من خلال تسريبات ممنهجة تقوم ببثها ونشرها عبر وسائل إعلامها، والمريب أن بعض الإعلام اللبناني يأخذها وينشرها كما هي ومن دون تدقيق، سواء عن سوء نية أو عدم إدراك لطبيعة ما يُنشر والأهداف المترتبة عنه، وهي لعبة مبتكرة تسعى من ورائها تل أبيب إلى زرع الشكوك لدى البيئة اللبنانية حيال الوفد الرسمي المفاوض.

ثم ان الامر الذي يحتاج إلى تدقيق، ظهور اشارات حول ضلوع جهات داخل لبنان في اشاعة اجواء لا توحي بالثقة حيال المفاوض اللبناني. فبعض التسريبات "المضخمة" التي يتم توزيعها إلى وسائل إعلام محددة، يبدو وبوضوح ان مصدرها محلي الصنع وتقف خلفها جهات دبلوماسية أجنبية معتمدة في بيروت، كمسألة تسريب الصورة مثلاً، وهذا انما يعزز دائرة الشكوك حول الأهداف من وراء هذا العمل المقصود.


عودة الى الصفحة الرئيسية