إختر من الأقسام
آخر الأخبار
حرب النفط! لماذا خفضت السعودية أسعار البترول علماً بأنها ستكون أول المتضررين؟
حرب النفط! لماذا خفضت السعودية أسعار البترول علماً بأنها ستكون أول المتضررين؟
المصدر : عربي بوست
تاريخ النشر : الجمعة ٢٩ أذار ٢٠٢٤

انهارت أسعار النفط اليوم الإثنين 9 مارس/آذار 2020، نتيجة لقيام المملكة العربية السعودية بتخفيض أسعارها الرسمية لبيع الخام كما أعلنت عن خطط لزيادة كبيرة في الإنتاج الشهر المقبل. هذا الخبر يطرح تساؤلات أهمها، لماذا تتسبب السعودية في انهيار أسعار النفط علماً بأن اقتصادها سيتأثر بصورة كبيرة؟ وما قصة حرب الأسعار مع روسيا وهل الولايات المتحدة لها علاقة بالأمر؟

كم أصبح سعر برميل النفط الآن؟
نبدأ القصة بالمعلومات الأساسية؛ بحلول الساعة 05:52 بتوقيت غرينتش، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت 12.23 دولار أو ما يعادل 27% إلى 33.04 دولار للبرميل، بعد أن نزلت في وقت سابق إلى 31.02 دولار للبرميل وهو أدنى مستوى منذ 12 فبراير/شباط 2016، والعقود الآجلة لخام برنت في طريقها لتسجيل أكبر انخفاض يومي منذ 17 يناير/كانون الثاني 1991، بحسب رويترز.

كما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 11.88 دولار أو ما يعادل 29% إلى 29.40 دولار للبرميل، بعد أن لامس مستوى 27.34 دولار وهو أيضاً أدنى مستوى منذ 12 فبراير/شباط 2016، ويتجه الخام الأمريكي على الأرجح لأدنى مستوى على الإطلاق، ليتجاوز انخفاضاً بنسبة 33% كان قد حدث في يناير/كانون الثاني 1991.

كيف بدأت القصة؟
منذ مطلع عام 2016، توصلت منظمة أوبك (الدول المنتجة للنفط بزعامة السعودية)، مع روسيا (أحد أكبر منتجي النفط في العالم لكنها ليست عضواً في أوبك) لاتفاق يهدف إلى السيطرة على أسعار النفط في العالم، بحيث تكون في مستوى 60 دولاراً للبرميل كمتوسط، بهدف الحفاظ على مصالح المنتجين والمستوردين والشركات والمستهلكين والاقتصاد العالمي بشكل عام.

هذا الاتفاق يخضع للمتغيرات التي يشهدها سوق النفط بفعل الأزمات السياسية أو الحروب أو الكوارث الطبيعية، وتجري اجتماعات دورية بين وزراء النفط في أوبك+ روسيا لاتخاذ القرارات بشأن مستويات الإنتاج التي تضمن الحفاظ على الأسعار، سواء بزيادة الإنتاج أو خفضه.

ومع مطلع العام الجاري وبداية تحول فيروس كورونا إلى مصدر للقلق وتأثيره على تباطؤ الاقتصاد العالمي بشكل تدريجي وبالتالي انخفاض الطلب على النفط، بدأت الأسعار في التراجع ولكن ليس بنسب مرتفعة، ولكن مع زيادة حدة الفيروس وتحوله لأزمة صحية عالمية خلال فبراير/شباط ومارس/آذار الجاري، بدأت الاجتماعات بين أوبك+ روسيا للاتفاق على تخفيضات جديدة في الإنتاج لمواجهة تراجع الطلب والحفاظ على مستويات الأسعار التي كانت قد انخفضت لقرب الـ50 دولاراً للبرميل بالفعل الأسبوع الماضي.

لماذا رفضت روسيا تخفيض الإنتاج؟
الاجتماعات التي جرت في جنيف على مدار الأسابيع الماضية شهدت رفضاً روسياً قاطعاً لتخفيض الإنتاج وانهارت المفاوضات بالفعل الجمعة الماضية 6 مارس/آذار، وهو اليوم الذي شهد انخفاض الأسعار بنسبة 9% في يوم واحد.

الموقف الروسي سببه المباشر هو شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكية، والقصة هنا أن الولايات المتحدة أصبحت الدولة الأولى عالمياً في إنتاج النفط خلال العام الماضي، بعد تخفيض أوبك وروسيا للإنتاج، وهذا الأمر بالطبع لا يروق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومن المهم هنا أن نوضح نقطة هامة تتعلق بأنواع النفط، حيث هناك خام برنت (الأشهر عالمياً والأكثر طلباً) والخام الصخري (الأمريكي وسعره أقل من برنت).

عقب فشل اجتماعات أوبك+ روسيا في جنيف، قال الأمين العام للمنظمة محمد باركيندو أنه لم يحدث اتفاق على تمديد سياسة السيطرة على الإنتاج بنهاية مارس/آذار الجاري، مضيفاً أن أوبك لن تقدم على التخفيض منفردة، وقال إن “المناقشات ستتواصل” دون مزيد من التفاصيل، أما وزير الطاقة الروسي فقد كان أكثر حسماً، حيث قال لسي إن إن إن منتجي النفط “سيتخذون قراراتهم بشكل فردي بداية من أول أبريل/نيسان المقبل”.

رفض روسيا تخفيض الإنتاج، بحسب المحللين، يمثل صفعة لمنتجي الخام الأمريكي، الذين لا يمكن لهم الاستمرار في الإنتاج إلا في ظل أسعار نفط مرتفعة. وفي ملاحظات أرسلها محللون في شركة استشارات في مجال الطاقة أمس الأحد 8 مارس/آذار، أكدوا على أن “روسيا ألمحت أكثر من مرة أن هدفها الحقيقي هو منتجو الخام الأمريكي لأنها قد ملت من خفض إنتاجها وهو ما يفسح لهم المجال للحصول على حصة أكبر من السوق”، بحسب تقرير لسي إن إن.

ومن المهم هنا العودة لموقف مشابه في الفترة من 2014 و2016، حيث أدى انهيار أسعار النفط وقتها لإعلان عشرات من شركات النفط والغاز إفلاسها وقامت شركات أخرى بتسريح مئات الآلاف من العمال (أغلبها شركات أمريكية)، وأدى الاتفاق بين أوبك+ روسيا في مطلع 2016، إلى ازدهار الشركات الأمريكية حتى أصبحت الولايات المتحدة المنتج الأول للنفط في العالم.

وقد عبرت حليمة كروفت مديرة قسم استراتيجية السلع العالمية في PCR Capital Markets، عن الموقف الحالي في رسالة للشركات الأمريكية الجمعة الماضية بقولها: “لقد تم إثبات خطورة ممارسة لعبة الهيمنة مع فلاديمير بوتين بطريقة درامية. من الصعب أن نرى كيف يمكن استعادة العلاقات بسهولة الآن”.

كيف يمكن تفسير الموقف السعودي إذن؟
الموقف الروسي إذن واضح، والهدف منه ضرب إنتاج النفط في الولايات المتحدة، فماذا ستستفيد السعودية من الدخول في حرب أسعار مع روسيا؟

قبل الدخول في محاولة الإجابة عن السؤال، من المهم ذكر معلومة تخص “تكلفة إنتاج النفط“، حيث إن إنتاج خام برنت منخفض للغاية، يليه تكلفة الإنتاج للنفط في روسيا، بينما تكلفة إنتاج الخام الأمريكي مرتفعة للغاية، وهو ما يفسر إفلاس عشرات الشركات الأمريكية عندما انهارت أسعار النفط بين عامي 2014 و2016، ولنفس السبب لا تريد روسيا أن تخفض الإنتاج الآن.

السعودية تريد أن يكون لها نصيب الأسد في سوق النفط وبالتالي اتخذت قرار تخفيض أسعار النفط بتلك الصورة الدرامية لتبدأ حرب أسعار حتى في الوقت الذي يتسبب فيه انتشار فيروس كورونا في تآكل نمو الطلب العالمي، مستفيدة من انخفاض تكلفة الإنتاج لديها، وبالتالي سيكون أمام روسيا، إما أن تجاري السعودية وتخفض أسعار نفطها أكثر وتزيد الإنتاج (تكلفة الإنتاج لدى روسيا أعلى من نظيرتها في المملكة) ومن ثم ستتكبد خسائر كبيرة في وقت حساس بالنسبة لبوتين، أو تتراجع وتعود إلى طاولة المفاوضات مع أوبك وتعيد اتفاق تخفيض الإنتاج.

السعودية إذن في موقف يسمح لها بتحمل التكلفة الاقتصادية لحرب الأسعار مع روسيا، لكن التداعيات السياسية لهذا القرار أمر آخر؛ فمن ناحية ليس من المتوقع أن يقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقف المتفرج وهو يشاهد ما تباهى به كثيراً في مجال النفط ينهار مع زيادة الضغوط على شركات الإنتاج الأمريكية وربما حتى إفلاس غالبيتها مرة أخرى وخسارة جزء كبير من حصتها في السوق، ومن ناحية أخرى انعكاسات حرب الأسعار على أسهم وقيمة شركة أرامكو التي يعتبرها ولي عهد السعودية محمد بن سلمان حجر الزاوية في رؤيته لتطوير اقتصاد المملكة وتخفيض اعتمادها على النفط.


عودة الى الصفحة الرئيسية