إختر من الأقسام
آخر الأخبار
أسامة سعد: نحن في وسط هذه الانتفاضة.. وحان وقت تشكيل إطار سياسي لها
أسامة سعد: نحن في وسط هذه الانتفاضة.. وحان وقت تشكيل إطار سياسي لها
المصدر : أيمن شروف - المدن
تاريخ النشر : الثلاثاء ١٦ شباط ٢٠٢٤

يقف النائب أسامة سعد أمام المبنى الذي يتواجد فيه مكتبه. يتحدث مع بعض الأشخاص بجدية لا تُفارق وجهه كثيراً. مكتب مفتوح للجميع يدخله من يشاء ساعة يشاء. لا أمن ولا بوابات وحواجز، كتلك التي يضعها معظم رجال السلطة، أو السياسيون على وجه التحديد. هو في هذا المكان قريب من الناس، وهذا ما يُميزه عن باقي زعماء المدينة كما يقول أهل صيدا. يعتبرونه واحداً منهم ومثلهم، أو على الأقل لا يرونه متعالياً عليهم كما حال البعض الآخر.

وضع أسامة سعد نفسه، ومن خلفه التنظيم الشعبي الناصري، منذ أول يوم انتفاضة مع الناس. يقول إن هذا موقعهم الطبيعي، و"التواجد في انتفاضة 17 تشرين هو انسجام تام مع مسيرتنا النضالية". لكن النقاش معه فيما يخص وضع هذه الانتفاضة اليوم يشي وكأنه ابتعد قليلاً، أو أقله غير منغمس فيها كما أوحت الأيام الأولى، أو قد يكون تأثر بتراجع الزخم الثوري العام فانكفأ قليلاً. لكن الأكيد أنه ليس في صلب النقاشات التي تحصل اليوم. وكأنه يريد أن ينسج التواصل مع من يشبهه، علماً أنه يرى في التعدد قيمة مضافة لهذه الانتفاضة.


أهم من كل هذا، أنه مُقتنع بضرورة خلق إطار لهذه الثورة. صحيح أن لا أفق إلى الآن لهذا الأمر، وكل ما يجري مجرد أفكار أو محاولات خجولة، إلا أنه واثق من أن "لا سبيل للاستمرار إلا من خلال إطار يرسم رؤية مستقبلية واضحة، يؤسس لانتقال سلمي للسلطة". هذه السلطة التي بقيت على مدى 30 عاماً في يد أفرقاء أوصلوا الناس إلى أن يموتوا على أبواب المستشفيات. حتى أن هناك من لم يستطع أن يصل إلى الباب، ما قبله بكثير.

حذر كثيراً من أن يكسر الجرة مع حلفائه، الذين لا يزالوا في السلطة، مع العلم أنه يقول إنه لا يلتقي مع كل أحزاب السلطة. حريص على "حزب الله" والخط المقاوم "الذي ينتمي إليه وكان سباقاً فيه". يبدو أن 17 تشرين لم تحرره بالكامل. لعلها في الأيام المقبلة تفعل، ولعلّها لا. الحكم على أدائه السياسي لا يُمكن أن يكون فقط فيما خص إيمانه بالانتفاضة. إذ لا يُمكن المزاوجة بين عدم قدرة على الالتقاء بمن ينشرون الطائفية في لبنان، وفي الوقت نفسه معهم في الخط نفسه فيما يتعلق بالمقاومة. وتعريف المقاومة قد يكون مغايراً لدى من يداريهم.

"المدن" حاورت رئيس التنظيم الشعبي الناصري في صيدا، التي شهدت قبل أيام حملة اعتقالات، لا يفصلها سعد عن إشارات جدية لدى هذه السلطة بأنها مستعدة لممارسة القمع كي تتخلص من الشارع. وهنا "على الانتفاضة ألا تتراجع". لأن أي ضعف أو تفكك سيعطي ذريعة لقوى السلطة كي تنقض على الناس". الناس الذي يعتبر نفسه منهم وفي الخندق نفسه معهم.

الغضب والمحاسبة
كيف يرى أسامة سعد والتنظيم ما حصل في 17 تشرين؟

ما حدث هو تعبير عن غضب مكبوت، خصوصاً لدى الأجيال الشابة، عبرت عنه في 17 تشرين الأول، اعتراضاً على كل الأوضاع السائدة، بعد أن وصلت الأمور إلى مستوى متردٍ من الأداء السياسي، وأيضاً في حجم المعاناة والإحباط الذي وصل إليه هؤلاء الشباب، نتيجة البطالة والعوز والاضطرار إلى الهجرة. هذه الاعتبارات كانت الأساس في حركة 17 تشرين والتحقت بها شرائح مختلفة وفئات مختلفة من الشعب اللبناني. هؤلاء خرجوا إلى الشارع بهويتهم الوطنية، وقالوا نحن وطنيون لبنانيون نعترض على هذا الواقع، ونريد محاسبة كل من تداول السلطة وتسلط على البلد خلال السنوات الماضية. غضب 17 تشرين أخرج كل شيء من القاع إلى فوق. وظهرت معه طاقات ثورية. شباب تعبر عن ثورة. ومعه خرجت كل الملفات والقضايا، وتحديداً ما يخص الوضع المعيشي والأداء السياسي والفساد والسرقة. وقالت الناس إنها في الساحات للتعبير عن الغضب والمطالبة بالمحاسبة. الناس طالبت بالمحاسبة، وفي الوقت نفسه بدأت تطالب بحقوقها، وبالتغيير. لم تعد تريد هذا النظام وصيغته المبنية على المحاصصة الطائفية وتبادل المنافع، والتي تُدخل البلد في دوامة من الصراعات السياسية بين أطراف السلطة نفسها. الناس بدأت تطالب بدولة عصرية مدنية.

موقع التنظيم في 17 تشرين؟

17 تشرين محطة تنسجم تماماً مع مسيرتنا النضالية كتيار، لأننا وجدنا أنفسنا في هذا المكان وليس في أي مكان آخر. نحن في وسط هذه الانتفاضة، لأنها تُعبر عن هوية وطنية وتحمل على عاتقها القضايا المطلبية المرتبطة بحقوق الناس.

ما الذي تغير في 17 تشرين؟ وما الذي جعل من 17 تشرين تُظهر هذه الهوية الوطنية؟

الهوية الوطنية لم تظهر بسبب 17 تشرين، هي موجودة ولكن كانت مطموسة، مهمشة، الواقع السياسي فرض انتماءات طائفية ومذهبية على حياتنا السياسية، وطمس الهوية الوطنية. أتوا هؤلاء الشباب ليرفضوا هذه الصيغة، ووجدوا الأرض الصلبة التي بإمكانهم أن يقفوا عليها ليخوضوا مواجهة مع قوى السلطة الطائفية والمذهبية، هي الهوية الوطنية، فاستعادوها ليقولوا إنهم يثورون لمصلحة كُل اللبنانيين، من نزلوا إلى الشارع ومن لم ينزل.

خلق إطار سياسي
منذ تكليف حسان دياب إلى اليوم، ظهر واضحاً تراجع الزخم لدى الناس في كل المناطق، وكأن هناك نوعاً من الملل أو التراجع، ما الأسباب وكيف يُمكن الخروج منه؟

كل الثورات تمر في مراحل صعود وتراجع، لكنها لا تنتهي. الروح الثورية لا تزال موجودة وتعبر عن نفسها بأشكال مختلفة. صحيح أن الحضور الجماهيري تراجع، إنما نحن نتحدث عن أربعة أشهر في ظروف معيشية صعبة جداً. ونحن نتحدث عن جيل شباب قدراته لا تسمح له أن يبقى في الشارع كل الوقت، لأنه يريد أن يؤمن معيشته، كذلك تأخر بلورة إطار منظم ساهم في هذا الأمر، إطار يُساهم في وضع جدول أعمال، لأن الانتفاضة مستمرة كل يوم بيومه وليس هناك تخطيط، لأنه لم يتبلور إلى الآن صيغة تنسيقية لكل الساحات، غياب الرؤية لا يجب أن يستمر، وهذا يحتاج إلى وقت.

في سياق ما تحدثت عنه، الإطار الجامع لكل قوى الانتفاضة. هل بالإمكان خلق هكذا إطار ونحن نعلم التنوع الموجود داخل الانتفاضة والاختلافات السياسية فيها، أي هل بالإمكان أن يجتمع كل هؤلاء على سقف سياسي ومطلبي واحد ومقبول من الجميع؟

التنوع الموجود يُعزز الانتفاضة، وهذا شيء إيجابي، هناك اليمين والوسط واليساري والليبرالي والمدني والقومي والماركسي إلخ، وهناك أيضاً تنوع بالملفات وهذا أمر جيد، وما يجمع كل هؤلاء هو مطلب التغيير.

هذه الانتفاضة عليها أن تخلق لنفسها وزناً سياسياً، يكون مؤثراً في المعادلة السياسية في البلد، وتستطيع أن تعدل في موازين القوى لمصلحة الناس المنتفضين على تنوعهم. وبهذه الحالة، وكأنها تقول إنها لا زالت في الشوارع والساحات، وتستقطب المزيد من الرأي العام، وتضغط باتجاه حكومة انتقالية لزمان محدد ومهام محددة، مثلاً تقول إنها تريد استقلال القضاء، رفع يد القوى النافذة عن إدارات الدولة، ومعالجة الانهيار المالي والاقتصادي ليس على حساب ضحاياه، والتحضير لانتخابات نزيهة، وليس بالضرورة أن تكون مبكرة كي تكون متحررة من كل القيود التي وضعتها السلطة على العملية السياسية، لكي نُنجز الانتقال السلمي والآمن. بالتالي، اليوم أصبح من الضرورة خلق هذا الإطار لكي نُنجز كُل هذا، ولكي نمنع الانزلاق نحو الانهيار، الذي سيؤدي إلى انهيار اجتماعي، وبالتالي انهيار أمني. ورأينا مؤشرات بدء البعض بخلق ما يُسمى بالأمن الغذائي.

وهل هذا الإطار سيساهم ويُمهد لتغيير النظام بشكل فعلي؟

لنكون منطقيين، هذه الانتفاضة لا تستطيع قلب الموازين لمصلحتها بشكل كامل. فإذاً، ما نستطيع فعله هو الدفع نحو مرحلة انتقالية تضع حلاً وطنياً وسياسياً للأزمة، وإلى مجال سياسي مختلف، أي تتاح الفرصة لصراع سياسي حقيقي وديموقراطي بين أفكار ورؤى ومشاريع سياسية حول كل الملفات، وتُجرى الانتخابات على هذا الأساس. لا نستطيع شطب الآخرين، ولكن بإمكاننا كسر احتكار القوى النافذة للسياسة وللسلطة وزعمها بأنها المعارضة.

هل يدفع التنظيم نحو خلق هذا الإطار؟

هذا ما نقوله وما نعمل عليه مع أطراف سياسية وأهلية والمجموعات الموجودة في الساحات، نتواصل قدر ما نستطيع. والكل متفاهم على هذا الطرح، لكنه لم يتبلور بشكل كامل. نحاول خلق حالة تسعى لائتلاف واسع يُشكل هذا الوزن السياسي والشعبي المطلوب، ونقول بعدها كيف نريد أن نفرض رؤيتنا للمرحلة المقبلة، لأن الغالبية العظمى من اللبنانيين تريد دولة مدنية عصرية. نحتاج إلى مجهود أكبر في هذا الإطار، ونقدر أن نتوصل إلى نتائج ملموسة، لأن الناس تريد شيئاً تستطيع أن تراهن عليه.

الهوية الوطنية
تحدثت عن اتجاه البعض لما يُعرف بالأمن الغذائي ما قد يدفع لأمن ذاتي، هل في مرحلة ما، قد تتجه أحزاب السلطة إلى الدفع نحو انهيار اجتماعي لكي تُحافظ على وجودها؟

من غير المنطقي أن يكون هذا التفكير سائداً لدى أي من الأفرقاء، لأن الجميع اختبر الحرب الأهلية وأهوالها، ولم يقدروا في النهاية أن يحققوا تطوير نظامهم السياسي بما يتوافق مع حجم تضحياتهم أو تطلعات أجيالهم الجديدة. نحن اختبرنا هذا الأمر، ولكن الأجيال الجديدة لم تختبره صحيح، إنما هذه ليست تطلعاتها. هذه الأجيال تريد دولة عصرية تشبهها وتشبه تفكيرها وعصرها. وهذه الأطراف المستفيدة منذ 30 سنة ستصطدم مع الأجيال الشابة في بيئتها، والتي لا تؤمن بهذا النوع من التفكير، فضلاً عن أن الأمن الغذائي والذاتي لن يكون الحل بأي شكل من الأشكال، بل هو ضرب من الجنون يخدم مخططات التفتيت والمشروع الصهيوني. ولهذا دعونا نعود لنؤكد على الوطنيات العربية والعروبة الجامعة في مواجهة التحديات وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن.

استطراداً، طالما تحدثنا عن المخططات للمنطقة، هل لبنان يؤثر فيها؟

لبنان يدور حوله صراع كما يدور الصراع حول سوريا والعراق والمغرب العربي ومصر وفلسطين، بين الأقوياء الإقليميين والدوليين. صراعهم ليس في مصلحة هذه الشعوب. وبالتالي، هم يغذون النزعات المذهبية على حساب الانتماء الوطني. ولذلك أيضاً، أهم ما في انتفاضة 17 تشرين هي إبراز هذه الهوية الوطنية. وهذا أساس في مواجهة كل مشاريع الهيمنة، وكل من يتحدث بخطاب مذهبي وطائفي يكون يخدم ذاك المشروع الذي يسعى لتقاسم النفوذ من خارج مصلحة الشعوب العربية.

(يتبع غداً، جزء ثان وأخير).


عودة الى الصفحة الرئيسية